الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
ذاكرة شعبية - سود معمى أو الغناء بضمير الجماعة - الحلقة الخامسة - علوان مهدي الجيلاني
الساعة 16:35 (الرأي برس - أدب وثقافة)



ديناميات الشفاهية في غناء سود- 1 -
 

تدوين التراث الشفاهي ، سواء أكان تدوين جمع أم تدوين توثيق أم تدوين يشكل خطوة باتجاه الدراسة والتحليل، فهما للمعاصرة وبحثا عن مقومات الأصالة في حياة الناس ، بتعبير آخر مهما تكن المنطلقات التي يتخذها جامعو التراث الشفاهي: سواء كانوا ينطلقون من منطلق متحفي أو من منطلق بحثي تطويري، يقولب الماضي بلغة الحاضر ، فإن العمل في التدوين والاشتغال عليه محفوف دائما بإشكاليات لا تنتهي( )؛ فكثير من الباحثين يرون الكتابة عاجزة عن تمثل النص الأدبي الشفاهي، وأن نقل النص من المظهر الشفاهي إلى المظهر المكتوب يفقده كثيرا من طاقاته التعبيرية والابداعية ، فالنص الشعري الشفاهي لا يمكن استيعاب كل طاقاته التعبيرية من دون أن يغنى، فللشفاهية جماليات صوتية تعجز الكتابة عن نقلها، إضافة إلى اختلاف المرجعية الثقافية بين الخطاب الشفاهي والمكتوب، ففي المشافهة نعيش في الواقع عدة مستويات لغوية ، فالناطقون يدخلون إلى عدد من الاستعمالات الاجتماعية في اللغة الواحدة، بينما تقتضي الكتابة التعامل مع لغة واحدة، أما إذا كان النص الشفاهي الذي ندونه شعراً مغنى فإن الصعوبة تكون أكبر بكثير، ولهذا قد لا نجد مقابلات صوتية لأمور أساسية في الشفاهية التي تنهل من الثقافة العامية للمجتمع والتي تبتعد كثيراً عن الثقافة الرسمية لهذا المجتمع، ثم إن المجتمع الشفاهي ينتفع بتقنيات خاصة للتواصل كالإيقاع والغناء والرقص والكلام وتوحيد الأنماط التعبيرية لجعلها تعتمد على وحدات متكررة كالسجع والوزن اللذان يرتكزان على تجزئة الكلام إلى أقسام ثابتة من العبارات بحسب الطول والوزن والطبقة الصوتية ، وهكذا فأن البنية ما فوق المقطعية للشعر الشفاهي ، تميزه عن المكتوب وتفوق عليه بكثير من المظاهر الصوتية التي تطرح دائماًَ مشكلة كتابة الأدب الشفاهي( )..والتي سنعالج الكثير منها بين قضايا مختلفة نتعرض لها من خلال توثيقنا ودراستنا لتجربة الشاعر المغني (سود معمى).
 

 

وقد اخترنا مدخلاً إلى ذلك... شريطاً من أشرطته القديمة نموذجاً نطبق عليه قدر استطاعتنا ونناقش من خلاله قضايا مختلفة تطرحها ديناميات الشفاهية وما يتعلق بها.
 

الشريط النموذج كتابة وصفية
 

* تمت السارية أو الجلسة التي سجل فيها هذا الشريط في بداية عهد الرئيس الحمدي .. حيث يذكر الشاعر مجموعة من الأحداث الاجتماعية والسياسية التي حدثت في الفترة الواقعة بين عامي 73و 1975م أي نهاية عهد الإرياني وبدء عهد الحمدي. 
 

* في بيت الشيخ عبد الله ماطر (بلاد العطاوية).. كان الحدث... وقد كان يساورني شك أن التسجيل تم في جدة .. ولكن أكثر من إشارة شعرية أبانت أن التسجيل تم في بلاد العطاوية .. حازة مديرية الزيدية (أو قضاء الزيدية كما كان يُسمى آنذاك) ومن تلك الإشارات قوله: 
وَازَيْلَعِي حِينْمَا تْبُوكْ
نَا جَارْكُنْ شَايْمُوْبِيْ( )
أي سافر بي معكم جهة الشام .. (السعودية). 

 

* الشريط الذي قمت بتفريغ المادة منه حصلت عليه في بيت الشيخ علي يحيى كلفود.. بقرية الكروس ظهر يوم الأربعاء 3/12/2003م .. ولعله منسوخ عن شريط آخر .. قد يكون هو التسجيل المباشر لسارية سود .. أو تسجيل عن التسجيل، وقد تم التسجيل على ألبوم للفنان علي بن علي الآنسي Maxwll EN cbe يا باني الصنع.. وهو من نوع الأشرطة التي راجت عند منتصف السبعينيات.. ولا زلت أذكر نفس الشريط الأصفر وعليه نفس الألبوم الغنائي للفنان علي الآنسي كان قد أرسله لوالدي أحد أقاربه من جدة عند منتصف السبعينيات .. وعليه أغاني منها (يا من هواه أعزه وأذلني) .. وهي الأغنية التي نسمعها في نهاية الوجه الثاني من هذا الشريط كما نسمع عزفاً لخاتمتها يليه مطلع أغنية (أشكو من البين) قبل التسجيل في مطلع الوجه الأول.. إذ بدأ تسجيل صوت الشاعر بعد أن دار الشريط لبعض الوقت.
 

* اعتبرت أن الوجه الأول من الشريط .. هو الوجه الذي يبدأ بقول الشاعر 
وُوْنَا وَنَا آهْ وَانَا
لِيْ مِنْ حُضُوْرَكْ كْفَايِهْ
سِمِعْتْ مَا قَالْ مَاطِرْ
لِيْ مِنْ حُضُوْرَكْ كْفَايهْ( )
للأسباب التالية: 
السبب الأول: ما جاء في هذا المطلع .. إذ هو من باب (المحاياه) والسلام .. وإظهار الشوق.. 
السبب الثاني: أن هناك عدداً من الأشخاص الذين امتدحهم الشاعر في هذا الشريط لم يكونوا قد وصلوا إلى مكان السارية (بيت ماطر).. فقد كان في البداية يسأل عنهم .. ثم بدأ توافدهم وبدأت إشاراته إلى حضورهم تتوالى.. ثم كان يخاطبهم بعد ذلك بمثل قوله في المقطع الثاني عشر في النصف الثاني من الوجه الأول: 
الْحَاجْ أَتَى آخِرَ الّليْلْ
بِيْدَهْ نَقَفْ كُلّ مَحْبُوسْ( )

 

وإشارته في المقطع العشرين قبل منتصف الوجه الثاني إلى حضور شخص مهم قام له ماطر صاحب المكان عن مكانه وأجلسه فيه حسب العادات المتبعة يقول: 
ويُوسُفْ حَضَرْ مَا ذِحِيْنَهْ
ومَاطِرْ هَبَاهْ فِيْ مْحَلّهْ( )
السبب الثالث: أنه فيما بدا في أول الوجه الأول.. أن الكلام ابتدأ في معناه وكذلك لازمة البدء .. (وُوْبَا وَنَا آهْ وُوْنَا) فقد جاء المقطع السادس عشر وهو المقطع الأخير من الوجه الأول مبتوراً بسبب انتهاء الشريط.. وفي أثناء قلب الشريط وتجريب التسجيل يكون الشاعر قد أنهى المقطع .. واستراح قليلاً وبالتالي فإنه قد بدأ الوجه الثاني بمقطع جديد.. ولكنه واضح وضوحاً لا مجال للشك فيه أن السياق تابع لما سبق.. والكلام في المقطع الجديد والمقاطع التي تليه في الوجه الثاني .. معطوف على الكلام الذي جاء في مقاطع الوجه الأول.. 

 

* يتكون الشريط من خمسة وعشرين مقطعاً.. ستة عشر مقطعاً في الوجه الأول، وتسعة مقاطع في الوجه الثاني. 
 

* لا تتساوى المقاطع من حيث الطول .. فأصغر المقاطع هو المقطع السادس عشر، وهو المقطع المبتور في نهاية الوجه الأول من الشريط، وهو مكون من خمسة أبيات.. 
أما أكبر المقاطع فهو المقطع الثامن عشر من الشريط والثاني من مقاطع الوجه الثاني، ويتكون من ستين بيتاً.. ومعظم مقاطع الوجه الأول يتراوح طولها بين العشرة أبيات والعشرين بيتاً عدا المقطعين الثاني والرابع عشر، وهما بين العشرين والثلاثين، والمقطع الرابع الذي يقع في 34 بيتاً.. ومجموع أبيات الوجه الأول 269 بيتاً. 
أما الوجه الثاني فمعظم مقاطعه تقع بين العشرين والثلاثين. وهي ستة مقاطع .. فيما يقع اثنان من مقاطعه بين العشرة والعشرين .. 
وهناك مقطع واحد سبقت الإشارة إلى أنه أطول مقاطع الشريط ويتكون من ستين بيتاً.. ومجموع أبيات الوجه الثاني 224 بيتاً.. 
أي أن مجموع أبيات الشريط هو (خمسمائة وثلاثة عشر بيتاً).
مع الإشارة إلى أن هناك سقطاً يقع أحياناً؛ لأن بعض الأبيات أو الأشعار لا تفهم وهي مع ذلك قليلة.. 

 

* غنىّ سود شعره في هذا الشريط على إيقاع رقصة الزير المشهورة في تهامة الشام .. وإيقاع هذه الرقصة إيقاع حربي رجولي فعليها يرقص الرجال وهم يتقلدون أسلحتهم .. وعليها تلعب الخيل وتتسابق.. 
وعلى هذا الإيقاع أنجز سود معمى أكثر منجزه الشعري .. خاصة في سواريه في المحاضر أو السمرات في بيوت المشائخ والتجار ووجهاء الناس وهو إيقاع يناسب المديح والفخر .. وذكر الوقائع والأحداث .. ولسود كما في هذا الشريط أشرطة كثيرة .. على هذا الإيقاع .. بينما لم نجد له حتى الآن أشرطة كاملة على إيقاعات .. الفدّاية أو المخدمي أو المَرْيَسي أو الزيفات.. أو إيقاعات أخرى، فتلك الإيقاعات نجد له منها مقاطع هنا وهناك .. وهي تفرض موضوعات أخرى على الشاعر.. كموضوعات الغرام .. وخاصة غرامه ببنات امريمي أو مديح النساء في غناء الفدّاية .. أو المزاوجة بين أكثر من موضوع .. كما في غنائه على رقصة الشنب.. وهي أقرب لاشتغال سود على إيقاعات الزير.. أما الدمة والشرجي فقد روى الرواة أنه كان إبان شبابه يغني على إيقاعيهما.. غير أننا لم نجد أحداً (على الأقل حتى الان) يحفظ من شعره على الإيقاعين المذكورين.

 

* لازمة سود في هذا الشريط بل الأحرى في هذا الإيقاع (إيقاع الزير) هي: 
وُوْبَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْبَا وَنَا آهْ وُوْنَا
أو 
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
أو ما يقوم مقامها إيقاعياً مثل:
نَا نَا آهْ نَنَا نَانَا
نَنَا نَنَا آهْ نَانَا
وهي تأتي في أول كل مقطع .. أحياناً في صدر البيت الأول فقط كقوله في مطلع المقطع الأول من الشريط: 
وُوْنَا وَنَا آهْ وَانَا
لِيْ مِنْ حُضُوْرَكْ كْفَايِهْ
وأحياناً تأخذ البيت الأول كله .. كقوله في مطلع المقطع الثاني من الوجه الأول من الشريط: 
آنَا وَنَا وَاهْ وُوْنَا
آنَا وَنَا آهْ وَانَا
تَعْبَ الدّنَايَا أتَى بِيْ
وْتَعْبَ امْزِقِيْ وَامْبْزُوُرَهْ( )
وأحياناً تأخذ بيتاً ونصف البيت كقوله .. في مطلع المقطع الثامن: 
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
نَا بْكَيْتْ وَالْدّمْعْ سَايِلْ( )
وأحياناً تأخذ بيتين .. أو سطرين كقوله في مطلع المقطع العاشر:
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
قَلِّيْ دَلاَ دَلاَ انْقُلْ امْشِيْتَكْ( )
وقد تأخذ ثلاثة أبيات كقوله في مطلع المقطع (رقم عشرين): 
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
نَاصْبَرْ عَلَىْ امْغُلْبْ وَامْضَيْمْ
وَنَا اللّيْ اسْهَرَ امْلَيْلْ كُلّهْ( )
)
وهو لا يعتمد في لوازمه صيغة واحدة .. فقد يستبدل الصيغة (وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا.. بـ وُوْبَا وَنَا أهْ آنَا نَنَا نَا نَانَا .. أو آ آ آ، أو آه آه آه). 

 

* في أثناء ذلك يقوم مساعده بحثه أو تشجيعه بكلمات .. مثل: (هَاهْ) أو (اللّه) يقولها ممدودة هكذا (اللّوووووهْ) .. أو (يّـ يّـ يّاه) .. أو (كيف.؟ كيف؟) أو (ما قال؟ .. ما قال؟).. 
 

* هذه اللوازم بمقدار ماهي منطلق لطلب القول وتهييج الأحاسيس والسلطنة، هي أيضاً فرصة للبحث عن الكلام .. والأوصاف، وهذا من طبيعة الإبداع الشفاهي المرتجل .. خاصة والشاعر يلجأ إليها فتكون شطراً من بيت أو تكون بيتاً أو أبياتاً.. داخل المقاطع .. وليس في أولها فقط .. وذلك حين يبحث عن وصف يضاف إلى الصيغ المتكررة، مثلاً في منتصف المقطع السابع عشر كان سود يقدم عتاباً مراً حول ما يمكن أن ينتج عن طول الغياب من نسيان مقصود أو غير مقصود للأحبة فيقول: 
لاَ امْسَيْتْ وَلاَ عَادْ كَيْفَكْ
وَنَاسِيْكْ ظَنّهْ تْغَبّاكْ( )
ليقدم بعدها إحدى صيغه المتكررة حول ضرورة اغتنام فرصة لقاء الحبيب وعدم إفلاته:
والله مَا سِيْبََهْ بَنَانِهْ
وْلاَ اشْبُكْ عَلَى بُوْهْ بْشُبّاكْ( 
)
ولكنه يشعر أن الشجن الوافر الذي قدمه البيت السابق لا يناسبه أن تتبعه مثل هذه الصيغة المتكررة التي جاءت في شطر آخر.. فلجأ إلى لازمته يرددها ريثما يبحث عن قول مناسب فقال: 
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
قُلُوْ بْكُنْ مَا تْدَوِّرْ
وَلاَ تَسْألُوْا بَعْدْ مِنْ بَاكْ( )
وهو قول مناسب بل هو أكثر شجناً من القول الأول فهو يكمله ويضيف إلى دلالاته ومعانيه.. 
ولكن سوداً مرات يلجأ إلى اللازمة لا ليبحث عن أوصاف جديدة.. وصور مبتكرة .. بل يلجأ إليها ليستدعي من الذاكرة إحدى الصيغ الجميلة المتكررة عنده .. فقد كان قبل نهاية المقطع الخامس عشر يقول: 
وَنَا اشْتَرِي كُلّ غَالِيْ
أنَا مَا شْتَريِشِيْ الّذيْ بْلاَ شْ( )
وَلاَ لْقَىْ امْزَخَمْ مَا تَرْكْتَهْ
لَوْ يْطْلِقُوْا ألْفْ رَشّاشْ( )
وهنا بدأ يبحث عن صيغة مناسبة تبرر الاستماتة والتضحية من أجل هذا الزخم .. فلابد أن زُخْمَهُ زُخْمٌ استثنائي بكل المقاييس. 
فقال: 
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
وُوْنَا وَنَا آهْ وُوْنَا
نَا لْقِيْتْ شَبُّ مَوَدِّيْ
مَا كِيْ انْصَدَنَّهْشْ لاَمْحَاشْ( )
إذن فالحبيب ذو جمال غير عادي .. ثم إنه جمال بكرٌ لم تمتد إليه يدٌ من قبل.. وهذا يستاهل التضحية .. بلا جدال.. 

 

* وكما أن لسود لوازم بداية أساسية .. يبدأ بها مقاطع شعره المغنى .. وقد يستعملها داخل المقطع أيضاً.. فإن له لوازم ختامية هي (يوه) ممدودة (يوووووه) هذا في النهايات الكثيفة الممتلئة بالشعر.. ولكن ليس دائماً .. ففي مرات يستأنف بلوازم المطالع بدلاً من لازمة الختام ويقوم بتغيير القافية .. كما فعل عند الانتقال من المقطع الأول إلى المقطع الثاني .. وعند الانتقال من المقطع السابع إلى المقطع الثامن على سبيل المثال.. 
ونجده حيناً يختم المقطع فجأة .. فهو يستعمل لازمة: 
وُوْبَا وَنَا آهْ وُوْنَا
كأنه يبحث عن كلام جديد .. ثم في الشطر الثاني يقول (أُووووه) إيذاناً بختام المقطع. 
وفي أشرطة أخرى نجد سوداً في لازمة ختام المقطع يستعمل لفظ (واجناه) مكرراً ثلاث أو أربع أو خمس مرات كهذا (واجناه، واجناه، واجناه) ولكن طريقة نطقه لها وهو يواليها بسرعة تجعل المدود فيها لا تظهر فكأنه يقول: (وجنه، وجنه، وجنه). 
والحقيقة أن تسجيل لوازم سود الصوتية .. يبدو صعباً دون الاستعانة بتقنيات حديثة، وكذلك الاستعانة بموسيقين إلى جانب ما يوفره لنا علم العروض والأوزان.. ولكنني سأواصل رصد بعض اللوازم والميزات في طبيعة وأساليب الأداء الصوتي .. والتقاليد الشعرية المتعلقة بدينياميات الشفاهية عند سود مع التأكيد أن هذا ليس كل شيء..

 

مرفق صورة مع الشيخ علي يحيى كلفود رحمه الله ظهر يوم الأربعاء 3 ديسمبر 2003م.... وفي نفس العشة بقرية الكروس ذلك اليوم حصلت على شريط سود معمى الذي ندرسه
______________________

 

الهوامش:
 

( 1) بتصرف عن وجيه فانوس،مخاطبات (من الضفة الأخرى للنقد الأدبي) منشورا اتحاد الكتاب اللبنانيين،بيروت سبتمبر 2001 ص153
 

( 2) بتصرف عن محمد تحريشي، في جمالية النص الشفوي بين الشفوية والكتابة ، دراسة من منشورات أتحاد الكتاب العرب 2.وانظر أيضاً: إشكالية تحليل الخطاب الشفاهي، مدونة زغب للأدب الشعبي.
 

( 3) وَازَيْلَعِي حِينْمَا تْبُوكْ: وازيلعي عندما ترغب في السفر... نَا جَارْكُنْ شَايْمُوْبِيْ: أتمنى أن تصحبوني معكم في هذا السفر إلى جهة الشام (مدينة جدة).
 

( 4) لِيْ مِنْ حُضُوْرَكْ كْفَايِهْ: مضى زمن طويل على حضور كهذا تحضره عندي... بمعنى أن الشاعر بدأ يفتخر بما أبداه ماطر (صاحب المكان) من التشوق إليه والعتاب اللطيف لغيابه الطويل.
 

( 5)الْحَاجْ أَتَى آخِرَ الّليْلْ: الحاج جاء إلى الحفل متأخراً...بِيْدَهْ نَقَفْ كُلّ مَحْبُوسْ: بيده فك قيود المحبوسين...كناية أولاً عن وجاهة الحاج ومكانته الاجتماعية، وأنه من أهل الحل والعقد...أو حسب التعبير الدارج في المنطقة ممن يحقون ويبطلون. وثانياً: كناية عن كرمه والنقوط التي نثرها على الشاعر بكرم.. وكانت محبوسة في محافظ حزامه.
 

( 6)مَا ذِحِيْنَهْ: الآن...... ومَاطِرْ هَبَاهْ فِيْ مْحَلّهْ: ماطر أجلسه في مكانه.
 

(7 )تَعْبَ الدّنَايَا أتَى بِيْ: متاعب الدنيا وتقلباتها هدت حيلي، وارضختني لمطالبها.... وْتَعْبَ امْزِقِيْ وَامْبْزُوُرَهْ: وأيضاً تعب الأولاد (الزقي/ البزورة) هد حيلي وأتعبني.
 

( 8) نَا بْكَيْتْ وَالْدّمْعْ سَايِلْ: لقد بكيت حتى سالت دموعي.
 

(9 )قَلِّيْ دَلاَ دَلاَ انْقُلْ امْشِيْتَكْ: قال لي امش رويداً رويداً (كناية عن التروي في الأمور).
 

( 10)نَاصْبَرْ عَلَىْ امْغُلْبْ وَامْضَيْمْ: اعتدت أن أصبر على القهر والضيم والمصائب... وَنَا اللّيْ اسْهَرَ امْلَيْلْ كُلّهْ: وقد اعتدت أيضاً بسبب ما أتحمله من غلب وضيم أن أبيت الليل ساهراً لا أنام.
 

(11 )لاَ امْسَيْتْ وَلاَ عَادْ كَيْفَكْ.... وَنَاسِيْكْ ظَنّهْ تْغَبّاكْ: المعنى لم يعد يمسي عليك أو يسأل عن أحوالك.. لكأنه نسيك أو لم يستطع التعرف عليك (تغباك/ لم يتعرف عليك) وربما جاء مدلولها (لعله تجاهلك).
 

(12 ) والله مَا سِيْبََهْ بَنَانِهْ: والله لا أتركه مقدار بنانة كناية عن قوة تمسكه به...وكانت العادة أن يستعمل الناس في تهامة (على الأقل في منقطة الشاعر) ألفاظاً مثل: (أتركه، أفلته، أفارقه، أفكه، أكبيه) بدلاً من: (أسيبه) ولكن الشاعر استعملها هكذا في أول السبيعينيات من القرن العشرين جرياً على ما اعتاد عليه المغتربون من استعمال الألفاظ الحجازية خاصة ألفاظ أهل جدة، حيث شاع استعمال (أسيبه، أبغى) وتعبيرات مثل (زي بعضه) وغيرها.
وْلاَ اشْبُكْ عَلَى بُوْهْ بْشُبّاكْ: ولا أمسكنه كما يمسك الشباك الشيء أو لأغلقن عليه كل المنافذ.

 

( 13)قُلُوْ بْكُنْ مَا تْدَوِّرْ وَلاَ تَسْألُوْا بَعْدْ مِنْ بَاكْ
هذا البيت بألفاظه القليلة واسع الإيحاء وكثير المدلولات داخل لهجته، حتى ليبدو شرحه شيئاً صعباً... على العموم يقول الشاعر لمن يعاتبهم أنهم قليلو الوفاء، فقلوبهم تنسى الحبيب بمجرد غيابه... ولذلك فهم اعتادوا ألا يسألوا عمن غاب (باك) بسفر أو غيره... وهذا يثير إشكالاً وكأن المسألة ليست مسألة ألفاظ تؤدي دلالة ولكن مسألة السياق ينتج الدلالة، ولهجة لها إيحاءاتها الخاصة من خلال أبنية وتعبيرات يستحيل إيصال معناها من خلال شرحه باللغة الفصحى... وهنا تبرز الأهمية الكبيرة لما قاله اللساني البريطاني (جيفري فيرث): " من ضرورة الانتباه إلى الجانب الكلامي للغة لأنه حسب رأيه المفتاح لفهم ماهية اللغة (اللهجة) وكيفية عملها في الوقت نفسه.

 

( 14)وَنَا اشْتَرِي كُلّ غَالِيْ أنَا مَا شْتَريِشِيْ الّذيْ بْلاَشْ: اعتدت على شراء ثمين.. أما الرخيص فلا أشتريه... كناية عن تخيره لممدوحيه ولمحبوباته وأصدقائه.. وأيضاً شعره.
 

( 15)وَلاَ لْقَىْ امْزَخَمْ مَا تَرْكْتَهْ لَوْ يْطْلِقُوْا ألْفْ رَشّاشْ: ولو قدر لي أن ألقى الجميل (امزخم) فلن أتركه لو يطلقوا ألف رشاش.. كناية عن استماتته في حبه وعدم استعداده للتفريط فيه.
 

( 16) نَا لْقِيْتْ شَبُّ مَوَدِّيْ مَا كِيْ انْصَدَنَّهْشْ لاَمْحَاشْ: الشب نوع من الذرة البيضاء.. وقوله (مودي) أي جيد النماء طويل الزرع.... ما كي (ما قد) انْصَدَنَّهْشْ (حصدته) لاَمْحَاشْ (جمع محش وهو المحصد) والبيت كله كناية... فالشب المودي الذي لم تحصده المحاصد هو امرأة شابة جميلة لم تلمسها يد لامس من قبل.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً