الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الشاعر اليمني هاني الصلوي: هناك قصائد نثر لا قصيدة واحدة - محمد الحمامصي
الساعة 15:06 (الرأي برس - أدب وثقافة)

    

تشابك العالم اليوم وتقاربت الأماكن وتنافذت الثقافات والشعوب وتمازجت الحضارات بما لا يدع منفذا للتيارات القومية حتى في الفن والكتابة، وقصيدة النثر ليست بمنأى عن هذا التطوّر الذي شهده العالم اليوم، نعم كثيرا ما نسمع قصيدة النثر المصرية أو اللبنانية أو العراقية أو غيرها، لكن قصيدة النثر ليست ذاك المثال الواحد، بل هي الأكثر انفتاحا وتحوّلا وتنوعا، تسمح في آن بالمحافظة على خصوصية حضارية ما، لكنها تفتح آفاقا واسعة للانخراط في ما هو إنساني بقدرة كبيرة على معاصرة كل تطوراته.

"العرب" التقت الشاعر اليمني هاني الصلوي الذي تعدّ تجربته مع قصيدة النثر من أكثر التجارب المغايرة والمفتوحة على التنوع، وكان لنا معه هذا الحوار.
 

 

ثمة ثورة في قصيدة النثر اليمنية لا سيما في الآونة الأخيرة
 

هاني جازم الصلوي شاعر وكاتب يمني وباحث في تحليل الخطاب من الكتاب المعروفين بممارساتهم المتعددة، نشر ست مجموعات شعرية هي على التوالي: “على ضفة في خيال المغني”، “ليال بعد خولة”، “كتاب الهزيمة”، “ما لا ينبغي أن يقال”، “غريزة البيجامة”، “تعدين أذن بقرة”. وقد ترجمت نصوصه إلى أكثر من لغة، كما أصدر منذ فترة كتابا إشكاليا بعنوان “الحداثة اللامتناهية الشبكية.. آفاق بعد ما بعد الحداثة، أزمنة النص ميديا”، قدم فيه نظرية جديدة ضمن ما يعرف بموجات بعد ما بعد الحداثة، وهي رؤية ورؤيا -حسب عبارته- في الفكر الرقمي. كإسهام لا يمكن نعته بالعربي لكون العصر لم يعد قائما على التبني القومي للرؤى لفظيا ومضمونيا بعد ظهور أبعاد وآفاق أجدّ للحياة المعاصرة والقادمة، تتمثل في انتقال الحركة الإنسانية إلى الفضاء الرقمي أو ما يدعوه بالفضاءات لامتناهية الشبكية.

 

لكل نص لغته

بداية وحول ديوانيه “ما لا ينبغي أن يقال”، و”غريزة البيجامة ” واللذين صدرا في كتاب واحد كلاهما يقرأ من جهة أخرى، وطبيعة التجربة، يقول هاني الصلوي: هاتان المجموعتان صدرتا معا عام 2012، وأتساءل كلما نظرت إليهما معا في الطبعة عينها لماذا جمعتهما معا، ثمة أسباب واهية في ذهني كأن أدّعي لنفسي أحيانا أنه كان من الضروري أن يصدر الكتابان معا.. حماس من نوع ما للنص الرقمي وتشكلاته أخذني وبقي معي في وعي مختلف إلى الآن خشيت أن يحملني للأبد ويلتهم تجربتي الكتابية.

 

يجمع الصلوي في لغته ما بين اللغة الرصينة التراثية أحيانا وبين اللغة التلقائية المتداولة، وقد أكد أنه يحس أحيانا أنه يكتب بلغتين داخل العربية، يقول: حينا ينتابني بعدا اللغة التراثية والمتداولة معا في نص واحد مجتمعين. وفي النصوص المتفرقة أيضا. لعلك لاحظت اختلاف لغتي في “غريزة البيجامة” عمّا في “ما لا ينبغي أن يقال”. ومن معرفتك بتاليهما “تعدين أذن بقرة”، تتعلق المسألة بتقنية الكتابة أو التناص كفعل كتابي تداخلي غير مقصود داخل الفضاءات الشعرية. لكل نص لغته الخاصة والتي يجب أن تكون معنية بإيغالاته اللانهائية في ذاتياته المتشظية واجتماعياته معا، وتبقى متماوجة معها، حقيقة ولا حقيقة مطلقة أبدا كما هو معلوم.

 

الماضي عينه هو المفقود المثالي، وهذا ما يجعله شعريا ومستدعى، فالكائن يعلق وجوده كثيرا بمنته وزائل حين يكتب
يحتل المكان والزمان والتفاصيل الخاصة بالحياة اليمنية من أزياء وغيرها، موقعا مهما في تجربة الصلوي ليشكل ذلك جزءا من خصوصية قصيدته، ويرى الصلوي أن “لكل نص مكانه وزمانه المرتبطان به والمنطلقان منه أو المنطلق منهما، حسب حيثياتهما ومواجهاتهما مع المحيط. تحضر الأمكنة اليمنية بشؤونها وحركاتها بما في ذلك أزياؤها المتخيلة. تأتي فرادة القصيدة من مشربيات عدة منها هكذا تداخلات وتوازيات -وحتى ترابطات وتفكيكات- من اشتباكات العمل الفني في تلك الكتب بالزمن اليمني والمكان اليمني كونهما عالماي الأولان -إذا جاز صبغ الزمن بالمكان- ومن احتكاكهما بالعوالم الأخرى. ربما في سياقات الكتب الشعرية سالفة الورود أكثر من الأعمال الأخرى و”ليال بعد خولة” العمل الذي فرقت دمه بين المدن فجعلت قصائده عبارة عن ليال متفرقة -ثلاث عشرة ليلة على ما أذكر- بين صنعاء وتعز والقاهرة وبغداد وحلب والكوفة وفي الطريق إلى فارس بمحاذاة حلب. وفي الصحراء وغيرها.


قصيدة النثر اليمنية

الحب في قصائد الصلوي يأتي مختلفا ممزوجا بحنين يلتمس أجواء الماضي دون أن يفقد اللحظة الراهنة وما تحمله، ووفقا لرؤيته، فإن الماضي يتعلق في إطاره الشامل بالحب والحنين عادة، وهي ثيمة سائدة في الكتابة جملة وليس في الشعر فحسب. يؤكد ضيفنا قائلا: الماضي عينه هو المفقود، وهو صعب الاستعادة وهذا ما يجعله شعريا ومستدعى. يعلق الكائن وجوده كثيرا بأمر منته وزائل حين يكتب، ولا ينفي ذلك تعلقه أيضا بالحاضر، الحاضر المعيش والواقعي وهذه شعرية مقابلة لربما تجد بعض مناحيها في ما لاعلاقة للماضي به من الأعمال الأخرى: “غريزة البيجامة” مثلا و”تعدين أذن بقرة”.


لكل نص مكانه وزمانه المرتبطان به والمنطلقان منه
في كل الأحوال السيادة للحظة الشعرية. فكرة الفقد شعرية، وهذا مرتبط بما يريده المكتوب ما دمنا نتحدث عن كتابة ومسطور بالقلم أو الكيبورد. يصبح الماضي أشدّ إثارة حين يقع في منطقة بين وجوده الخيالي المنتهي أو المقيم في البعد، وبين الحاضر. بعلمية مطلوبة حينا: دائما ما يتحدث الكائن الحاضر عن مفقود مثالي، يشتم الحاضر لأنه ليس كالأزمنة التي مرت. وتنعت الأجيال التي عاشت في المنقضي والحاضر ممّن لا يعرفون الماضي بعدم الإدراك والوهن. “ليس في الإبداع أبدع مما كان مثلا”.
يضيف الصلوي: عثر الآثاريون على بردية فرعونية كتبها شيخ يشكو من الأجيال الجديدة بأنها لم تعد كالماضية متحسرا على أيام رحلت. فحتى العلم الحديث لم يستطع بعد أن يجعل الإنسان في شباب دائم وقوة فوارة حتى الموت في هذه الفترة، لذا سيتحسر الإنسان على شرخ الشباب وملاعب الصبا وهي متلازمة موجودة في سائر الثقافات.

قصيدة الصلوي ليست بعيدة عن تجليات قصيدة النثر في اليمن وفي مختلف البلدان العربية، أقصد في إيقاعها وصورها ومجازاتها التلقائية والبسيطة، وهنا يلفت الشاعر إلى أن هناك قصائد نثر عربية وليست هناك قصيدة واحدة، وإن كانت سمات التلقائية والبساطة سمات عابرة لأجناس قصيدة النثر، ولكن لكل شكل من البساطة والتلقائية مناخه وميزته -القضية نسبية نوعا ما- وما نراه قصيدة بسيطة وتلقائية في مصر يمكن أن يكون مبهما ومعقدا في اليمن أو العراق أو المغرب. يرجع الفكر هنا ضمن ما يرجع إليه إلى تحولات اللغة أولا وما سببه احتكاك شعب من الشعوب بالآخر ذي اللغة المختلفة: الغربي أو الشرقي.

 

 

وحول قصيدة النثر اليمنية وتجلياتها بشكل خاص وأبرز خصوصيات مشهدها يقول الصلوي:

ثمة ثورة في قصيدة النثر اليمنية ولا سيما في الآونة الأخيرة، سياقات مختلفة وأداء مغاير بلا شعارات. في السبعينات والثمانينات ارتبط كثير من شعراء قصيدة النثر اليمنية بقصيدة خارج المشهد اليمني، وقد كان ذلك خلاقا في جانب من جوانبه إلى أن جاءت التسعينات -مع التأكيد على عدم أهمية التصنيف- لتنبههم إلى كتّاب قصيدة النثر اليمنية الأوائل ومؤسسيها فنشأت قصيدة مختلفة وخاصة، إلى أن ازدهرت الحركة الشعرية الجديدة متأثرة بالفضاءات العمومية الجديدة -كأفعال لا كوسط-، وبما استحدث من مواضيع وفرض نفسه. مشهد كتابي عريض ومرتبك إيجابيا. تجد شعراء يكتبون نصوصا على الفيسبوك دون أن يقولوا أنهم شعراء. كتّاب تنمّ أعمالهم عن وعي بالعوالم والتنافذ والاندماج معها.

 

منقولة من صحيفة العرب.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً