الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
السحرُ حين يهدمُ بيوتا.. قراءة في رواية (جهينة) لـ (نجاة باحكيم) - فايز محيي الدين
الساعة 12:09 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

(جهينة) هي الرواية  الأولى للقاصة نجاة باحكيم، وتقع في 156صفحة من القطع الصغير، وهي من وجهة نظر الأدب وحسب تعريفه للرواية بأنها قصة أدبية مطولة تتداخل وتتشعب فيها الأحداث والشخصيات والأزمنة، فإنها لا تعدو عن كونها قصة بسيطة تناولت موضوعاً محدداً ولم تتطرق لمواضيع أُخرى، وانحصَرَتْ شخصياتها بشخصيتين رئيسيتين وشخصية ثالثة أتت بعدهما في الترتيب والأهمية والذكر. فيما بقية الشخصيات كانت ذات أدوار ثانوية إن لم نقل هامشية.
 

 

وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه الغالبية الساحقة من كُتَّاب السرد في اليمن ظناً منهم أنّ كل قصة يمكن أن تكون رواية. ما جعل المتلقي لما يُسمى روايات يمنية يفقد الأمل في وجود روائي أو روائية متمكنين من هذا الفن الأدبي السردي الهام، لأن الإصدارات التي تحمل اسم (رواية) كثيرة وما ينطبق عليها التسمية فعلاً قليلٌ جدا.
 

 

ولولا بروز أسماء يمنية استطاعت أن توجد لها ثقلاً ووزناً في عالم الرواية العربية لما استطعنا أن نفاخر بأن لدينا رواية يمنية. لكن برزَتْ بضعةُ أسماءٍ أكّدتْ أنّ اليمن تملكُ روائيين أفذاذ وأن لديها مخزوناً سردياً كبيراً بأفكارٍ نادرة تسمها بسمة يمانية خالصة وبطابع مميز يكفل لها الوصول للعالمية. 
 

ولعلنا لا نغفل في هذا المجال أسماءً أثبتتْ حضوراً ملحوظاً في عالم الرواية على المستوى العربي مثل: محمد الغربي عمران، ونبيلة الزبير، ووجدي الأهدل، وعلي المقري، ونادية الكوكباني، وأحمد زين.
 

وبعودتنا لـ(جهينة) نجد القاصة نجاة باحكيم وقد توفقت في بدء الرواية التي تلج بالمتلقي إلى عُمق الحدث من أول جملة دون إسهاب أو مقدمات تفقد القصة جاذبيتها، بل تدفع المتلقي للجري خلف الأحداث دون كلل بما تملكه من أسلوب سردي مُتقن يدل على قاصة متميزة بأسلوبها ومتمكنة من السرد رغم نفسها القصير الذي تبدَّى في ثنايا الرواية. 
 

وقد يكون لها عذرها في رغبتها بمواكبة عصر السرعة برواية قصيرة يسهل على المتلقي قراءتها بظرف ساعتي زمن دون كلل أو ملل. لكن يبقى التعريف الدقيق والمتعارف عليه بالنسبة للرواية بعيداً كل البعد عن هذه الرواية/القصة.
 

أحداث الرواية تبدأ من لحظة تعرف جهينة على صفوان في منزل صديقتها، حيث تقع في حبه من أول لقاء وتتسارع الأحداث -التي لم تفصل وتسهب فيها القاصة- ليتقدم لخطبتها ويتم زواجه بها عقب شهور قليلة بعد إتمامها للجامعة.
 

من أول يوم للزفاف تبدأ المشاكل بين جهينة وصفوان حين تأتي امرأة إليها وهي في الفرح وتعطيها بعض لفافات سحر تقول لها أنها ضرورية لتحميها من تلاعب زوجها صفوان فهو شاب مستهتر وكثيراً ما يضحك على البنات ثم يتركهن، وأن ابنتها إحدى ضحاياه.. تعطيها اللفائف ثم تغادر مسرعة، لينتهي الحفل وتعود لمنزل الزوجية آخر الليل منغصة الفكر شاردة الذهن، خاصة وقد رأت من ضيوف زوجها صفوان وأقاربه سلوكيات لم تعجبها؛ من انفتاح زائد ورقص مختلط وغناء صاخب لم تعتد عليه.
 

ما أن يصلا للبيت ويتركهما الضيوف حتى يبادر العريس للاستلقاء على السرير والذهاب في نومٍ عميق. كان ذلك بداية للصدمة الفعلية والحياة التعيسة التي ستعيشها جهينة مع صفوان، ليأتي الصباح وقبل أن تهنأ باللقاء به يكون أقاربه المزعجون قد وصلوا ليمارسوا نفس الطقوس المزعجة ولمدة يومين.
 

عقب مغادرتهم تمضي الأسابيع بينهم بفتور زائد يكون اللقاء في الفراش عبارة عن إسقاط واجب، لتتفاجأ بعدها أنها حامل، في ظل ظروف صحية سيئة يمر بها صفوان، والذي لم يعد يطيقها ولا يطيق نفسه. ومن هنا تبدأ رحلة المعاناة، حيث يلازم صفوانُ البيتَ ضمن حالة اكتئاب عارمة وفي ظل إفلاس شديد لافتقاده لمصدر دخل، فقط كان ينتظر ميراثه من بعد والده حسب ما كان يمنيها، لتكتشف بعد أن باع كل ما لديها أن ذلك الميراث لا يغني ولا يُسمن من جوع. ورغم ذلك يقف أهلها بجانبها ويدعمونها بكل شيء حتى في علاجه. لكنها ذهب ليعالج الخطأ بما هو أفدح منه حين قرر إرغامها على الذهاب معه للشيخ (أبو الفضل) المشعوذ، لتزداد بعد ذلك شكوكه بها نتيجة الفساد الأخلاقي الذي يكتشفه في ذلك الشيخ المشعوذ، فتزداد حالته سوءاً لحد ضرب جهينة وتكدير صفوها ليل نهار، حينها يجد نفسه مرغماً على الهروب إلى المجهول وترك جهينة معلقة بين السماء والأرض. فتضطر بعد أشهر من اختفائه لرفع دعوى قضائية بالخلع منه ويتحقق لها ذلك.
 

 

ولكسر رتابة الحياة الجديدة في بيت أهلها وبعد إنجابها لطفل تقوم بافتتاح مؤسسة مجتمع مدني ترعاها بنفسها وتقدم من خلالها خدمات للمجتمع وتقضي على الملل وتحاول من خلالها نسيان تلك المرحلة الأليمة التي عاشتها مع صفوان، خاصة وقد بدأ قلبُها يخفق لسكرتيرها مراد. لكن شبح الأسحار ظل يتابعها ويقض مضجعها من خلال كلب أسود دائماً ما كانت تراه يتتبعها في دخولها وخروجها، بل ويبرز لها في أماكن عديدة.
 

بعد فترة تأتيها دعوة للمشاركة في مؤتمر في مصر وتجد ذلك الكلب الأسود يتبعها حتى المطار بعينيين دامعتين ثم يرحل ويختفي عن أنظارها للأبد. في القاهرة تحدث الصدمة الكبرى حين تلتقي بالصدفة صفوان هناك، وبعد لقاء قصير وعتب تتركه دون حتى أن تأخذ رقمه، لتبدأ بعدها رحلة بحث عنه بعد أن أثار ذلك اللقاء مشاعر قديمة لكنها لا تجده، وقبل مغادرتها مصر يأتيها النبأ الصاعقة بوفاة أمها، لتعود للوطن وتعيش قصة آلام وعذاب مريرة، لا تنمحي إلا بعودتها للعمل في المؤسسة وإعلان خطبتها من سكرتيرها مراد الذي كانت تكن له الحب من قبل سفرها للقاهرة، وكان هو الكفيل بإعادتها بعد قضية الخلع لتعيش حياتها الطبيعية. لكن صفوان يتم العثور عليه في القاهرة ويعود للوطن ويعرف أنها ستتزوج، فيحاول تدارك صدمته بطلبه أموال كبيرة مقابل تنازله لها عن الولد، فتعطيه ذلك بالتعاون مع مراد، وليكتشف صفوان بعد أخذه الملايين أن سعادته ليست في المال وإنما بالحياة مع جهينة.

حينها يذهب لشراء قطعة سلاح ليقضي على كل الذين تسببوا بتعاسته وأولهم المشعوذ (أبو الفضل) لكنه يذهب لبيته ولا يجده، فيعود إلى التي تسببت له في كل تلك المتاعب محاولاً قتلها، وحين يصل لحفل الزفاف يبدأ بالتراجع عن قتلها محاولاً قتل العريس مراد، وقبل أن يطلق الرصاص على العريس يسمع صوتَ طفلٍ من خلفه يقول: لا تقتل والدي، فيلتفت إلى ذلك الطفل(ابنه) فيرى فيه تقاسيمه وإذا برصاصة تخترق رأسه (صفوان) وطيف أبوالفضل يختفي بين الحشود.
 

 

النهاية جميلة وموفقة كما هي البداية رائعة، وفكرة الرواية/القصة جميلة، فقط كان يعوزها الإسهاب والتشعب في الشخصيات والأحداث لتستوعب أكبر قدر من القضايا الجوهرية التي ترتبط بالفكرة الأساس ويجب تسليط الضوء عليها.
 

فضلاً عن أنها لم تُعطِ فكرتها الأساسية عن السحر ما تستحقه من تناولات ووصف وشخصيات وأحداث تجعل المتلقي يقف أمام لوحة فنية متكاملة عنها. فظهرت اللوحة باهتة ومعانيها بسيطة يستطيع أي فرد إدراكها لأول وهلة دون أن تثير فيه الرغبة في إدراك كنهها أو التدقيق في تفاصيلها.
ويبقى القول أنّ نجاة باحكيم لديها مقدرة فائقة في فن السرد، وهذه الرواية/القصة تثبت تمكنها من السرد. فقط نحن ننتظر ما يبهرنا منها في قادم الأيام.

 

                          [email protected]

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً