الاربعاء 25 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
خطوط تائهة - حميد عمران الشريفي
الساعة 14:24 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



 

ظلام وضغط وسكون ..اجواء دفعت بي الى الحياة ، تتداخل معها اصوات ترعبني واحياتا تنسجم مع وجودي الجديد ..وتجلب التيارات المارة روائح مختلفة مابين الاختناق او النشوة احس من خلال تغييرها اني انتقل من ظلام الى ظلام .. هاجس يدفع بي ان اتمنى معرفة مايحيطني..تعودت اخيرا على سماع موسيقى متكررة ونبرات هامسة لم افهم مضمونها مع تناوب صمت وهدوء يوازيها في الزمان اوحت لي رتابتها بالاستقرار..وكلما مر الزمان اشعر ان الضغط الخانق يرفع شيئا فشيئا حتى احيطت جوانبي ببصيص نور والوان واشباح غير واضحة المعالم وعندما رفعت آخر طبقات الظلام عني وكشفت لي ظواهر الامور رأيت كل شئ ؛ هالات نور تشع من نقاط اضاءة معلقة في السقف المقابل لي وماحولي الوان ثابتة واخرى متحركة ترافقها وجوها تنظر الي نظرات عابرة او مركزة وبعضها تشير الي باصابعها ، عرفت النهار بالوانه وصخبه وعرفت الليل بسكونه وظلامه ..اخافتني يد امتدت نحوي وعندما امسكت بي رفعتني فرأيت عالما اوسع بدت به ملامح اوضح ؛ نساء ، رجال ، الوان ،اضواء . 
 

تعرفت الى نظارة تتلصص من خلفها عينا احدهم الى غلافي ، فسألتها وقد انعكست صورتي في شفافيتها:
-    من انا ؟
-    انت كتاب.
-    وماذا يعني ؟ لماذا تحدقون في ؟ وتبحثون في جسدي ؟
-    بحثا عن دواخلك.
-    دواخلي؟!
-    نعم .. حروفك ، كلماتك ، اوراقك.
حاولت الاستمرار في الحديث واستئناف الاسئلة عن هذه التعابير الغريبة الا ان اليد اعادتني الى مكاني لاقضي ليلة اراجع مكوناتي ؛ انها اوراق بيض عليها رموز سود اسمها الكلمات والحروف، لا افهم منها شيئا وصور لا اعرف ماهي ؟!.. رغبت الاستئناس بالحديث مع رفيقي الراقد تحت غلافي الاخير فاخبرني؛ انه يغط في ظلمة اكثر مني.

 

وجهان صارت عيونهما تجاهي ، رفعتني يد احدهما ، لازمني صمت اذ لم اجد نظارات اتحدث معها الا اني انصت الى حوارهما:
-    انه كتاب ثمين.
-    صحيح ، لقد عرضت بعض صفحاته في الانترنيت.
-    اشتراه حسام ، ووعدني ان يعيرني اياه حالما ينتهي منه..
اعادني بهدوء الى مكاني ، عودة تصحبها حيرة المفاهيم الجديدة ؛ ثمين ، انترنيت ، اعارة ... لماذا لم ياخذني مادمت اعجبته ؟!.. واين تكمن اهميتي ؟!.. اه .. ليتني اجد من يجيب عن اسئلتي .. انتظار محير.. الليل والنهار يتتابعان يرافقهما السكون والصخب والنظرات تتكرر والوجوه تمر والايدي ترفعني وتعيدني ..ويزيدني صمت العيون غموضا .

 

قرب يده كالعادة .. رفعني .. قلب اوراقي ، مشى بي ، اقترب من رجل اخر جالسا خلف مكتبه ، اعطاه مبلغا اتفقا عليه ثم وضعني في حقيبته ، عدت الى الظلام مع اصوات مختلفة ؛ احاديث وصفارات وصياح تلاه سكون جديد. فتحت الحقيبة فدخل ضياء خافت فرأيت حولي مجموعة من الكتب والاوراق ، سألت الكتاب الذي جنبي وكان اقصر مني طولا:
-    اين نحن؟
-    في هذه الحقيبة.
-    وماذا يفعل بنا ؟
-    سيبحث فينا .
-    وماذا يبحث ؟
-    يبحث عن ناتج عقول الاخرين .
-    وهل عرفت دواخلك؟
-    نعم .
-    كيف ؟
-    عن طريق ماقرأ في اوراقي.
-    وكيف ساعرف دواخلي .
-    ستعرف .. اصبر وستعرف .

 

اخرجني القارئ من الحقيبة ، تابع كلماتي وحروفي بصمت ، قلب اوراقي ورقة بعد اخرى ، لم استطع ان اقرأ ملامحة ، كانت غير واضحة ، لان وضعي كان مقابلا للضوء ، اما غلافي فكان محاصرا بين يديه واحياتا فوق فخذيه ..
رن هاتفه ، فوضعني امام المرآة ، فرأيت غلافي فيها بوضوح ، فسألتني المرآة :
-    من انت ؟
-    اعتقد اني كتاب .
-    وماهذه الصورة الغريبة على غلافك ؟
دققت النظر في الصورة ، كانت عبارة عن اشكال والوان لا اعرفها ، فاجبتها:
-    لا اعرف.
-    انها صورة كف وسطه عين.
-    وماذا يعني هذا؟
-    يعني ان مضمونك من هذه الرموز.
-    وهل يعني هذا الرمز شيئا ؟
-    لا ادري .. ولكنه قد يعني الحسد كما سمعت من بعض الناس ، او يعني عين الرب الراعية.
-    وهل هي في اليد ؟
-    في الحقيقة لا ، انها رمز وضعه البشر يصدون به عيون الشر والحاسدين .
-    وكيف ذلك ؟
-    لقد جاء قارئك .
رفعني من جديد واخذني الى غرفة اخرى تجلس فيها امراة امام الحاسوب ، فقال لها:
-    جلبت الكتاب.
-    وانا حملته من الانترنيت قبل قليل .
وضعني قرب شاشة الحاسوب ، كانت صورة غلافي ظاهرة ثم بدأت تتصفح في الحاسوب والاوراق تتصاعد ،فقال لها:
-    ان صوره في الحاسوب اوضح.
-    نعم فهي ملونة.
لم افهم هذه الصور التي هي عبارة عن رموز واشكال هندسية وخطوط متلاحقة وعيون تقذف برموشها ، فاستانفت حديثها : 
-    انه موسوعة مهمة باسلوب شيق وجذاب. 
ومع صمتهما وهما يحتسيان الشاي ، بدأت الحديث مع شاشة الحاسوب:
-    هل انت انا ؟
-    نعم ، لكني اكثر تطورا واشد حساسية وارخص سعرا .
-    لكني لا اعرف مضموني .
-    انا عرفت مضموني وساوضح لك ..ولكن من اين ابدأ ؟
-    من كثرة العيون فينا .
-    حسنا ..عين الرب و عين الحسد و عين حورس وعين الدجال .
-    وماذا تعني لنا هذه العيون؟
-    انها لاتعني لنا بل لهم .
-    وهل هي حقائق ام وهم؟
-    هي في الحقبقة.......

 

وفجأة دقت رنات متلاحقة ، فقطع كلامه بقوله: 
-    انتهى الشحن وربما نتقابل مرة اخرى لنكمل الحديث. فاسرعت المرأة واغلقت الحاسوب. 
دخل رجل اخر يرتدي نظارة سوداء يتلمس الارض بعصاه وبيده الاخرى يتلمس الباب والجدار، حياهما ، فاجلسه القارئ على الاريكة وقدم له الشاي، وبعد احاديث متفرقة قال لهما :
الاعمى: سمعت انكما حصلتما على الكتاب ؟
القارئ : نعم لقد جلبته.
المرأة : وانا حملته .
الاعمى: وانا آذان صاغية.
المرأة :انطفأ التيار الكهربائي .
القارئ : وهذا يثبت رأيي ان الكتاب الورقي هو الخالد والدائم .
الاعمى : وانا اؤيدك الان ، ولكن اريد ان اسمع .
وبدأ القارئ يتابع سطوري ويقلب اوراقي ويقرأ بصوت عال:
-    فقد احدى يديه في حرب منسية ، واضحت يده الاخرى بلا خطوط ..رآها تطير في الاعالي او تزحف الى عوالم جديدة فتحولت احدى عينيه شاغلة مكان الخطوط ، فاتحدت حاستان في نطاق واحد ، مد يده الى عينه الاخرى لم يجدها ، امست تنتقل بحرية مابين الارض والسماء تتابع حركة الخطوط المهاجرة او التائهة ...
واستمر القارئ في قراءته ومن خلال نثر الكلمات بنبرته الى اذان الاعمى بدأت اكتشف مضموني ورايت حروفي تضئ مع كل عبارة ينطقها ، وصارت عيون الصفحات الداخلية تعي ذاتها ، وعشت رحلة خطوط الكف التي بدأت ترسم عوالما جديدة من الزهور والاشجار والبنيان وتشاكس احيانا فتهدم مابنته الخطوط الاخرى .وعشت مع العين الجوالة التي ترسل شعيرات رموشها كالسهام مع كل خط ومتابعته كظله ، فتعود الرموش الى العين مع كل تقارب بين الخطوط عندما تتحد في تقاطع وتوازي لرسم حقيقة جديدة وتنفصل عن عينها مع تفرق هذه الخطوط.

 

احسست ان عالمي خيال ساحر ، وان هذا المصير يشترك به الذي خلقني بقلمه مع هؤلاء السامعين الذين مازالوا يحملون عيونهم في رؤوسهم واكفهم قد قيدت خطوط مسيرتهم ، فتذكرت اصل وجودي في المسودة الاولى التي كتبها خالقي ؛ بان هذه الافكار هي حلم مر به ، الا انه حذف العبارة ، لاكون حلمه الذي لم يبح به مابين سطوري.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
1
2015/10/22
عبدالكريم الساعدي
القاص المتألق حميد عمران الشريفي
أحيييك على هذا النص الرائع بفكرته المتميزة وحبكته المبهرة... تحية إعجاب لتلك المخيلة الجامحة ولأسلوبك الشائق... خالص التقدير
2
2015/10/30
حميد عمران الشريفي
القاص الرائع عبد الكريم الساعدي
تحياتي ومحبتي لك لهذه الكلمات التي اعتز بها وشهادة رائعة من قاص مبدع حياك الله
3
2015/10/30
حميد عمران الشريفي
القاص الرائع عبد الكريم الساعدي
تحياتي ومحبتي لك لهذه الكلمات التي اعتز بها وشهادة رائعة من قاص مبدع حياك الله
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً