الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"أن تحبك جيهان" لمكاوي سعيد.. وتفكك الطبقة الوسطى القاهرية - سامر مختار
الساعة 14:32 (الرأي برس - أدب وثقافة)


أن أكثر ما أثارته رواية "أن تحبك جيهان"، هذا الإتجاه التي سارت إليه بتفاصيلها وأحداثها وشخصياتها، إلى الواقعية
 

يبدو أن الروائي المصري مكاوي سعيد (1956)، قد أخذ وقتًا كافيًا ليدفع بعمله الروائي الأخير "أن تحبك جيهان" الصادر عن دار المصرية اللبنانية. ثمانية أعوام هي المدة الزمنية التي فصلت بين رواية "تغريدة البجعة" 2008 و"أن تحبك جيهان". إذ أن مكاوي سعيد قد يكون من الروائيين الذين يرون أن قراءة الواقع داخل عمل روائي، يحتاج لكثير من التأمل، ليقدم صورة تكشف، وتوثق، لمسارات عديدة لهذا الواقع.

 

هكذا ظهرت "أن تحبك جيهان" حافلة بتفاصيل شديدة الدقة، عن شريحة معينة من مجتمع "وسط البلد" في القاهرة، وهي الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، في السنوات الخمس التي سبقت ثورة 25 يناير 2011.

ما نتج عن إلتقاط هذا الشريحة وتشريحها؛ هو هذا العالم الموازي الذي تعيشه هذه الشريحة، مقابل التفكك والإنهيار الجمعي الذي تعيشه مصر، ابتداءًا من غياب الحياة السياسية، وغياب أي وجه حقيقي للحياة الثقافية، ووجود مثقفين مشغولين بنزاعاتهم وصراعاتهم الشخصية.

 

كما أن أكثر ما أثارته رواية "أن تحبك جيهان"، هذا الإتجاه التي سارت إليه بتفاصيلها وأحداثها وشخصياتها، إلى الواقعية. في ظل تعلو اليوم في مصر موجات من الكتابات الغرائبية، والكابوسية، والواقعية السحرية، وقد ذهب البعض للحكم على الرواية بأنها "كلاسيكية"، وكأن هذه الأخيرة فيها استسهال لمن لم يدرك، ولم يقرأ بالأصل ي حياته رواية كلاسيكية.

على صعيد استخدام التقنيات الروائية في السّرد، لجأ مكاوي سعيد إلى استخدام تقنية تعدد الأصوات في الرواية، ليتناوب على مهمة الراوي العليم، ثلاث شخصيات رئيسية في العمل، وهي "أحمد الضوي"، و"جيهان عرابي"، "ريم مطر"، لكن في المقابل، ستبقى شخصية "أحمد الضوي" هي الخيط الرئيسي الواصل بين كل شخصيات العمل الرئيسية، والثانوية.

 

كما أن لغة النص بسسيطة، وهي أقرب للغة الكتابة اليومية، مما ساهمت في خلق توازن في لغة خطاب الشخصيات، في حين جاءت الحوارت باللغة العامية، لكن من دون أن تفقد النص حيويته.

"أحمد الضوي" مهندس معماري، يمتلك شركة مقاولات صغيرة في وسط القاهرة، شخص غارق باللّايقين بكل شيء يدور حوله، إضافة إلى انغماسه في الحياة اليومية، يكره المثقفين أصدقاء "جيهان عرابي" الذين يعاملونه كشخص منبوذ، لكن أحيانًا يجد نفسه في مواجهتم، بسبب عدم حسم علاقته مع "جيهان عرابي" والتي هي أشبه للحب من طرف واحد، لكن شخصية "جيهان عرابي" المركبة، والتي لا تسمح لأحد من الرجال الذين من حولها التقرب منها أو من حياتها الشخصية، وبنفس الوقت تُبقي لجميع من حولها خيط رفيع، حفاظًا على الصداقة، هي من تجعل "أحمد الضوي" غير قادر على حسم علاقته معها.

 

يستدعي "الضوي" أيضًا في الرواية تاريخ عائلته، وصراعاتها، بالذات علاقته بخاله "حسام" الكاتب الشيوعي، وعلاقة والدته به، وحبها الذي وصل لحد التعامل معه كابنها، ووالد "الضوي" الذي كان سكيرًا وانتهى في عزلته في الجنوب، وتدينه قبل وفاته.

 

وجيهان عرابي مصورة فوتوغرافية، مازالت تعيش صدمة موت زوجها الفنان التشكيلي "تميم"، هذه الشخصية التي أخذت حيزًا كبيرًا في حضورها في بداية الرواية، من خلال استدعاء جيهان الدائم لتفاصيل حياتها معه في ذاكرتها. تميم الفنان التشكيلي الذي كان طموحه، أكبر من امكانياته، هو في نظر زوجته "جيهان عرابي" الفنان الذي سيكون له شأن كبير، محليًا، وعالميًا، والتي ستتولى هي دفة هذا الطموح وتقوده إلى نهايته. إذ يظهر على "تميم" في البداية أنه يصارع حتى يُعترف به كفنان تشكيلي مهم، لكن عندما تأتيه فرصة عمل في فندق خمس نجوم، ليصمم لهم لوحات ومنحوتات، تعبر عن عراقة الفندق، يتحول هذا الفنان إلى فنان مبتذل، هدفه إرضاء رجال الأعمال، والأثرياء ممن يحبون اقتناء الأعمال الفنية. ليدخل تميم بالنهاية في صراع نفسي مرير يودي به إلى الموت.

 

أما ريم مطر، الشخصية التي تنتمي إلى عائلة ارستقراطية، والمنفتحة على كل ملذات الحياة، والمنفصلة عن زوجها المخرج المسرحي، الذي ضيع مستقبلها في أن تكون ممثلة مهمة، في إعطائها سلسلة من الأدوار الفاشلة في مسرحياته. تدخل مع أحمد الضوي في علاقة قائمة على التناقضات بين الشخصيتين، فهذه الشخصية التي تحترف سلوكًا إجتماعيًا، اكتسبته من الطبقة التي تنتمي إليها، لا تكف عن مفاجأة أحمد الضوي بتصرفاتها الغرائبية، كأن تعيش في بيتها مع "حرباء" تسميها "صفاء" أو أن تستبدلها بـ"غراب"، عدا عن مصطلحاتها الغارقة بالبذاءة أثناء ممارستها الجنس، وفي ذروة غضبها.

 

وقد كان لبعض الشخصيات الثانوية للراوية حضورًا مهما، كشخصية ظابط الأمن "عماد" هذه الشخصية المتوحشة من الخارج، والهشة من الداخل، والذي كان أقرب أصدقاء "أحمد الضوي"، تكشف هذه الشخصية، عن كيفية توظيف نفوذ السلطة على المجتمع، وممارساتها، بالذات احتقارها للمثقفين، والمعارضين للنظام، عدا عن الانتهازية التي يمارسونها على أي فرد في المجتمع يخالف رأيهم.

 

رغم أهمية الكشف عن هذه الشريحة من الطبقة المتوسطة داخل المجتمع، إلا أن نهاية الرواية كانت قد تثير بعض التساؤلات، فـ"أن تحبك جيهان " لم تكن رواية أحداث بقدر ما كانت رواية تفاصيل، ورواية ذاتية لشخصياتها، لتنتهي بحدث مهم، وهو اشتعال ثورة 25 يناير. والتي سيشارك فيها شخصيات لم تتمتع داخل الرواية بأي حس ثوري، ولم تكن تمتلك أي أبعاد سياسية؟! سيظل هذا السؤال يشغل القارئ؛ ما الذي سيدفع تلك الشخصيات في المشاركة بالثورة؟ ما هي الدوافع التي تراكمت، والتي أدت لمشاركتهم بالثورة؟
 

منقولة من جريدة المدن ...

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً