الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
تنحي نجيب محفوظ عن ريادة الرواية العربية - فايز محيي الدين
الساعة 14:47 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

قد يبدو الأمر ومن خلال العنوان مستفزاً للكثيرين إن لم يكن للكل، فقد اعتدنا طيلة عقودٍ من الزمن على أنّ نقول ونكتب ونكرر بـأن الروائي العربي الراحل نجيب محفوظ هو رائد الرواية العربية وأبرز الروائيين العرب، خاصة بعد نيله جائزة نوبل في مجال الأدب كأول أديب عربي يفوز بها.
 

ورغم الجدل الذي أُثيرَ حول نيله لتلك الجائزة، خاصة ممن كانوا يرون في أنفسهم أحقية في ذلك وعلى رأسهم يوسف إدريس وأدونيس، إلا أنّ نجيب محفوظ، ومن وجهة نظر موضوعية، يظل أفضل الروائيين العرب حتى التسعينات. بعدها بدأ جيلٌ من الروائيين العرب يبرزون بروايات تمتلك تقنيات وأساليب سردية عالية تفوق ما كتبه نجيب محفوظ بمراحل.
 

وهذا لا يعني الانتقاص من نجيب محفوظ ولا من مكانته ولا ريادته للرواية العربية، فهو أول مَن اتضحتْ وتبلورتْ ملامح الرواية العربية على يديه. ويعود إليه الفضل في إخراج الرواية العربية من بوتقتها المحلية إلى العالمية، وفي تأسيس البنية المتكاملة للرواية العربية كفن متكامل انسلخَ عن الحكايات الشعبية البسيطة التي ترتبط بالأساطير الحكائية أكثر من ارتباطها بجوهر السرد الذي يمتلك كل تقنيات الفن الروائي من فكرة وشخصيات وزمان ومكان وقص ووصف وسرد وحوار ذاتي(مونولوج) وعادي (ديالوج).
 

فنجيب محفوظ كان أبرز الروائيين العرب الذين أدركوا تقنيات الرواية وسعوا لتطبيقها في كتاباتهم السردية، لأن مَن كان قبله كـ (جورجي زيدان) لم تتعد كتاباتهم الرواية التاريخية أو القصص المهلهلة التي تستمد روح الحكايات الشعبية على غرار ألف ليلة وليلة وسيرة سيف بن ذي يزن وقيس وليلى وعنترة وغيرها.
 

ولهذا فقد استطاع النقاد حصر تلك الروايات التي بدأت في عهد ما يمكن تسميته بـ (طفولة الرواية العربية) لأنها كانت بعدد الأصابع، بل واستطاعوا تحديد أول ما يمكن أن يُطلق على تسميتها رواية.
وقد أرجعها الغالبية إلى رواية (زينب) لـ محمد حسين هيكل الصادرة عام 1914م.

 

وبغض النظر عن البداية الفعلية للرواية العربية كفن مستقل عن الحكايات والسيَر الشعبية، فإن ملامح الرواية العربية كفن قائم ومستقل بذاته لم تنضج إلا على يد نجيب محفوظ. وقبله لم تكن الرواية العربية قد اتخذت طريقها ولا حددت مسارها للاتجاه نحو هذا الفن بتقنياته المتكاملة.
 

لكن في ظل انتشار الطباعة والترجمة، خاصة منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى اليوم، استطاع كُتَّاب السرد العربي وتسنى لهم متابعة الرواية من منبعها الأصلي وموطنها الأول، حيث بدأت الرواية أوروبية وانتقلت إلينا على يد مترجمين.
 

وبفضل اطلاع كُتَّاب السرد العرب على روايات عالمية من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وأمريكا، وبالذات روايات الأدب اللاتيني، وكذلك روايات الأدب الروسي بشكل خاص وما كان يُطلَق عليه بالأدب السوفيتي بشكلٍ عام، خاصة مع انتشار الفكر الماركسي منذ منتصف القرن العشرين في الأقطار العربية والذي أدى إلى رفد المكتبة العربية بغُرَر من الأدب الروسي والسوفيتي كانت كفيلة بأن تصنع نقلة نوعية في الذائقة العربية الأدبية ككل وتدفع بكُتَّاب السرد العربي مراحل طويلة باتجاه إتقان فن الرواية.
 

لهذا فقد استطاع من جاء أواخر حياة نجيب محفوظ وبعد رحيله من الروائيين العرب وبفضل التدفق الهائل من الروايات المترجمة والتنافس الكبير في إصدار الروايات العربية التي تجاوزت المئات، استطاعوا أن يكتبوا روايات يمكن وصفها بالمكتملة، إذ امتلكت كل تقنيات الرواية والسرد، فضلاً عن تطرقها لمواضيع غاية في الجمال والندرة، وتسليطها الضوء على جوانب من الحياة العربية كنا نحن كعرب نجهلها عن بعضنا البعض في الأقطار المختلفة، واستطاع الروائيون نقلها لنا بحذافيرها وتجسيدها بصورة رائعة كفيلة بنقلك إلى قلب الحدث لتعيش تفاصيلها مع الروائي لحظةً بلحظة. وهذا ما وجدناه في روايات إبراهيم الكوني والطاهر وطار وواسيني الأعرج وبهاء طاهر وعبدالرحمن منيف وحيدر حيدر ويوسف زيدان وحنا مينة والطيب صالح وغيرهم، لتتوج خلال هذه السنوات الأخيرة ،وبالذات منذ بداية الألفية الثالثة وانتشار شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع، بجيل روائي شاب لديه المقدرة الفائقة على إنتاج روايات بفنية عالية تمتلك كل مواصفات الروايات العالمية -إن لم تفقها- التي ظللنا عقوداً من الزمن ننظر لها بإكبار ونحاول مجاراتها والفخر بمَن يقاربونها، ونخوض جدلاً للتأصيل لوجود هذا الفن لدينا.
 

ولعل جيل الشباب العربي الموهوب فعلاً والذي بدأ يكتب الرواية منذ مطلع الألفية الثالثة بتقنياتها العالمية، لعله قادرٌ -بل أجزم بذلك- على أن يتفوق على بقية أقرانه في دول الغرب حيث منبت الرواية كفن. وذلك أنّ الروائي العربي لا يزال يمتلك مخزوناً هائلاً وضخماً من المواضيع الروائية، سواء أكانت مُستقاة من التاريخ أم من واقع الحياة المعاشة في الريف والمدن، والتي تتمايز عن بعضها من منطقة إلى أُخرى. وهذا التنوع نفسه وَسَمَ الروائيين العرب بسمات متباينة لصالح الرواية العربية، وتظهر جلياً من خلال التنوع والثراء الذي ظهرت عليه بعض الروايات مؤخراً.
 

ولعلِّي لا أُبالغ إن قلتُ أنَّ انتشار المسابقات الأدبية في بعض الأقطار العربية قد صنعت تنافساً محموداً بين جيل الروائيين الألفينيين عاد بالنفع على الرواية العربية وقفز بها مراحل كبيرة لتحقق تقدماً ملحوظاً على كافة الصُعُد الأدبية.
 

ومَن يتابع الزخم الذي تحظى به جائزة البوكر العربية وجائزة الطيب صالح وجوائز خليجية ومغاربية يرى أنّها قد أخرجت لنا مجموعة لا بأس بها من الروايات الفذة من بين كم الروايات المطبوعة، والتي لا يكاد يمر يومٌ واحدٌ دون أن نقرأ خبراً عن رواية عربية صدرت في هذا القُطر أو ذاك، فضلاً عن الأدباء العرب في بلاد المهجر بأوربا وأمريكا واستراليا وغيرها، والذين تقاطروا على تلك البلدان بفعل ما تشهده المنطقة العربية من حروب وصراعات انعكست بآثارها على كل شيء، وهو ما أدى إلى إيجاد جيل أدباء عرب في المهجر على غرار ما كان لأدباء المهجر مطلع القرن العشرين كميخائيل نعيمة وجبران وإيليا أبو ماضي.
ولعله قَدَرُ هذه الأُمَّة أن تشهد صراعات مع بداية كل قرنٍ من الزمن!

 

وفي حين كنا نتمنى نشوء تجمعات أدبية عل غرار الرابطة القلمية أو رابطة أدباء المهجر ومدرسة أبوللو، إذا بشبكات التواصل الاجتماعي توفر كل ذلك العناء وتصنع منتديات أدبية على قدرٍ عالٍ من الإبداع كفلت لجيل الأدباء العرب الشباب تنافساً محموماً وحميمياً يبهرنا كل يوم بمنتوج أدبي لم يكن في الحسبان.
 

                [email protected]

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً