الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
ماريو فارغاس يوسا.. يعود إلى «الزوايا الخمس» البوليفية - عبدالله الساورة
الساعة 22:24 (الرأي برس - أدب وثقافة)

يعود الكاتب البوليفي ماريو فارغاس يوسا، الحائز جائزة نوبل للأداب لسنة 2010، إلى جذوره البوليفية في عمل روائي جديد في صيف 2015 بعنوان «الزوايا الخمس». العودة إلى أرض البيرو، المركز الأساس لسرده وحكاياه، للحزن الكبير والفرح الكبير لقلبه وذاكرته.

 

سئل الكاتب ماريو فارغاس من أين تتأتي له القدرة على تذكر هذه الأشياء؟ وببداهة الكاتب المتمرس يجيب «أتذكر الأشياء التي لها علاقة بعملي، الأشياء الشخصية جداً أو العائلية، وأنسى كثيراً أكثر مما أتذكر. كلنا يقع لنا هذا. نعم، إذا ما أمعنت كثيراً أتذكر، الصور والحلقات التي تتحول في ما بعد إلى مواد أولية لعملي».
 

تنشر رواية «الزوايا الخمس» في الوقت ذاته في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية، احتفاء بعيد ميلاده الثمانين (من مواليد 28 مارس/آذار 1936أركيبا في البيرو).
الرواية قصة فاتنة ورائعة لعوالم مهددة بالسخرية، بالطموح والبؤس الأخلاقي والعنف، يؤلف فيها الكاتب قصة عن البيرو في سنوات التسعينيات من القرن الماضي. ينشئ الكاتب لوحة جدارية تصور شخصيات من بيئات مختلفة جداً، يظهرون فيها متضررين من الرعب الناجم عن إرهاب حركة «الضوء المضيء» والصحافة الصفراء والفساد المرتبط بدوائر السلطة، طيلة فترة حكومة ألبرتو فوجي مورو. 

 

تبتدئ الحكاية حينما يحاول رولان غارو ، مدير صحيفة أسبوعية، تشويه وتدمير سمعة مهندس تعدين ناجح، من خلال حصوله على بعض الصور التي يظهر فيها في وضعيات مخلة بالأداب. وبعد ذلك كل شيء يبدأ، ليعري البؤس الأخلاقي المنتشر بين صفحات الجريدة وخارجها بطريقة فجة تبعث على الاشمئزاز والتقزز.
لإيمان الكاتب بأن «اللغة تخلق الحكاية في الأدب»، وبلغة إيروتيكية كوّن صورة، ملمحا أوليا عن هذه الرواية أثناء كتابتها «حالة رواية الزوايا الخمس هي مهمة على اختلاف قصص أخرى، لم يكن لي شيء واضح عن ملمح هذه الرواية. بدأت بصورة إيروتيكية جداً لسيدات صديقات يعشن في وضعية إيروتيكية، ثم تحولت إلى قصة بوليسية، ثم إلى جدارية مجتمع بيروفي خلال الشهور والأسابيع الأخيرة من ديكتاتورية فوجي مورو»، يعلق الكاتب.

 

عن هذه النبرة الإيروتيكية العالية في الرواية يدافع عنها الكاتب على الشكل التالي الإيروتيك «نعم، هي وجه من وجوه القصة لعلاقة إيروتيكية قوية جداً، الإيروتيك هو وسيلة للهرب من الواقع. حتى لا تعيش الواقع الذي يرفضك. إذا كانت ثيمة تتخلل الزوايا الخمس وتتخلل الرواية بكاملها فهي الصحافة، والصحافة الصفراء خصوصا». 
 

تجري أحداث الرواية في العاصمة ليما، في شارع يحمل الاسم نفسه والذي كان ذات يوم شارعاً جميلا، واليوم يبدو بحالة من السوء والبؤس. تعود لِيما لأن تكون المشهد كما في رواياته السابقة في مراحله الأولى من الكتابة. هذه العاصمة يلبسها عباءة الواقعية، وهو كاتب رواية «الحقيقة من الأكاذيب»، التي حولها إلى رواية بالعنوان ذاته. «الزاويا الخمس»، حي مهم في العاصمة لِيما، حيث توجد السفارات المهمة الفرنسية والبريطانية والأمريكية والأسترالية والبلجيكية واليابانية.. ويعرف حيوية كبرى، كما يعرف وجود الكنائس الكولونيالية فيه.. مما يعطي للحي أفقه السياسي، وما كان يعتريه من صراعات سياسية في أجواء من التطاحنات بعد انهيار جدار برلين.
 

إنه الكاتب ماريو فارغاس الذي تحولت عناوين كتبه إلى جمل مشاعة ومشتركة ومتداولة مثل «المدينة والكلاب»، «حرب نهاية العالم».. التي تساعده في مسار الكتابة. 
ففي روايته «المدينة والكلاب» كان لها عنوان آخر هو «المحتالون ومسكن البطل»، كذلك له رواية ولدت بعنوان «المنزل الأخضر» والعناوين التي تظهر مثل صورة مثل «محادثة في الكاتدرائية»، حيث برز العمل من فكرة الحانة الصغيرة التي استخدمها كنوع من التقابل وكخلفية للمحادثة التي كانت هيكل وجوهر العمل الروائي.

 

لم يكن للكاتب طيلة أسابيع عنوان للرواية، ومن دون أن يعرفه خرج للبحث عنه. انطلق من منزله في برانكو في العاصمة ليما، بنظارات شمسية وقبعة تغطي نصف وجهه ومعطف من معاطف رجال المباحث.. فالطريق الذي سلكه ذاك اليوم كان ثابتاً من دون معرفته وهو عام 1952.
 

فتح من خلاله تذكار بوابة الذاكرة، إنها الصورة للأشهر الثلاثة الفريدة والبوهيمية التي عاشها الكاتب في حياته. كان يبلغ من العمر ستة عشر ربيعاً، في ريعان الشباب حينما اشتغل كصحافي في صحيفة «كرونيكا». في بعض المسارات يذهب صحبة أصدقائه الصحافيين إلى بيت أحد الرسامين، وكان يعجبهم الرقص. في ذاك المنزل المتواضع كانوا يتبادلون الحديث ويغنون ويرقصون، كانت الحياة بهية وتشي بالفرح.. المنزل ذاته يوجد في الزوايا الخمس.
 

هذا هو التذكار الذي قفز بينما يتجول في الحي، وصاحبه طيلة اليوم.. وبالتالي نقله إلى الورق وتحول إلى مشهد روائي، حيث يعبر عن بطلين رئيسيين من شخصيات الرواية. 
في اليوم الموالي ومن دون أن يجد العنوان.. ذهب إلى زيارة المكان نفسه لمقارنه ذاكرته بالواقع الجديد. لم يجد أي شيء، فقط سيدة حذرته مما يمكن أن يقع له وهي منشغلة بحراسة السيارات المركونة جانباً في الساحة مخاطبة إياه «سيدي لا يجب أن توجد هنا»، ثم أضافت، «هذا الزقاق عنيف جداً، وفقط نحن القاطنون هنا آمنون على أنفسنا، لأننا نعيش هنا ونتعارف «.. لم تفاجئ الكاتب.. كلمات المرأة ووجد الكثير من اللاأمان في الشارع، بالإضافة إلى صور الانحطاط التي لا رجعة فيها. المتاجر والمنازل الممنوعة، يتجول الناس نصف عراة، الكلاب الضالة، رجال عصابات، إعلانات روحية ملصقة على الجدران مفادها «الروحانية في البيرو: تفهم بشكل جيد في الليل».

 

 

يعلق الكاتب البيروفي على هذا المشهد قائلا: « الأزقة الخمسة نفسها الموجودة، التي لاتزال صامدة منذ كنت شاباً، وقد تدهورت. مملوءة بالأزبال، وبنوعية من الإنسانية الفرعية، وبأناس مهمشين جداً، فقدوا كل الآمال».. من هنا جاءت حكاية العنوان وهنا ولدت الرواية بتفرعاتها وقراءاتها المختلفة. ثم يضيف «كانت لدي المسودة الأولى معدلة، وخلافاً لرواياتي السابقة، بدأت بدون عنوان، وهذا يمثل عملا إضافيا ومزيدا من العمل، لكن أعتقد أنني وجدت عنوانا في الأيام الأخيرة: الزوايا الخمس». 
 

منذ سنة 2013 وروايته «البطل المستتر»، التي يتحدث فيها عن مالكي شركتين في البيرو والكاتب ماريو فارغاس يبحث عن فكرة أصيلة من ينابيع الواقع البيروفي يقول الكاتب، «يظهر لي في كل هذا، فهي رمز للمجتمع وللإشكالية البيروفية وأعجبتني كثيراً فكرة أن القصة تسمى الزوايا الخمس، كشارع بطريقة رمزية عن لِيما وعن البيرو وكذلك عن فترة تتحدث فيها القصة».
 

وكما رواية «المدينة والكلاب»، تتقاطع وتتشابه مع رائعة نجيب محفوظ «اللص والكلاب»، فالأمر نفسه في رواية «الزوايا الخمس» التي تتشابه وتتقاطع مع الفيلم الأمريكي «الزوايا الخمس» من إخراج توني بيل وبطولة الممثلة جودي فوستر، ويتحدث الفيلم عن شارع يقطن فيه أناس من الطبقة الوسطى، في زمن يتغير بشدة ويغدو الشارع وكراً للعصابات وتجار المخدرات، بعدما كان آمنا وفضاء للسكينة والهدوء، في هذا الحي هناك امرأة تناضل، جودي فوستر، من أجل حياتها وشارعها ضد مغتصبها الذي يخرج من السجن.. هناك تقارب وتقاطع.. ولكن الإبداع يولد من رحم أفكار وتجارب الآخرين، ورواية «الزوايا الخمس» رواية لكاتب لاعنوان له.. وولادة بيروفية للواقع السياسي والاجتماعي لسكان عاصمة لِيما بتاريخها الطويل ضد القهر والقمع والاستبداد والديكتاتورية والتبعية والحزن المغلف بلحظات الفرح..هناك.. وها هنا في الوطن العربي..
 

كاتب وناقد سينمائي مغربي

منقولة من القدس العربي...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً