الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
حلم العودة إلى الأندلس قراءة في رواية منير عتيبة (موجيتوس) - سيرين حسن
الساعة 16:14 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

هذا الكتاب هو رواية الشخصيات بجدارة فشخصياتها المتنوعة الكثيرة تفوق العشرين رجلاً بكثير.. عشرون بطلاً سافروا لغزو بلاد الفرنجة تفرعت وارتبطت بهم شخصيات أخرى تُروى مغامراتهم في فصول الرواية السبعة عشر.
 

شخصيات كثيرة ما بين المتدين المتقشف في الحياة، ومابين الغارق في الملذات المنتشي بالنصر، والجواري والغنائم، مابين التائه والحالم.. تنوع جعل الرواية متميزة وصعبة.
هذه الرائعة السردية جمعت أرواحاً كثيرة تشترك في هدف الفتح وغزو عوالم جديدة.. شغف بالشهادة في سبيل الله جعلهم يتركون كل شيء ليصبحوا مجاهدين.

 

الراوي هو أحد الرجال العشرين (مجاهد) وأصغرهم سناً والوحيد المذكور عمره(خمسة عشرة عاماً) ليضع الكاتب عنصر الزمن في الرواية، والذي سيمتد حتى أكثر من مائة عام من عمر موجيتوس أو مجاهد.
اسم مجاهد حمل معنى مهمة وطبيعة الرجال الذين رافقوه في الرحلة؛ فكلهم مجاهدون يسعون للفوز، والغنائم، والنصر أو الشهادة.

 

يروي مجاهد بلسان كل شخصية على حده، دون فواصل بين راوٍ وآخر، لتنتقل فراشة الحكي من شخص لآخر دون أن نشعر.. يتدخل مجاهد كسارد خارجي أحياناً بالتعليق، أو التمهيد لشخصية، أو للحديث عن حياته هو.
لم يركز الكاتب على تفاصيل المعارك وبهذا لم تكن الرواية كلاسيكية عن الحرب وتقنياتها العسكرية، ساحات المعارك، والسيوف والدماء، بل اختصر ليُفيض في شرح حيوات الشخصيات قبل مركب العشرين رجلاً وصولاً إلى حصن (فراكينسستوم) والحصن الآخر المسمى بنفس الاسم لتنتهي الرواية وما يزال الراوي مجاهد(موجيتوس) وزوجته ماريا (كريستينا) والطبيب تحت الحصار في الحصن.
الحكاية داخل الرواية أمر معتاد في أسلوب الكثير من الكُتّاب، لكن هنا ليست حكاية واحدة، هي حكايات كثيرة متشعبة وشخصيات متداخلة، ترابط زمني بين لحظة السرد وقراءة السيرة وبين أحداث كل شخصية على حدة، حدثياً وزمانياً، وتقاطع الأحداث معاً وهذا ما يجعل الرواية مختلفة ومتميزة.
فمثلاً عندما كان الحديث عن موت حسان الغافقي تم إدراج تأكيد لموت التوأم صفيّ وعليّ والذي حدث في وقت سابق في الرواية.

 

بينما تدخل فصول كريستينا الخمسة المعنونة باسمها بين فصول حكايات الرجال العشرين، تحكي قصة حياتها مع شقيقها مارك، وعائلتها في قرية خاضعة لطغيان الشريف هرمان الذي يمثل السلطة الظالمة، المسيطر على كل أهالي القرية إلى السنة التي ينتشر فيها الطاعون ويبدأ في حصد الأرواح وتصل كريستينا بعد خطفها إلى مجاهد الذي سيصبح زوجها المستقبلي.ً
 

العبودية في زمن الرواية كانت أمراً سائداً.. أراد الكاتب أن يتمرد عليه ببعض شخصياته فقام عبدا لله البلوطي ببناء أندلسه الخاصة.. حاول جاهداً محو كل مظاهر العبودية ومساواة الناس جميعاً ليحقق حلمه في هذه المدينة التي أصبح حاكمها بعد الغزو عليها.
 

في ص8 (العبيد هم من يعاونون السيد المحارب.. هم من يصنعون لهم و مع رقيق الأرض يزرعون.. فهل يمكن أن تتخيل العالم بلا عبيد؟ كيف سيكونون آلهة وأنصاف آلهة إن لم يكن هناك عبيد؟)
هذه إشارة إلى واقعنا الذي نعيشه في كل مكان وزمان؛ فنحن من نجعل أنفسنا عبيداً ونسمح لآخرين بالسيطرة على حياتنا.

 

في ص82 (البعض أصبح عبداً حتى النخاع.. روحه عبده لا يفهم معنى الحرية.. لا يستطيع أن يعيشها فإن لم يستعبده أحد استعبد نفسه لأي إنسان).
نحن في زمننا أحرار استعبدنا أنفسنا لأشياء، أشخاص، أفكار، أو حتى أوهام.. البعض استعبد نفسه لأطماعه أو لشهوته، البعض استعبد نفسه لآخرين ظناً منه أنهم أعلى منه مكانة وأفضل أو لهم ميزات جسدية، أو مادية، أو دينية، أو...أو... وبهذا تتم الصورة ويًقسم الناس إلى آلهة وعبيد، يستمتع كُلٌ بدوره الذي يعيش والذي اختاره بنفسه.

 

لا مجال في الحياة إلا لسلطة واحدة وهي السلطة الإلهية المطلقة التي يجب أن يخضع لها الجميع دون نقاشات لا طائل منها، نتساوى جميعاً تحت مظلة حكم واحد، لكن الأطماع والأهواء تفرض قوانين أخرى، وتنسحب الإنسانية إلى خانة الضعف ويصبح البقاء للأقوى.
أمام قسوة الحياة تهرب الشخصيات إلى الخيال؛ فتهرب كريستينا من قسوة جدتها معها، ومقتل شقيقها مارك على يد الشريف هرمان دون جرم، واغتصابها من قبل الشريف عندما تذهب لترجوه أن يعفو عن شقيقها؛ فيخفف عقابه، يأمر بقتله ودفنه دون نزع أمعائه وربطها حول شجرة الصفصاف، كل هذا الظلم يحدث دون أدنى تأثر من والديها، كأنه حق مكفول له بضعفهم وخنوعهم، كل هذا الواقع المر جعل كريستينا تواصل اللعب مع شقيقها في ذات الحديقة حتى بعد وفاته.

 

وعد من مارك لشقيقته بزرع دم الشجرة في عين الشريف السليمة؛ ليعاني ألماً لا يطاق في السادس من كل شهر يوم مقتله انتقاماً لقتله، وبهذا ترتاح نفسها قليلا بأن الظالم سينال عقاباً بطريقة ما.
يهرب عبد الرحمن وعيسى من الفرسان المطاردين بتسلقهم سلماً في قوس قزح ليصلا إلى الجانب الآخر أسفل الجبل أمام دهشة أعدائهم.

 

طريقة الهروب هذه مهدت لنهاية عيسى الغرائبية باختفائه من غرفته وظهور حشرة سوداء كبيرة كريهة الرائحة فيها، ونزول شبح عيسى في المعارك ليستخرج الحشرة السوداء من صدور الجثث، ويبصق عليهما لتحترق.. هذه الحشرة أو السوس كما سماها عيسى في حياته كانت كناية عن الأحقاد، والشرور في قلوب الناس والتي ما عرفها إلا متأخراً ولكنه لا يستطيع نزعها من صدور الأحياء بل الأموات وحدهم لعل أرواحهم تستكين ولا تبقى هائمة مع كل شحنات الغضب والحقد التي أعمت القلوب في الحياة.
 

الموت ثيمة أساسية في الرواية بتعدد أشكاله، فالموت الجسدي طال الكثير من الرجال العشرين في المعارك، كما طال أحلامهم، وآمالهم من قبل، بداية بحب مجاهد لرفيقته (عجب) التي اشتراها والده لنفسه ومعاشرتها، مما دفع مجاهد للهرب من المنزل.
حلم عبدا لله البلوطي بالزواج من أسماء انتهى لأنه ليس عربياً رغم لغته العربية التي يتحدثها ورغم الإسلام الذي يدين به.

 

كما يتحطم حلم البلوطي بمدينة لا تفرقة فيها لعرق أو دين فعندما يموت يقول الناس عنه (سلام عليك يا أندلسي) فيموت غريباً، مغايراً، مختلفاً رغم كل جهوده لدمج كل الناس معاً، ومساواتهم وإلغاء أي مظاهر عبودية أو تفرقة.
حب عبد الرحمن لزوجته التي يعشقها بجنون يقتله كثرة غيابه في الغزوات؛ فتقرر العيش وحدها وهجره والعيش مع ذكرياته فقط.

 

حتى أحلام مجاهد في الحياة الطبيعية وإنجاب الأطفال تموت بولادة طفل له رأس رجل عجوز وجسد أصغر من المواليد في مثل عمره.. طفل لا اسم له سوى إنه ابن مجاهد وابن كريستينا، طفل يعاني الكثير من المشاكل الصحية التي تُنهي حياة هذا العجوز الصغير في ربيعه الثالث عشر، وكأن النهايات تسبق البدايات في حياته، ليبقى وحيداً دون أطفال مع زوجته في الحصن المحاصر، وتنتهي الرواية بانتظار مفتوح على حلم العودة إلى الأندلس بعد انتهاء الحصار والذي قد يسبقه الموت.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً