الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
البحث عن السعادة في مجموعة "أحمر شفاه" لشريف عابدين - الدكتور منير عتيبة
الساعة 12:45 (الرأي برس - أدب وثقافة)


قلت للدكتور شريف عابدين: عيبك الوحيد أننا عرفناك متأخرًا! 

فقد عرفته الحياة الثقافية السكندرية منذ عام 2013 تقريبًا، وإن كان قبلها بعامين قد نشر مجموعتين من القصص القصيرة جدا، وكان له قبلهما حضور كبير في العالم الثقافي الرقمى من خلال نشاطه في موقع واتا، والرابطة العربية للقصة القصيرة جدًا بالمغرب. 

 

عرفناه إنسانا نبيلا، وناقدا يتحرى الدقة والبحث المتأني، ومبدعا متميزا ومنحازا للقصة القصيرة جدا وإن كتب أكثر من مجموعة من القصص القصيرة المتميزة، وكتب الرواية أيضا. 

ومجموعته القصصية "أحمر شفاه" من الأعمال التي تجعلك تقف أمامها طويلا بالقراءة ثم إعادة القراءة والتحليل. 

 

أول ما يلفت النظر في مجموعة "أحمر شفاه" حرص الكاتب على استخدام السارد المناسب لطبيعة القصة؛ ففي قصة "ضمادة من طين" يختار الراوي العليم، لأن البطل سوف يخجل أن يحكي عن نفسه أحداث هذه القصة التي تتحدث عن أحد أبناء الشوارع الذي تمزقت ملابسه فأصبح يرتدي الطين الذي ألقته عليه السيارات العابرة، لكن الكاتب يصف هذا الثوب بأنه ضمادة طبقا لعنوان القصة ليعطي معنى شاملا للجرح الموجع، فهذا الرجل هو نفسه جرح كبير في جسد المجتمع، لكن المجتمع يأبى أن يطهر جرحه. 

 

أما فى قصة "حكاية كل يوم" فالكاتب يلجأ لضمير المخاطب ليؤكد انفصال بطل القصة عن ذاته حيث يترك كل شيء يحدث كما هو، بينما هو أصبح لا مبالٍ، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، لكن القصة تتحول فجأة عند الحديث عن قطة البطل، التي من الممكن أن تكون قطة حقيقية أو حبيبة، تصبح القصة نوعًا من الكوميديا السوداء؛ فالبطل يهتم بقطته جدا، لكنه يشاهدها مع كلب بوليسى، وهو لا يعرف هل استدرجها الكلب البوليسى ليصاحبها أم ليحقق معها أم ليجندها جاسوسة على البطل. 

 

أما قصة "نشيج متصل لرداء ممزق" فتروى بضمير المتكلم المناسب لحالة البوح والنشيج؛ فالبطلة العاهرة التائبة لا ينسى المجتمع ولا زوجها ماضيها، ولا يغفره لها، تستسلم للقهر والانتهاك الأبدى، وتقارن بين حياتها قبل التوبة وبينها بعد التوبة، لكل حياة وجهها الجميل والقبيح، تحلم بأن تكون سمكة يلتهمها نورس فربما كان التهام النورس للسمكة أرفق من أظافر وأنياب المجتمع التي تمزق جسدها وروحها في شخص الزوج ممثل المجتمع. 

 

يلفت نظر القارئ في المجموعة أيضا اختيار الكاتب لوجهة النظر التي يقدم بها السرد؛ ففي قصة "أحمر شفاه" التي أخذت منها المجموعة اسمها يقدم الكاتب قصة تقليدية عن علاقة البنت الصغيرة بزوجة أبيها، لكن المهم في القصة تقديمها من وجهة نظر الطفلة وبلغتها وطريقتها في التفكير، والتركيز على أحمر الشفاه الذي يكون فعل إزالته دلالة قوة الرجل وانهيار الأنثى بين يديه. 

 

ثم استعادة الأنثى لقوتها على حساب مقاومة الرجل التي تنهار بعد اللقاء، ويقدم الكاتب مشهدا للقبلة بين الزوجين وكيف تراها الطفلة التي تسترق النظر من ثقب الباب، ص16إلى ص18، وهو من أجمل المشاهد العاطفية التي يمكن أن تحكى من وجهة نظر طفلة، وقد تنوعت ضمائر الحكي في هذه القصة بين المتكلم والمخاطب مما أضفى حيوية وحياة على القصة، وإن كان تدخل الراوي العليم أحيانًا جاء غير مناسب؛ لأنه أتى من خارج مساحة السرد القصصى. 

 

ويلفت النظر بقوة أيضا في المجموعة حرص الكاتب على المشهدية القصصية، ليس فقط في كتابة العمل بل في طباعته أيضا؛ حيث يقدم كل لقطة في سطر مستقل، وكأنه يعطي القارئ فرصة تأمل اللقطة قبل الانتقال إلى اللقطة التالية، ليكتمل المشهد القصصي بتأملات القارئ، التي هي ضرورية للوصول إلى المعنى الكلي للعمل القصصي. 

 

يقدم الكاتب في مجموعته بحثا عن شيء مهم ومفقود هو السعادة، ويقدم أضدادها من القهر والفقر والاستلاب، لكنه يذهب بنا في رحلة بحثه عن السعادة التي لا يعرفها تعريفا محددا فى طريق ضبابي شفيف، يبدو كأنه عالم برزخي بين ما نعرفه جيدا ونحياه وبين ما نتطلع إليه وإن كنا لا ندرى كنهه ولا ندري هل هو موجود فعلا أم لا؟ وما الثمن الذي علينا دفعه لنصل إليه؟ وهل لو دفعنا الثمن سنصل فعلا؟

منقولة من بوابة الأهرام . 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً