الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"الراحل صبري أبو علم.. من الانبهار إلى الصداقة" - منير عتيبة
الساعة 13:08 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

كان من الصعب دائما علىّ أن أنبهر بأحد، لكن مع صبرى أبو علم، رحمه الله، لم يكن أمام الطالب المتخرج حديثا فى الجامعة والذى يمارس الصحافة فى صحيفة (أخبار الإسكندرية) التى تصدرها نقابة الصحفيين بالإسكندرية إلا أن ينبهر به.

 

كان صبرى أبو علم منذ أول لقاء حتى آخر لقاء قبيل رحيله يمثل لى ما أسميه بروح الحياة، دائما هو مقبل على الناس والعمل فاتح ذراعيه وعقله وقلبه للحياة، صراحته فى إبداء رأيه هى جزء أصيل من شخصيته، أفقدته الكثير من المصالح والشخصيات لكنها احتفظت له بنقاء روحه واحترامه لذاته.

 

وفى المقابل كان يتقبل النقد من أى إنسان ولا يدافع عما يقتنع بأنه خطأ حتى وإن كان قد اقترف هذا الخطأ بنفسه، يتحمس لأى فكرة أو مشروع هدفه الصالح العام.

بهرنى بتواضعه وجاذبيته ومعارفه المتنوعة وأصدقائه المتنوعين، لم يكن يشعر بغيرة من نجاح أحد أبدا، بل يفرح للنجاح فى حد ذاته، أحيانا كان يقول لى لا أحب فلانا لكنه ممتاز فى كذا، أو أن هذا الكتاب غير جيد أو هذا الرأى خطأ برغم أن صاحبه صديقى فلان، فهو يربأ بالصداقة أن تكون حقلا للمجاملات، ويربأ بالخلاف أن يبخس الحقوق.

 

وهو لا يشعر بدونية تجاه أى أحد مهما يكن منصبه أو شهرته، وفى المقابل لا يشعر بتعال فى مواجهة أى أحد مهما يكن صغيرا أو متواضعا، وبالتالى لم ينافق أو يتكبر، بل ظل حتى آخر يوم فى حياته بدون تغيير لأنه كان يتصرف وفق طبيعته الحقة بدون تزييف أو أهواء.

بعد الانبهار أصبحنا أصدقاء، يقف بجانبى دائما، ويشجعنى على العمل، ويساعدنى فى المشروعات/المغامرات التى تنتهى غالبا بالفشل، لأن لديه قدرة لا نهائية على بث روح الأمل والإصرار فى المحيطين به.

 

لو أراد صبرى أبو علم أن يكون نجما مشهورا لكان، ولو أراد أن تكون له عشرات الكتب والدواوين المطبوعة لكان، فقد كان يمتلك من المقدرة والصلات ما يؤهله لذلك.

لكن نفسه لم تكن تتطلع لشيء، وهو من القلائل الذين كانوا يرشحون أنفسهم لعضوية مجلس إدارة اتحاد الكتاب لتقديم خدمة حقيقية للزملاء وليس من أجل المنصب، عندما هنأته لإصداره كتابا يضم أشعار الشاعر الراحل عبد الصبور منير عرفت كيف أنكر صبرى أبو علم ذاته مرة أخرى من أجل صديقه.

 

أخبرنى أن المطلوب كان مختارات من شعره هو، لكن صديقه الراحل لم يأخذ حقه، وإذا لم يذكره صبرى فلن يذكره أحد، ففضل طباعة مختارات صديقه وتأجيل مختاراته هو، فهل أقترح على الصديقين الشاعرين أحمد سويلم وجابر بسيونى بأن يجمعا أشعار صبرى أبو علم لتصدر فى كتاب؟

لا تمل حديث صبرى أبو علم أبدا، فلديه دائما ما يقوله، ويجيد قوله بجمال يشد المستمع بالساعات، وكثيرا ما طلبت منه أن يكتب كل ما لديه من ذكريات وخواطر حول أحداث وشخصيات ثقافية، لكنه لم يفعل، طلبت منه أن يسجل ما يحكيه، لكنه لم يفعل أيضا، وهو ما جعلنا نخسر برحيله كنزا معرفيا يخص الإسكندرية والحياة الثقافية بها وبمصر عامة لن يعوضه أحد.

 

انبهرت بصبرى أبو علم الشاعر والمثقف والإنسان فى بداية حياتى، ثم أصبح صديقى وأخى الأكبر، ثم انبهرت به فى سنواته الأخيرة حيث تجمعت عليه شدائد الزمان، وتوالت ضرباته القاسية، فلم يغيره ذلك، لم يفقده روحه وانطلاقه وإيمانه بالحياة، ولم يجعله السن ولا المرض يركن إلى الراحة بل ظل حتى آخر لحظة فى حياته يؤدى الدور الذى طالما برع فى أدائه، أن يكون روح الحياة فى الحياة الثقافية السكندرية.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً