الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
«يا خيل الله» للكاتب المغربي ماحي بنبين: آفة التدين الأعمى - عبدالله الساورة
الساعة 16:24 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

أن تصبح عقيدة طفل لم يبلغ الثانية عشرة من العمر على هذه الشاكلة «جعلناه ملكنا وكان ضيفاً علينا يستريح في بيتنا، كان الموت حليفنا، يخدمنا ونخدمه»، فهذا أمر بالغ الخطورة على حد وصف الكاتب المغربي ماحي بنبين وقابل للكثير من الاحتمالات والتأويلات.
 

هناك روايات تصبح مرجعاً في الأحداث الجسام ونبراساً في الأزمات تلك هي رواية «نجوم سيدي مومن»/»يا خيل الله» بعناوينها المترجمة للكاتب ماحي بنبين. 
«يا خيل الله» رواية تقشعر لها الأبدان، وهي اسم تصويري يمنحه الجهاديون إلى أتباعهم الذين يجعلون منهم قنابل بشرية قابلة للانفجار في وجه الكل، وأحزمة ناسفة، ينفجرون في بهو الفنادق أو على متن القطارات بحثا عن جنة مليئة بالحوريات، يصعدون ويعدون بشكل ضروري في خطوات متابعة ومتراصة مثل الخيول. 

 

في هذه الرواية يلخص الكاتب المغربي كيف تحتكر الجماعات المتطرفة الإسلام السياسي، وكيف غدت تهديداً حقيقياً للحكومات في شتى بقاع العالم. 
«نجوم سيدي مؤمن» هو اسم لحي شعبي كبير ومهمش في الدارالبيضاء، حيث الشباب بلا مستقبل، يلعبون كرة القدم في ملعب مهجور ومليء بأكوام النفايات، بدون مكافأة وبدون أن يتحول حلم النجومية إلى مسار فعلي. يقضي بطل الرواية الليل مع أسرته المكونة من ستة أفراد في غرفة صفيحية ضيقة جداً تملؤها رائحة القرف والعرق… يلعب هذا الصبي الذي يبلغ من العمر 12 عاما فوق جبال من النفايات مع أصدقائه في فريق كرة القدم «نجوم سيدي مومن»، يقضي لحظات من البهجة والحبور وسط الموت والتعفن.

 

شخصيات ماحي بنبين لها أوجه التشابه نفسها مع هؤلاء الشباب الذين يعيشون في الحي نفسه وأحياء مشابهة في ضواحي باريس وبروكسل ومدريد والقاهرة، يعانون من فقر مدقع. يعيشون في أسر مفككة مع والد مفقود أو ميت والأم لا يمكنها أن تتحمل رعايتهم مع الكثير من أعباء وثقل الواقع. فلا أحد من هؤلاء يرى بعض التحسن في الوضع الاجتماعي، وفي مسيرته الشخصية ويعيشون «عيشة الكلاب» على حد تعبير بطل الرواية، ولا يمتلكون مستقبلا: ولدوا في البؤس الذي ينتظرهم كما هم ينتظرون البؤس نفسه. شخصيات الكاتب أصيلة كما تمثلها صفحات الرواية، فهم يدركون كلما تقدموا في العمر أنهم يشبهون واقعهم وأحلامهم تضيق يوما بعد يوم وتختنق لتموت في صمت… يدرك أبطاله أنهم لم يفعلوا شيئا لمنع هذا الميزريا/ البؤس، يموتون في المكان نفسه، في سيدي مومن. في هذه النقطة، الرواية ليست بالضبط رواية، بل تعبير عن واقع مخيف. الحكاية التي يسردها الكاتب بدون أن يدين أو يصدر حكما، ولكن يسرد الوقائع، لواقع تقشعر له الأبدان. العناصر الستة عشر الذين نفذوا العملية وقتل منهم 12 إرهابيا في الأحداث الجسيمة التي هزت الدار البيضاء سنة 2003، خرجوا على وجه التحديد من الأحياء البائسة في سيدي مومن. 
 

 

كان هؤلاء الشباب بلا مستقبل، يمتلكون فقط إيمانا يزداد يوماً بعد يوم، بطريقة لبقة وسهلة في التلقين من طرف الشيخ الذي يضعهم ويمنحهم معنى لحياتهم للخروج من هذا البؤس السخيف، وللربح لأنهم سيتحولون إلى خيول لله، ليس فقط المستقبل اللامع، بل أيضا الجنة. الإيمان بهذه الطريقة هو الفرصة المثلى التي يمتلكها هؤلاء للهروب من جحيم البؤس، الذي يحتوي على مفارقة بائسة ومظلمة: السبيل الوحيد لإعطاء معنى لحياته هو وضع نهاية مأساوية لها. 
 

تقتضي الرواية طرح هذا السؤال الاستنكاري هل الخروج من البؤس عن طريق التطرف المتأسلم جنون؟ بدون شك، ماذا فعلت الحكومات العربية والأوروبية بينما كان هذا الوحش يتمدد على مشارف المدن وفي الأحياء والقرى المهمشة؟
 

ما قامت به هو النظر من زاوية أخرى، كما فعلوا طيلة عقود، مع موجات المهاجرين القادمين إلى أوروبا، هذه الظاهرة التي تتصل مباشرة وتنعش الجماعات المتطرفة وتزيد من توغلها. تنظر الحكومات من زاوية أخرى وتمنح بعض الشحنات الإعلامية المتشنجة في الوقت المناسب حين يصبح المواطن قلقا ويحتاج إلى درجات من التهدئة. 
من أعراض هذه التدابير الاحترازية للوقاية من التطرف من خلال زيادة اليقظة على الحدود وفي المطارات من تطويق هذا الشبح، كما لو كنا في فترة الغزوات البربرية، حينما ننظر للعدو بجيش متمركز في أسوار القلعة، على أهبة الاستعداد لرميه بالأحجار والصخور والماء الساخن. وهذا يعني أن الدفاع ليس مقاما على أساس فكري وبشكل جيد وإنما مجابهة فقط ظرفية وجسدية واستحضار القوة لترهيب العدو وتخويفه… واستعماله كفزاعة في وقت آخر.

 

هذا الرد الذي قامت به الحكومات، توجز كيف تتعامل مع ظواهر التطرف والفقر سواء في الحدود الأمريكية أو في الحدود الأوروبية مع قوافل المهاجرين والمتطرفين في الدول العربية، حيث الغالبية من الفقراء والكثير من آفة التدين الأعمي بدون متاريس النقد والاستعمال الجيد للعقل. فالبيروقراطية التي تحرس الحدود ليس لها الطاقة نفسها ولا المحفزات والمنطلقات للمهاجر وللمتطرف الذي يضعها نصب عينيه من أجل الحياة هنا وهناك. في هذه اللحظة لا أحد يمتلك الوصفة الجاهزة للقضاء على التطرف الجهادي، لكن لا يبدو أن تقوية الحدود والمطارات سيكون حلا ناجعاً، فالحل لن يكون سهلاً بإقامة الأسوار ومضاعفة رجال الأمن، بل يتطلب الأمر الاستثمار والكثير من الوقت والمال في الأحياء المهمشة ضد غواية الإيمان الراسخ بالقتل وصولاً إلى الحوريات والعذارى..
 

على طول الرواية نستشف كيف تقام عمليات التجنيد وغسل الأدمغة بسلاسة وكيف تستحضر بيوغرافية وسيرة السيد قطب لفهم الإيديولوجية الإسلامية الراديكالية وفهم ما حققته خلال نصف قرن. أصبح السيد قطب زعيم الجماعة الإخوان المسلمين وكيف تم «قتله»، وانطلاقا من هذا التاريخ ماذا فعلت هذه الحكومات؟ سوى أنها لم تفعل أي شيء ولم تنظر ولم تكن لها الرغبة في النظر، فقط انتظار الفوضى المقبلة التي تؤسس لعاصفة هوجاء تقتلع كل ما يعترض طريقها. 
 

بشكل من الأشكال تطرح الرواية وتتبنى وجهة النظر التالية: لا جدوى من وسائل الوقاية والتجسس، يجب فتح طرق أخرى مصحوبة بالاستثمار والحضور في تلك الأحياء الفقيرة والمهمشة التي تنعدم فيها فرص العمل وتصبح سماداً للتطرف الأعمى. بدلا من سياسة التطويق والعزل والخنق والقمع، وعليه وجب إدماج هؤلاء الشباب وإعطاؤهم خيار ألا يتحولوا إلى يا خيل الله الجريحة.
 

رواية جديرة بالتأمل.. كما في روايات الكاتب السابقة «غفوة العبد» و»المتوحشون» و»أرض الظل المحروق»، ثم «نجوم سيدي مومن» وهي روايات مكتوبة باللغة الفرنسية والمترجمة للعديد من اللغات، التي يسلط فيها الكاتب ماحي بنبين الضوء على العوالم السفلى وعلى المهمشين اجتماعيا والمقصيين ودق جرس الخطر أن النوم بعيون مستيقظة لم يعد الحل الأمثل.

 

منقولة من القدس العربي .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً