الاربعاء 25 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
وجع القرية الكبير - عبدالرحمن دغار
الساعة 12:17 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


هطل كضوء فتلاشت كل بقع السواد التي كانت تخيم على قلب أبيه ،بزغ ذات ربيع حالك فأضاء روح أمه التي صلت كثيرا ليرزقها الله بولد،
جاء ولي العهد محمد فجاء معه مطر السعادة وتدفقت أنهار الفرح في أعماق روحي والديه،
محمد طفل القرية الذي أحبه الجميع حبا لأهله الطيبين فعاش طفولته بين أحضان كل نساء القرية ورجالها يمطرونه بوابل من القبل والحب والحنان لأنه وحيد أمه وأبيه الذين عانا كثيرا في كل المستشفيات يبحثان عن العلاج حتى رزقهم الله به ،ولأن أبواه كانا من أرقى وأنبل أهل القرية فقد فرح لهم الجميع بمولودهم البكر،
تسلق محمد الحياة وقفز من طفولته إلى عمر الشباب،عاش الطفولة كالأمراء تحيطه رعاية أهله وحب جميع أبناء قريته.
كانت تصرفات الطفل وملامحه وسلوكه تشي عن رجل قادم مليء بالرجولة والشجاعة والذكاء وحب الخير وخدمة الناس ،كان يبدو أكبر من عمره بكثير من حيث حديثه وتعاملاته مع الناس،
تعلق به الجميع من أقرانه وكذلك من هم أكبر منه ،كان يصدمهم حديثه وأفكاره ولباقته وطريقة إقناعه وتأثيره بالكلام للأخرين.
كان محمد روح أبيه وأمه وحياتهم وفرحهم وأمنهم وعزهم وفخرهم الكبير.
ربياه كأحسن ما ينبغي وتعبا كثيرا عليه ليكون كأحسن الرجال تواضعا ونبلا وأخلاقا فكان كذلك،
كان محمد يقود مشروع خلق جيل شبابي واعي ،طموح ،شجاع ،مؤثر وإنساني وبدأت ملامح ذلك المشروع تظهر في أصدقائه لكن محمد اختفى فجأة من المسرح وبقي جمهوره مشدوهين ينتظرون ظهوره من جديد ،كانوا يعتقدون أنه سيطل من جديد من خلف الستارة ليقدم مشاهده المثيرة لكنه غاب ولم يعد.

 

أصيب أبوه بجلطة لم يقم بعدها من على الفراش حيث شلت قدميه وذراعيه وبقي حبيس المنزل ،أغمي على أمه ألف مرة ومرة وهي تصرخ بكل مشاعر الامومة وتنادي أين أنت يا محمد ،بكى الرجال والنساء والاطفال. 
لماذا تفعل كل هذا يا محمد بمن أحبوك وجعلوا منك سلطانهم الأنيق ومليك قلوبهم؟،لماذا تسوق لهم كل هذا العذاب والبكاء والوجع يا عطر حياتهم وضوء مساءاتهم البهية؟،لماذا هكذا فجأة ترميهم في العتمة وأنت صباحهم الذي لا يغيب؟،
لماذا صرت وجعهم الكبير وقد كنت فرحهم الذي لا ينضب؟؛
من فعل بك هذا يا موسيقى الحب وفخر الرجولة وموطن النبل ونهر الإنسانية؟
لم يعد محمد إلى قريته أستاذا أو دكتورا أو مرشدا إجتماعيا لكنه عاد جثة هامدة تحت لافتة شهيد.
وقع محمد في فخ أحدهم فأخذه نحو الموت ونحو الجنة الوهم ،
لم تكن تصرفات محمد تشي بأنه شخص يحب العنف والقتل والموت للاخرين ،كان رجل سلام وحب ووطن من النقاء والخير لكن في الأمر سر كبير فربما تم خداع الفتى وإقناعه بأمر أخر ،
وهكذا يذهب الكثير من أطفال وشباب هذا الوطن نحو اللاحياة ونحو الجنة الوهم بغير وعي وبغير علم من أهاليهم ثم يعودون جثث هامدة.
مات محمد بسره، لا يعرف أحد كيف ذهب ومع من وكيف تم استدراجه ولماذا هو بالذات ؟
ذهب وغادرت بعده روح أمه قهرا ووجعا عليه ،وبقي الأب مشلولا لا حراك به غير إنهمار الدمع الذي لم يتوقف أبدا منذ حلت بهم هذه الكارثة.
رحل محمد ورحل بهاء القرية ونشاطها وحيوية أهلها ،وكأن محمد أخذ الجميع معه،
كل يوم يرحل الكثير كمحمد في هذا الوطن وتبقى قراهم فقط كالحة الوجوه يخيم عليها الحزن وحظها أنها في وطن يصدق وهم الجنة وكذبة الآل وإغراءات الشهادة والإنتصار لدماء الأموات بموت الأحياء.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً