الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة نقدية في نص " في الزنزانة" للقاص اليمني مروان الشريفي بقلم الناقد المصري الأستاذ سمير الفيل
الساعة 19:15 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

أولاً النص 

في الزانزانة


"انهضوا يا كلاب" 
اصبحت هذه الكلمة بمثابة تنبيه له ومن معه في الزنزانة بعد منتصف كل ليلٍ, ليبدأ بعدها جمعهم في مساحة ممتلئة بالوحوش البشرية, حين ينتهوا منهم ويزعجهم الأنين يتركوهم لأخرين يسحبوهم تترا إلی أماكنهم المظلمة, من يفيق منهم يحمل جسده المنهك متجهًا نحو الزاوية, هناك يوجد الماء وبعض من كسر الخبزِ التي تمنحهم مواصلة الحياة لمنتصف ليلٍ آخر.
فز من نومهِ بعد ان أزعجه "السعال المتكرر" لأحدهم, لا يعلم كم من الوقت قضاه نائمًا, رفع رأسه نحو الأعلی حاول أن يتذكر وجوه رفاقه في ساحات النضال, ممتنًا للقدر لو جمعه مع واحدٍ منهم في هذا المربع الضيق, رسم في خياله نجومًا كثيرةً في ليله الحالك, تمتم ببعض الهتافات الثورية, حين أزعجه شخير من بجانبهِ, ألصق أحد أذنيه للجدار مغطيًا الأخری بيده المتعافية, تخترق تلك الكلمة الجدار, نهض ومن معه لتلقي الجرعة المعتادة في هذا المكان, حين اعادوه شعر لأول مرة أنهم لجّوا في تعذيبه , أيقن بإن من في الساحات لقنوهم درسًا جديدًا في الثبات.
قال بعد إن ألجم نحيبه: كم سنظّل هُنا؟ 
رفع ذلك العجوز رأسه قائلاً: ألاَّ يكفيك ما يضعونه في تلك الزاوية لتسأل مثل هذا السؤال.

ثانيا القراءة النقدية:-


حكايات الزنازين تتكرر بتشكيلات مختلفة تحمل نفس السمت . القسوة ، العنف ، بث عدم الأمان ، كلها عوامل مشتركة لخلق متوجسون ، يعيشون خلف القضبان.
 

ما يبثه مروان الشريفي من سرد مكتوب عن زنزانة في اليمن ، يمكن أن يتشابه مع زنزانة أخرى في القاهرة أو ليبيا أو السودان ، فالسياق واحد ، يتجلى في إحكام قبضة السلطة على مقادير الأمور.
لننحي السياسة جانبا ـ وهي حاضرة دوما شئنا أم أبينا ـ ولنبحث عن الإنساني ، لنجد الجملة المفتاح " انهضوا يا كلاب". والكلاب هم المساجين بالطبع . الصيحة تخترق حجب الليل ، ففي هذا الوقت يكون التنكيل بالمساجين خلال تناولهم الطعام وشربهم من ماء آسن ، أمرا مقبولا عند الحراس . ومن لا يستطيع السير على قدميه يحمل إلى المكان حيث يوجد الماء وفتات الخبز .

 

بطل النص يفز من نومه بعد أن أزعجه السعال المتكرر لزميل له ، ولأن النوم حالة هرب من الواقع الثقيل فسيكون من الملائم أن يتأمل الرجل رفاقه في انكسارهم وهزالهم المخيف . واضح أنه ثوري قادم من ساحات النضال ، وقد اقتيد لهذا المكان للتعذيب والتهذيب والإصلاح وكلها مفردات تعني إيصال الشخص لحالة من التدجين.
يدرك الكاتب هذا من تأمل بطله اما يجري حوله ، فالتعذيب الزائد يعني أن هناك حركة في الخارج تصعد من رفض ما هو قائم.

 

هنا نتذكر أمل دنقل الذي لخص الحالة في مقطع شهير يقول : (آه .. ما اقسى الجدار.. عندما ينهض في وجه الشروق .. ربما ننفق كل العمر .. كي ننقب ثغره ! ليمر النور للأجيال مرة ). 
جاء ذلك في ديوانه البديع" البكاء بين يدي زرقاء اليمامة " . تلك المرأة التي كانت ترى عن بعد. لقد روت حكاية الأشجار التي تسير نحو المدينة ، فلم يتنبه أحد للخطر القادم، واتهموا عينيها بالبوار .
نعود لنص مروان الشريفي ذي النكهة السياسية فنجد ذلك الحراك المستمر خارج القفص وذلك التضييق المهين داخل الزنزانة. ومن محصلة الحركتين يولد مستقبل ما. قد يكون غامضا لكنه مختلف تماما.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً