الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة انطباعية في (سُرة البلد) رواية لأحمد محمد عبده- سيرين حسن
الساعة 14:50 (الرأي برس - أدب وثقافة)


سُرة البلد هي مهبط آدم وحواء في كل قرية ومدينة أيضاً.. حاراتها ضيقة ضيق معيشتهم، بيوتهم ملتصقة التصاق قلوبهم ببعضها.. هكذا عرّف الكاتب سُرة البلد والتي تختلف عما يجاورها و يحيط بها من سكان وبنايات في دير الناحية.. هنا أجدني أمام مثال حي في كل الدول والمدن فهنا في صنعاء السًرة هي صنعاء القديمة وداير الناحية كل ما جاورها وأحاط بها من عمران وسكان.
على الغلاف استوقفتني كلمة متوالية روائية، مما نبهني لأن هناك أمراً ما يخص الحبكة التي لن تتصاعد وتيرتها وتتعقد لتنفرج؛ لأننا أمام حكايات كثيرة عن الأجداد، والعادات، والتقاليد المصرية مع وجود بطل مشترك مذكور في كل الفصول ماعدا فصل واحد، والبطل هو الجد الحديدي الذي يبحث الروائي عن أصوله.

 

إذا بالتالي فإن الزمن غير ظاهر في المتتالية بوضوح وليس هناك خط زمني واضح لأن الحبكة ليست خطية فالزمن هنا مجرد عقود طويلة في عمر الحديدي مذكورة باقتضاب شديد.
أما المكان فالبيئة الريفية المصرية هي من احتلت دور البطولة لنتعرف  فيها على الكثير من العادات والتقاليد وطريق العيش القديمة، فمن العادات والتقاليد المصرية التي يذكرها أن تضع العروس آنية الطبخ التي جاءت بها من بيت أهلها أمام والدّي زوجها، وبهذا تُظهر الاحترام وحب المشاركة مع العائلة، وتتحدد طبيعة العلاقة معها بوصفها طيبة ومُحبة، لكن بعضهن تحتفظ بها لنفسها ولا تشاركها فتأخذ العائلة النظرة المناسبة عنها وتكون العلاقة معها حسب شخصيتها هذه.

 

يحكي الكاتب عن (تل السباخ) الذي تمتلكه كل عائلة لتقضي فيه حاجتها(لعدم وجود الحمامات) ، ترعى مواشيها فيه، وترمي ببقايا الحيوانات والقاذورات.. العائلة التي ليس لها تل إما أن تكون فقيرة وليس لها ماشية، أو ليس لها سلطة وأنياب لتتخذ تلاً لها.
 

هذه صورة قديمة عن أهمية السلطة والقوة لفرض النفوذ منذ القدم، في كل مكان حتى في القرى البسيطة.. فمن له مال أمتلك القوة وبه سيضع له أسماً مهماً يذكره الناس ويصبح التل باسمه، وفي المدينة يتم تسمية الشارع أو الأرض المجاورة باسم العائلة ذات المال والنفوذ، وهذا أيضاً موجود في كثير من المدن ففي صنعاء شارع (الرياض) هو شارع (هايل) نسبة إلى رجل الأعمال هائل سعيد انعم، وشارع (بينون) نسبة إلى عمارة (بينون) الكبيرة الواقعة في بداية الشارع، وهناك أمثلة كثيرة، إنها سلطة المال التي تصنع الاسم وتجعله عالقاً في الأذهان.
 

الحديدي الرجل المعمر الذي عاش في عصر محمد علي باشا، ومع شجرة الدر كطباخ للسلطان، وفي عهد حفر القناة عندما كان ابنه مع العاملين فيها.. يظهر الحديدي كما هو أسمه رجل من حديد موجود منذ عقود طاعن في السن يعيش في آخر الرواية مع أحفاد أحفاد أحفاد..... أحفاده وقد طال به العمر حتى نبتت حشائش ونباتات في أماكن مختلفة من جسده ولم يجدوا لها تفسيراً.. مل منه أهله وبدأ البعض يفكر في طريقة للتخلص منه.. البعض أقترح ريّ النباتات حتى يضيع فيها ويخرج باحثاً عن دغل آخر، والبعض اقترح قطع الماء عنه حتى تيبس الحشائش والنباتات ويموت معها.
نهاية سيريالية وتربط الحديدي بالأرض التي جاء منها، والتي إن ماتت سيموت معها.

 

الأحفاد يجعلون الحديدي الجد شماعة لأخطائهم، يعلقون عليه كل الذنوب ليتخففوا، وهذه طبيعة البشر دوماً للهروب من الإحساس بالذنب والتقصير، يبحثون عن الشماعة المناسبة وهي إما الزمن، أو الوضع المادي، أو الآباء أو حتى الأجداد.. يلقون باللوم على شيء ما حال وقوعهم في حفرة الفشل والتقاعس والكسل.
 

يقول الكاتب أن الاسم يكبر بالعائلة وليس العكس، أما الدول فلم تكن إلا أسماء فروسيا لم تكن إلا ستالين وألمانيا لم تكن يوماً سوى هتلر ومصر كانت ناصر.
إذا كانت الدول مجرد أسم إذاً لابد أنها ستنهار حال سقوط الاسم؛ الجميع معلق في أفرع الشجرة ولم يعتمدوا على صنع وطن بأشجارهم الخاصة؛ لتكون جذورهم العميقة الممتدة أصيلة قوية قادرة على حمل الفروع المثقلة بثمار تبني الوطن، ولا تنتظر من أسم واحد أياً كان أو يقوم بالمهمة، فهي مهمة الجميع وإذا ما انهارت الدولة فهو خطا الجميع أيضاً.

 

بعد زمن سنصبح مجرد ماضي وأجداد، تنظر لها الأجيال القادمة من خلال المرآة لترى صفاتنا الظاهرة فيها وطباعنا، وجينات كثيرة حملناها منذ القدم، وعندها قد يلقون باللوم علينا فردياً وجماعياً لعدة صفات  توارثوها منا لا تعجبهم أو وطن مدمر أورثاه لهم.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً