الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
التعددية الثقافية - عوض اللويهي
الساعة 20:44 (الرأي برس - أدب وثقافة)



تحتل الدراسات المعنية بالتعددية الثقافية مكانة مهمة في حقل الدراسات الثقافية، وذلك نظرًا لما تشكله التعددية الثقافية من قيمة حضارية وصمام أمان للمجتمعات التي تضم بين جنباتها مكونات مختلفة ومن خلفيات حضارية وثقافية متنوعة. ومن جانب آخر فإن إشاعة وتعزيز خطاب التعددية الثقافية في أي مجتمع متنوع ليسهم ويساعد ذلك المجتمع في فهم وتفهم أفقه الحضارية وترسيخ لقيم العيش المشترك بين مكوناته. فخطاب التعددية بدوره يساهم في إنعاش الخطاب الإنساني العام المتجرد من أي أيدلوجيا عرقية أو فئوية أو سياسية. الخطاب الذي ينتصر للإنسان ويقف معه ضد الخطابات الأحادية الرؤية والتي تقدم مصالحها الضيقة في مقابل تهميش دور الإنسان الساعي إلى التعبير عن هويته وأفقه الإنساني في أبسط صورها.
 

إن التاريخ والجغرافيا مكنا عمان كأرض ومن ثم كمجتمع من أن تكون حاضنة لعدد كبير من البشر الآتين إليها من فضاءات ومناخات ثقافية وعرقية متعددة ومتنوعة. هذا التنوع الذي أخذ طريقه إلى التنوع والاندماج على مراحل وبطرق وآليات متعددة. وقد ظهرت خلال الفترة الماضية دراسات عديدة تبحث في التاريخ العماني في أطوار التوسع العماني في فضاءات بعيدة، حيث توسعت الإمبراطورية العمانية خارج الحدود المعروفة حاليًا للسلطنة، هذا التوسع الذي نتج عنه بالضرورة خروج هجرات عمانية من داخل عمان إلى مناطق النفوذ والتوسع الجديدة وما أدى في المقابل إلى هجرات معاكسة من تلك البلدان الواقعة تحت السيطرة العمانية إلى عمان. كما حصل في حالتي التوسع العماني في الجناح الآسيوي كما في جوادر ومكران أو التوسع في الجناح الأفريقي كما حدث في عموم شرق أفريقيا بل إلى وسط القارة وأعماق القارة الأفريقية. إن هذا الحراك الحضاري قد تولدت عنه تفاعلات لم تكن في الماضي فقط بل إن تلك التفاعلات مازالت واضحة للعيان برغم تقلص النفوذ العماني على تلك المناطق.
 

يشكل كتاب الترجمة الأدبية في سلطنة عمان: قضايا وآراء والذي أصدرته الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في 2011م انطلاقة الانفتاح على مكونات الثراء الثقافي والأدبي للمجتمع العماني من خلال الاقتراب من النتاج الأدبي ومكونات المجتمع العماني اللغوية المختلفة. و تابعنا قبل فترة فيلم السينمائية العمانية مزنة المسافر والمعنون بـ “بشك” والذي يعني الثوب باللغة البلوشية. وتحتفي مزنة المسافر بالنساء اللواتي يخرجن في رحلتهن إلى سوق مطرح للتجهيز لثوب العروس، هذا الثوب الذي يحافظ على الأعراف والقيم الجمالية والحضارية للثوب البلوشي. يكشف الفيلم عن جانب مهم من الثراء الحضاري للمجتمع العماني والمتمثل في المكون البلوشي معبرا عنه من خلال اللغة المستخدمة في حوارات الفيلم، أو من خلال الأغاني.
 

وصدر حديثا ضمن كتاب مجلة نزوى نتاج جديد للصديق الشاعر والباحث خالد البلوشي والذي جاء بعنوان ” التعددية الثقافية في عمان: مرتكزاتها وإشكالاتها” وهو جهد يأتي في سياق دراسة الدكتور خالد البلوشي للخطاب الثقافي العماني في مختلف تمظهراته الأدبية واللغوية. وهذا الكتاب يعكس انشغال الدكتور خالد باستكشاف النتاج اللغوي والأدبي البلوشي والذي نتج عن تفاعل المكون الحضاري البلوشي مع المجتمع العماني من خلال الاتصال الذي تم منذ فترة طويلة لأسباب سياسية يبسط الباحث لها القول في كتابه. ولكنه يدعو إلى ضرورة استكشاف الجوانب اللغوية والأدبية لمكونات المجتمع العماني كما يتجلى في نتاج العمانيين الذين يتحدثون بلغات أم أخرى بجانب اللغة العربية.
 

إن دعوة خالد البلوشي إلى ضرورة قيام دراسات تتناول الخطاب الثقافي من خلال النتاج اللغوي لاستخلاص الجانب الأدبي في العلاقات التي قامت بين بلوشستان أو شرق أفريقيا، وذلك بهدف فهم الأبعاد الأدبية والإنسانية من خلال الأدب الذي بقي بعيدًا عن متناول الدارسين الذين لم يولوا الخطاب الإنساني الأهمية التي يستحقها. فنحن كما يقول البلوشي بحاجة إلى استثمار العلاقة التاريخية استثمارًا يمس الحاضر ويسهم في خلق خطاب حضاري يحتفي بالتعددية.
 

فخالد البلوشي وإن كان دوره في كتابه سعى إلى لفت انتباهنا إلى ملمح واحد او تمظهر واحد من تمظهرات التعدد في مجتمع العماني، إلا أنه يطرح سؤال التعددية في حاضرنا العماني منطلقا من أن هذه التعددية التي لم تكن طارئة على المجتمع العماني وإنما جزء أصيل من تاريخه، ولكنه يطرح عدة أسئلة ونحن نتفق معه في تلك الأسئلة،  ما سبل إرث عمان فيما يتعلق بمكوناتها المتعددة؟ وما سبل توظيف تلك المكونات المختلفة لخلق خطاب أرحب وأشمل؟ فمثل هذه الأسئلة تحتاج الإجابة عنها إلى فعل بحثي حقيقي يعلي من شأن التعدد كقيمة ثقافية وحضارية.
 

منقولة من جريدة الزمن...

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً