الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
وقفة الفقيه والخاوي طغيان الوصف والانتصار للمرأة - محمد الغربي عمران
الساعة 09:48 (الرأي برس - أدب وثقافة)


كقارئ تستهويني النصوص السردية التي تدخلني مع الكاتب في لعبة .. مثل أن يأتي بأفكار بكر غير مطروقة.. أو بصيغ جديدة.. أو أن أخفق في تخمين مجريات أحداثه.. أو كيفية نهايته.. فإذا ما صدق حدسي أشعر أن الكاتب قد فشل .. أما إذا أتت النهاية غير ما تخيلتها أو مجريات الأحداث مخالفة لما خمنت فيكون الكاتب قد كسبني كقارئ لمتابعة جديد. وبالطبع التجديد والتجريب مطلب ملح.. بعيدا عن تكرار أساليب من سبقوا .. والإتيان بما يدهش القارئ أساس الإبداع.
 

في هذه المقاربة أتحدث عن بعض نصوص الأديب حامد الفقيه في إضمامته الآيلة للطبع "ظل ينشد جسده" تسعة نصوص قصصية قصيرة. وأيضا نصوص الأديبة غدير الخاوي في إضماتها تحت الطبع "شرائط الستان" تسعة نصوص قصصية قصيرة وتسع أقاصيص.
 

الحديث حول نصوص غدير وحامد ليس من باب المصادفة . بل لوجود عدة معطيات.. منها ما يأتلف .. مثل أسلوبيهما في الوصف الذي يأتي على حساب الحدث.. إضافة إلى اللغة الثرية بالألفاظ الشاعرية .. وتلك النصوص التي تبتعد عن القصة لتكون نصوصا قائمة بحد ذاتها كنصوص أدبية راقية.
 

بدأت بقراءة حامد الفقيه لاكتشف ميله لتقديم فكرته في ثوب فضفاض ملئ بالجمل البلاغية .. كما يحلق بعيدا عن أحداث القص بإغراقه بوصف الحالة ..حينها شعرت بنوع من التوهان .. لأعود أقرا ما تصنيف تلك النصوص ..ثم أرجع لأغوص بين السطور.. باحثا عن حدث الحكاية لأجده يضيع بين طيات لغة جميلة ووصف لمشاعر ومشاهد غاية في الروعة . ما يذكرني بأسلوب الأديب السعودي "عبدالله الجفري" الذي تخصص في الوجدانيات ..وله عدة كتب.
 

أبحث عن خيط الحكاية وسط جمال تلك الجمل الغنية بالصور الشعرية أو حدث كبير يتطور إلى أحداث صغيرة.. أبحث عن صراع أو أزمة .. أو ما يثير أسئلتي .. لأغرق في بين مشاعر فياضة خاصة في نص "امرأة الفصول" حين حضرت الشخصية وضاع الحدث .. والصراع .. وتنامي الشخصية .. امرأة الفصول نص رائع بل في قمة الروعة فيه من السرد.
انتقلت من قراءة نصوص حامد إلى نصوص غدير.. قرأت النص الأول وجدت ذلك الأسلوب الوصفي والدفق الوجداني يتكرر في نص "جوع" وإن كان فيه شيء من حكاية لكنه أيضا يحلق بعيدا ليلامس شغاف الوجدان .. إلا أن الحدث لدى غدير في هذا النص موجود وإن طغى عليه الوصف.. ولولا تلك النهاية : "بينما أنا مثقلة بالبحث عن حل تسلل خيط رفيع لروائح مشاكسة ومحروقة واحكم قبضته على انفي أيقظني فورا من ذلك الخيال وتأكدت. بان طعام الغداء قد احترق." لانتهى النص مبتعدا عن القص.

 

وقد لاحظت ملاحظتين مهمتين في ما يكتبه حامد وما تكتبه غدير.. فغدير لديها:
- وحدانية الشخصية النسوية.
- النهايات الفارقة.
المرأة وقضاياها .. واقتناص النهايات الفرقة لدى غدير.. ولا أعرف هل ميلها للمرأة عن وعي وتخطيط مسبق أم.... المرأة ووضعها في مجتمعاتنا العربية تستحق أن نكتب ونكتب الكثير .. فقط أن نعطيها الكثير ولا نغفل عن قضايا الإنسان .. دون تفصيل بين ذكر وأنثى. فالأديب معنى بقيم الخير والعدل والحرية والسلام للجميع.. والأديب لا يميز إلا فيما يخدم تلك المبادئ السامية التي محورها الإنسان.

 

هذا من الناحية الموضوعية أما الفنية فقد فسنتحدث كما ذكرنا عن تلك النهايات الفارقة التي جاءت بها غدير في بعض أقاصيصها وكذلك قصصها.
حامد.. نتحدث أيضا عن ملاحظتين من خلال نصوصه:
- صراع الحوار والوصف.
- النهايات المفتوحة.
كما ذكرت سابقا .. فان أسلوب حامد الوصفي يمثل مغايرة عن أقرانه من الكتاب .. وإن جاءت على حساب الحدث .. وكذلك تلك الثنائية في نصوصه المتمثلة تناوب الوصف والحوار. إضافة إلى إغفاله أساليب التضاد لنهايات نصوصه .. أو ما تسمى بالمفارقة .

 

وأبدأ بذلك الصراع بين الحوار والوصف في امتلاك روح النص.. وما أعنيه بالصراع .. هو التجاذب في أسلوب الفقيه بين تلك النصوص التي تبتعد عن القصة لتقترب من النص الغير مجنس .. ذلك الذي يتماس مع أكثر من جنس أدبي .. ليشكل نصا مختلفا عن القصة.. وان أخذ شيء من خصائصها.. وهذا ليس سلبيا .. فكل كاتب يبحث عما يميزه.. وإن ظل يدور دون تجريب أو مروق عن المعتاد فسيظل يدور في دائرة مغلقة .. هي دائرة التقليد . والفقيه يسعى لذلك .. وإن تميز في الوصف واللغة الوجدانية.
 

أما الحوار لدى حامد فمختلف .. ففي الوقت الذي يأتي الحوار كأحد العناصر المتوازية لإخراج نص مكتمل .. نجده يقدم لنا نصوصا يغال عليها الحوار أو يستحوذ عليها على حساب بقية عناصر القصة .. ففي نص "رقصة المليكة" أكثر من ثلاث صفحات نصا حواريا.. فيه من البلاغة والكلام الوجداني و زخرف المعنى.. في الوقت الذي غاب القص.. ليحضر المشهد مسرحي.
 

ونص آخر بعنوان "موعظة السوسنة" يقدم لنا الفقيه حوار مرصع بلغة الأحلام.. ففي هذا النص قدم لنا بيئة الريف اليمني وقد طعمه بمسميات يمنية خالصة.. وقد تمنيت لو أن الكاتب في حورا شخصياته أقترب لغة الريف حتى يصل المعنى ويدفع الكاتب بالإيحاء الذي يريد.. حين دار الجدل بين الأخ المتزمت وأخته التواقة للحرية.. الحالمة بالحياة . والأجمل في هذا النص أن الكاتب أتقن الرمزية في العنوان "موعظة السوسنة" .. والمتضمنة في أسلوب حياتها حين تدحض ما كان يستشهد به المتزمت لإقناع.
 

حامد في هذا النص تجلت قدرات اللغوية ..مقدما للقارئ الريف بايقاع فصوله وحركة مجتمعه .. وبوصف غاية في الجمال . والملمح الذي يتكرر في معظم النصوص هو لغة الوصف الغنية بالمحسنات البلاغية ومحاولات تقديم صورا على حساب تنامي الحدث.. ليتوارى الحدث تحت بريق الجمل البلاغية .. وهذه ميزة في نصوص حامد.. لكنه يذهب بتلك النصوص إلى ما يقترب من المشاهد المسرحية .. أو اللقطات السينمائية بدلا عن القصة.
 

نص "رائحة البن" تركز الحوار حول موضوع خريج لم يجد له عمل.. فحاول بيع الحطب .. ثم عرض نفسه كعامل في سوق العمال. فلم يتوفق .. بينما أخوه الرضيع بحاجة إلى حليب .. في هذا النص أكثر من رمز .. رمزية ثورة 2011.. ومزية الجيل الضائع . وفي هذا النص تجلى نزاع الوصف والحوار حول من ينتصر للقصة .. وكما هو أسلوب الكاتب في ذلك الترف اللغوي الذي يغلف به فكرته .. بل وتكاد أن تميز نصوصه بذلك.. تأثيث فيه من التطويل على حساب الخط المستقيم الذي يجب على القاص أن يحرص عليه من بداية النص وحتى النهاية .. هنا يشعر القارئ بفضفضة .. وتعرجات وصفية مطعمة بلألئ المفردات التي يجيدها حامد.
 

نص بعنوان "الخطوات الفزعة" وبدايته "سكن روحه جبال من نكد, وخط الخوف أخاديد على وجهه . أما الحاجبان فقد أُثقلا وتقوس وسطاهما للأسفل بفعل تدلي حِلَق اليأس عليهما" من خلال تلك الفاتحة يتبين قدرة الكاتب على الوصف.. وقد قدم لنا في هذا النص شابا يحمل أفكارا جامدة.. ناثرا مواعظه بأحكام وقناعات مسبقة على من حوله. كمن يملك الحقيقة المطلقة.
ونعود إلى أسلوب الفقيه مع نهايات قصصه .. التي يترك القارئ ليشاركه في رسم نهاية تلك الحكايات .. وأجمل النصوص ما تعددت الآراء حولها.. نهاية "رقصة مليكة"
"ودعت مليكتك يا سعيد بأنفاسك الحرّاء المتتابعة, وأنت تحاول إيقاف الشياطين الحمر العابثة بدمك, لكنها غلبتك وتركت مليكتك ترقص في جولة (دوار الشمس) لتسهل ميلاد رزقها. وفصول عمري صارت صيفاً لشمس افترست روحي وعموم جسدي ." بالطبع نهاية فيها من البلاغة .. وهي على لسان أحد المتحاورين. وهكذا يظل النص مفتوح. نهاية أخرى لنص "موعظة السوسنة".

 

"وتحت رعود المواعظ يرتعش غصن السوسنة الرشيق فتعانق نسيم المطر وتحلق بتلاتها حرة في الآفاق لاحقة بسرب الطيور. فارةً من مواعظ أخيها كما فرت الطيور من موعظة المطر. " وأنا أقرأ هذا النص خمنت أن تكون نهايته مغايرة ..ان يأتي بمفارقة .. وكانت النهاية كسابقاتها نهاية مفتوحة.
نص آخر بعنوان "رائحة البن" فيما يلي نهايته .
"وتتعالى هامته لتقترب من الرائحة أكثر, وها هي رائحة البُن تعبق في أنفه مع ارتطام رأسه على ثرى ساحة الشباب, وهو يسكب ثمن تلك الرائحة .
ولا زال أخوه الأصغر ينتظر يدي ( غادة ) تشاطره القبض على قطعة الرغيف؛ لتعاركها أسنانه ... وكان يومه ذاك هو الثامن عشر من مارس المكرم" النص يحمل أكثر من رمز .. ويترك الباب فاغرا فاه.. لأن يتخيل أو يكمل القارئ ذلك النص الذي انتهى دون أن تنتهي الحكاية .

 

خاتمة مفتوحة لنص "الخطوات الفزعة" وجاءت كما يلي "وفُتحت شلالات المآقي حنينها مفجوعات بمصاب الحلم. وهو مشغوفٌ بلمة الوداع وقد لفته أيادٍ وأحضان . وحينها يرتعش ريش البلبل تحت ضغط دفء الحنونات؛ فينتفض ريشه من بلل الموعظة المبشرة بقرب الأجل ..ينام فيطلع الفجر وينساب نوره على صوت شلال الحلم الذي ظل هادراً لبلبل يمتشق صباه.... لتشدو الحياة . بينما موسيقى الشلال مازالت تفيض على الشارع تمحو آثار الخطوات الفزعة..."
إذا في نصوص حامد يغيب الحدث بين عبق الوصف.. وبلاغة اللغة. متبعا أسلوب واحد في معظم نصوصه .. وهي النهايات المشرعة .. وبذلك تظهر بصمة وقدرة الكاتب في مجال الوصف .. وفي النهايات المعلقة . في الوقت نفسه يخفت التشويق.. فلا تشويق بدون تنامي الحدث ولا تشويق بدون صراع .. فالحدث وتطوره أداة الكاتب لشد اهتمام القارئ. كما أن خلق أزمة أو صراع ومعالجته يجعل القارئ في متعة الاكتشاف ماذا بعد. حامد له أسلوبه.. ما يدفع القارئ إلى طريق أخرى من متع الوصف وبلاغة اللغة .. ورمزية الإيحاء.

 

وإذا كنا قد تناولنا في عجالة نهايات تلك النصوص.. وبلاغة الوجد الموصوف في نصوص حامد.. فلا ننسى أن نشير إلى أن ذلك يحسب إلى رصيد قدراته فلا كاتب بلا لغة .. ولا مبدع سردي بلا وصف.
وننتهي في هذه القراءة بتناول بعض نصوص إضمامة غادة الخاوي"شرائط الساتان" ونركز على نقطتين:
- النهايات الفارقة .
- وحدانية الشخصية النسوية.
بعض النهايات المتقنة.. التي خالفت الكاتبة بها نصوصها الأخرى .. إلا أن الكاتبة في أكثر نصوصها أتبعت النهايات المعلقة.. ومنها النص الأول بعنوان "جوع" حيث سلكت في صياغة مايشبه طابع الفقيه .. حين ضاع الحدث تحت طوفان الوصف الجميل .. والمحسنات اللغوية.. حينها يدرك القارئ بأنه يقرأ نصا يستعير الكثير من الأجناس الأدبية..أو أنه يتماس مع القصة وصور الشعر والكتابات الوجدانية .... الخ. حتى أن الشخصية تتماهى . وفي نص "اللوحة الناقصة" أيضا يسيطر الوصف. ويوازيه حوار. وكذلك في نص "بلور" حين غام الحدث تحت سحب الوصف الجميل. وفي نص"صرخة الريف" تعالج القاصة فيه الطفولة المشردة..وتلك الهجرة من الريف إلى المدينة والضياع بلغة وجدانية طاغية.. وهكذا نص "ظلال" وذلك الحوار مع الذات وماضي الأيام والعلاقات الخائبة.وكذلك نص "معراج" ونص "الصباح الأبيض" الذي أبتعد كثيرا عن فن القصة.. ليرسو على ضفاف الخواطر العذبة.

 

لكنها "شرائط الستان" قصة نصا يختلف كثيرا .. أو أن الفكرة في تلك النصوص سابقة الذكر لم تنضج.. وقد تكون القاصة تفضل ذلك الأسلوب الذي يحلق بوجدان القارئ عاليا دون حدث أو تنامي للشخصيات أو الأحداث .وأجزم بأن قصة"شرائط الستان" قد أخذت حقها من الوقت قبل أن تصيغها الكاتبة .. هنا الفكرة قوية وواضحة.. الأحداث متلاحقة وشيقة.. الحبكة متضافرة.. والنهاية " لم تتمالك الأم نفسها لتطوق نغم والدمع ينهمر حار وغزير كالدم في عروقها وهي تردد: لكِ ذلك غاليتي.
لبست نغم فستانها الأبيض وسرحت والدتها شعرها بشرائط الساتان الحمراء فبدت كالملاك..هاهي طفلتها تتورد وتعود كما كانت..لم تصدق أنها ستعيش لتراها هكذا من جديد حتى أن الأحلام توالت لتتخيلها عروس في يوم زفافها. أشترت والدتها باقة الزهور، وبينما هما تقطعان الشارع للوصول إلى المقبرة سقطت الباقة لتنحني "نغم" انحناء عروس تقبل يد اشبينها . صوت مكابح يعود بالأم إلى الواقع لترى نغم وقد سالت ألوان شرائط الساتان في شعرها على كل جسدها. يبدوا أن موعد رحلة السلام قد حان." هي نهاية فارقة وحزينة.. نهاية نتاج أحداث متلاحقة ..وصراع متنام.. نهية قد يتوقعها بعض القراء.. وقد يخفق الكثيرون.. لكنها نهاية قوية وحزينة.

 

وفي نص بعنوان "القديس" تقدم لنا القاصة موضوعا غاية في الأهمية لشاب مستهتر لا يفهم من الحب إلا أنانيته ولهوة .. ويرى فيمن تحبه غانية.. ويرى في علاقاته المتلاحقة رجولة وقد جاءت نهاية النص كما يلي" أما هو فقد بنا لنفسه حياة وردية أخرى.تزوج وأصبح أبا لعدد من الأطفال وذاكرته مزدحمة جدا لتعود به الذكرى لما فعل.ظنته يتجرع غصة عذابها في كل ليلة، يتوسلها في منامه ويستجدي غفرانها, أو ربما يتمنى لو يجد فرصة ليصلح شيء مما كسره بداخلها. لكن للأسف بدا وكأنه صدق كذبته وتأثر بثوب "القديس" الذي يلبسه وبكل وقاحة عاد إليها بعد أن بنت لها حياة أخرى, بعد أن ولدت من جديد وأرادت أن تتصالح مع العالم أجمع.
عاد يسألها لما لا تحترمه !" 

 

توازن ومفارقة مدهشة. خاصة في الجملة الأخيرة "عاد يسألها لما لا تحترمه !" وبالرجوع إلى تلك العلاقة بين الأخ وأخته.. وقد تكون بين الشاب وحبيبة الأمس.. مع كل دناءته وأفعاله الرخيصة.. يتوقع أن تعود لاحترامه. نص قوي ومختزل ..ومكثف ..فلا فضفضة ولا وصف زائد .. ولا محسنات بلغية ..بل جمل مقتضبة وسريعة حتى الجملة الأخيرة التي توحي بالكثير الكثير.
وإذا ما قرأنا مجموعة الأقاصيص ضمن إضمامة "شرائط الستان".. فسنجد أن من بينهن ما تشي بقدرات القاصة على اختزال ما نصيغه في صفحات يمن لها تقديمه في عدة أصدر ..أو كلامات. فقد ظهرت في تلك الأقاصيص الفكرة بجلاء.. ولم تترك الكاتبة حيز للفضفضة والتطويل.. وما يدهش أكثر أن اختتمت بعض تلك النصوص بمفارقات مدهشة.. فمثلا نص بعنوان" حرية" يقول النص:
"مفاتيح قيدي صدئة ،أو ربما أضعتها هناك حيث لا أرغب بالبحث..
أجر قلمي وأحشره في قلب القيد ..لأتحرر." ثمانية عشر كلمة .. حملتها القاصة بالرمزية العالية وما يحمله القلم من مدلولات..أو ما يقوده العلم إلى مراتب عليا ويغرس قيم سامية .. مفارقة النهاية غير متوقعه .

 

وأقصوصة " أجرة " ثلاثة عشر كلمة تقول الكاتبة "لأنه أحبني كثيرا خبأني في محفظته..أستقل سيارة أجرة وعندما غادرها ..دفع بي الثمن." حين أكملتها وجدتني أبتسم.. وأتخيل من يقرأها سيفعل مثلي.. بعد أن يدهشه تصرف ذلك الحبيب الذي يذكرني بحكاية الخليفة الفاروق باله التمر حين يتذكر بعد سنوات ويبتسم لأنه أكل ربه. وهذا الحبيب يخص حيز في محفظته لخبئ حبيبته .. لنكتشف في نهاية النص تلك المفارقة. 
ونص آخر" من قبل عندما كنت أبكي من الحزن... يقترن بكائي بالصراخ والنحيب ..
وعندما أبكي من الفرح.. يقترن بكائي بالقهقهات...
ومن اقتران دموعي بالضحك أو النحيب أعرف بما اشعر...
الآن ... تنهمر دموعي دون أن يصاحبها شيء..
تقترن فقط .." بالصمت "
في هذا النص القصير جدا تدفع الكاتبة قارئها باستحضار قول نزار قباني "اختاري أو لا تختاري.. لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والناري" وقد جاءت بنقيضه.. في نهاية غاية في الإدهاش والمفارقة.
- تفرد الشخصية النسوية.

 

غدير لم تترك في نصوصها نصا إلا وكانت المرأة هي المتفردة.. وفي النادر من نصوصها تشرك الرجل. فتسع قصص قصيرة كانت كلها للمرأة. ومن بين تسع أقاصيص كان من بينها ست للمرأة وأقصوصة لذكر..وأخرى مشتركة. ويمكننا اجتزاء بعض الجمل من تلك القصص كاستشهاد على ذلك:
"بدأت بتناول حلمي" من نص "جوع"
"تقدمت نحو مرآتها علها تناجي ذاتها" من "اللوحة الناقصة"
"كان صدرها المأوى" من قصة " شرائط الستان"
"خطواتها واثقة ومتوازنة فقد اعتادت المشي على هذا النحو منذ كانت صغيرة من نص بعنوان" بلور"
"هي التي لم تعرف عن الحياة سوى منزلهم" نص بعنوان" صرخة الريف"
"أودعهم بابتسامة أسحقها على عتبة باب غرفتي مستلذة بموتها" من قصة "ظلال"
"تجر قدميها الثلجيتين على درجات الخلاص" من "معراج"
"فأنا أنثى الانتظار, أنثاك الواقفة على طلك ترجوا جواب." من نص بعنوان" الصباح الأبيض"
"هذا كل ما كانت تشعر به. خاصة عندما يصفها أحدهم بالبراءة والطهر،تشمئز" من قصة "القديس"

 

أما الأقاصيص التي كرستها للمرأة فهي : حرية..أجرة..تفاصيل..رحيل.. حنان..اقتران..حفلة الصمت. 
ونص مشترك بين الذكر والأنثى بعنوان تخمة"
ونص وحيد تفرد بشخصية ذكر بعنوان" نيفرلاند"
لا شك بأن الأسطر السابقة أشارت إلى وبشكل سريع .. إلى نصوص قليلة لكاتب مجتهد ومتجدد هو حامد الفقيه والذي أراه أحد فرسان السرد ليس في اليمن فحسب.. ولذلك لما يمتلكه من ملكات وقدرات على الإتيان بما جديد. والعزيز حامد الفقيه له إصدارين هما "شيخوخة قمر" ( قصص ) عن دار عبادي للطباعة والنشر - صنعاء 2010 م .و"حادية الصباح المالح" مجموعة قصصية فائزة بجائزة رئيس الجمهورية للشباب للعام 2010 م 

 

وقد أدهشتني العزيزة غدير بتلك النصوص التي لم أقرأ قبلها.. ولأنها باكورة إبداعها.. ودوما ما تأتي البواكير بظروفها.. إلا أنها قدمن نصوصا تستحق الإشادة.
وأعني بأن تلك النصوص لـ- الفقيه والخاوي- يستحقين من الكتاب والنقاد عدة مقاربات وقراءات نقدية .. خاصة نصوص حامد الفقيه لما لنصوصه من خصوصية وتميز وصفي وبلاغي قل وجوده بين كتابنا الشباب.. وهو ما يحسب لحامد بصمة مميزة أتمنى تطويرها.. مع مراعاة الاهتمام بالحدث وتناميه وكذلك بالصراع وما يدهش.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً