الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
نبيهة محضور ونص الجملة السردية - محمد الغربي عمران
الساعة 10:37 (الرأي برس - أدب وثقافة)


تطالعنا بين فينة وأخرى كتابات الأديبة والكاتبة نبيهة محضور على صفحات صحافتنا.. وقد تنوعت بين المقالة والسرد. ما جعلنا نتوق إلى قراءة ما تكتب في مجموعة منشورة. ليتحقق للقارئ والمتابع تقييم تجربتها.. وأخيرا تحقق لي ذلك التوق لأقرأ في أيام عيد الأضحى الماضي حيث وقع بين يدي مجموعة من نصوصها المعدة للإصدار . وهي المجموعة الأولى التي سترى النور بعد في مطلع 2016. وبذلك ترفد المشهد الإبداعي في ذمار بمجموعتها الجديدة..

ذلك المشهد المتجدد الذي تعتبر الكاتبة أحد نشطاه الفاعلين.. ليس على مستوى الكتابة الإبداعية فحسب.. بل كونها أحد الداعمين والناشطين كرئيسة لنادي القصة. لتتسع دائرة الإصدارات السردية لكتاب متميزين.. وأذكر منهم : عبد الكريم النهاري.. أسماء المصري الأكثر إصدارات.. حفصة مجلي.. حامد الفقيه.. نبات السماوي.. سلوى الكحلاني.. أسماء عبد العزيز .. سلمى الخيواني.. نجمة الأضرعي . ومؤخرا محمد الغرباني. ثم إيمان المزيجي. عفاف صلاح. والأخيرتان يعدان لإصدار مجموعتيهما .

إضافة إلى أسماء أخرى لها حضور فاعل ومتميز إبداعيا.. ننتظر منهم جمع نتاجهم وإصدار مجاميعهم. لينظموا إلى كوكبة الإشراق والتجديد. 
دوما ما تكون هناك فكرة .. تتحول إلى حكاية في خيال الكاتب أو الكاتبة.. وعادة ما يكون هناك قارئ محتمل. هو مثلث أضلاعه : الكاتب, النص, القارئ . تلك الأضلاع التي تمثل أساس الإبداع. لكنه الكاتب الضلع القاعدة.. الضلع الذي يتكئ عليه نجاح النص وقبول المتلقي لذلك النص أو رفضه. 

 

ما أريد طرحه هنا .. هي أمور بديهية.. مثل ما يجب علينا ككتاب من تخصيص ساعات يومية للقراءة مهما كانت مشاغلنا..ولا أقصد قراءة الفيس أو الصحف والمجلات.. بل القراءة الدسمة ..فالكاتب عليه أن يكثر من قراءة الرواية والتاريخ والنفس والفلسفة ...الخ . ما يزيد من ثقافته وفنون الكتابة وصقل موهبته . وإلا فليدع الكتابة وشأنها. كما يجب أن يستفيد من حيواته .. وتجاربه وتعامله في مختلف مناحي الحياة. قد يعتقد البعض أن كتابة السرد مجرد دبج حكايات من الواقع المعاش..أو صياغة خيال دون إثراءه بالقراءة الدائمة .. وذلك مفهوم خاطئ يقع فيه الكثيرون. 
 

ونحن اليوم أمام إبداع كاتبة تحمل هموم مجتمعها .. وتعمل من أجل رفعته من خلال أنشطتها الداعمة وكذلك كتاباته المتنوعة.. وتعرف بأن القصة ليست مجرد فكرة نحكيها كتابيا أو شفويا .. أو نسطرها لمجرد حصولنا عليها بعد أن راقت لنا.. وهي من القلائل التي تفكر وتقلب فكرتها قبل التسطير. 
إذا مسألة الكيف هي أهم عناصر إنتاج النص .. فتقليب الفكرة مسألة هامة وحيوية.. فالكيفية (الفن) ثوب نلبسه على الجوهر(الفكرة).. إذا الكيف هو الفن الذي يحسب للكاتب بعد الفكرة وقد يأتي في مقام أعلى من الفكرة.
كيف أصيغ الفكرة؟ سؤال على الكاتب أن يطرحه على نفسه قبل أن يخط أي حرف.. بمعنى أن يتصور تلك الفكرة المحورية وما يتشظى عنها من أفكار فرعية .. وأن يتخيل سير ألأحداث وتطورها.. وتنامي الشخصية الرئيسية وبعض الشخصيات الثانوية.. أن يحسب لاحتدام الصراع حتى الوصول إلى الذروة. وأن يهتم بكل صغيرة وكبيرة.. ثم يصيغ ما تصوره في قالب مكثف غير فضفاض. وألا يترك الكتابة تسرح به بل هو ما يسيطر عليها. 

 

فيما مضى كنا نعرف أن القصة تتكون من ثلاثة أجزاء: البداية .. المنتصف(العقدة).. ثم النهاية (الإضاءة.. ولحظات التنوير). لكن فن القصة في تغير دائم. واليوم يستعين القاص بفنون شتى.. ما جعل النص أكثر إدهاشا ومتعة.. مثلا من الكتاب من يستعين بالمشهدية .. وهي من فن المسرح.. وآخر بما يشبه اللقطات السينمائية.. وثالث الصور الشعرية والتكثيف.. والبعض بمفارقة الطرفة.. والكثير استعانوا بفن الرسم حين يقدمون نصوصهم في لوحات حكائية .. وهناك من يجيد استخدام اللغة بشكل آسر...الخ
 

إذا علينا ككتاب أن لا نشرع في الكتابة حتى نرى شكل النص متخيلا من بداية أول حدث وحتى نهايته.. وأن نتصور ونتخيل كل شيء قبل البدء بالصياغة. متصورين النص بين يدي قارئ محتمل.. لندخل معه في شراكة.. متسائلين أين مكامن دهشته؟ وأين سيقف متأملا؟ وأي الألاعيب السردية التي ستشده .. وأين نبث توابلنا المشهية بمقادير محسوبة. لنمسك بذهنه والسير به في متاهات المتعة.
إذا الفكرة ليست كل شيء.. وإن كانت أحد العناصر الأساسية . فالفن الذي يمثل مقدرات الكاتب هو من يعلن لنا عن تفوقه وتميزه من خلال تقديم فكرته بكيفية مشوقة ومدهشة. فالطبخات كثيرة وهي بنفس المواد.. والمصاغ المعروضة في محل الجوهرجية متشابهة وكثيرة وبنفس المعادن والفصوص.. لكننا سنجد من بين الطبخات ما هو ألذ.. ومن بين المصاغ ماهو فارق ومدهش.. ليس في خامته بل في صياغته.. إذا يختلف الفن من صائغ إلى آخر.. فمن يقدم المدهش والمختلف قلة. والقلة هم من يضيفون إلى الفن بصماتهم وهم من يطورون ذلك الفن ويدفعونه للمزيد من التألق والإدهاش.

 

ونصوص محضور في معظمها من الإدهاش بمكان .. فقد التقت جلها في جودة الأفكار المطروحة بين الاجتماعي والوطني والعاطفي .. لتصب في معالجات نقدية لاذعة .
وكما التقت في جودة الفكرة.. اختلفت في جودة الإتقان الفني .. والملاحظ أن الكاتبة تنشغل بالفكرة أكثر من البحث عن فنون صياغتها.. وبالذات لحظات الكتابة .. لتأخذها بالمحسنات اللفظية والوصف الباذخ.. خاصة فيما يتعلق بالطبيعة وببيئة المكان. تاركة التعمق في أعماق الشخصية.. وما يعتمل جراء ما يحدث بداخلها.

 

الكاتبة تمتلك قدرة على السرد.. ما يجعل القارئ يلحظ تأطير الفكرة بالمزيد من الوصف.. لما يحيط بتلك الحياة وبظروف تلك الشخصيات.. ما يدل أنها تمتلك قدرات أسلوب الرواية.. التي تمتاز بالنفس الطويل.. على نقيض القصة القصيرة التي من صفاتها التكثيف الشديد والإيجاز. 
وسيلحظ القارئ أن نصوص الكاتبة من فئة الأقصوصة والشذرة متطورة فنيا. على نقيض نصوص القص القصير.. بل أن الكاتبة تقدم نصوص أكثر روعة في فن الشذرة ..وأتمنى أن تكون تلك النصوص قد كُتبت بوعي كشذرات.. كون الكاتبة أوردتها ضمن نصوص "ق ق ج" ومن تلك الشذرات : "أشعلوا نيران الثورة.. فأحرقوا الوطن" و "حاولوا قصف كبرياءه.. فقتلهم بشموخه" و"تلألأت بربيعها المزهر.. لتقبع في سجن خريفه" تلك النصوص السردية المدهشة وغيرها من الشذرات في مجموعتها تنبئ عن مبدعة قادمة بقوة. 

 

والشذرة فن وليد عن الأقصوصة.. كما هي الأقصوصة وليدة عن القصة القصيرة.. وقد أهتم النقاد بإبانة خصائص كل منها.. خاصة في المغرب الذي ينشط كتاب الشذرة.. ونورد هنا أهم ما يميز الشذرة: هي سرد لا يتجاوز النص الواحد الجملة الواحدة أو الجملتين.. حيث يستبدل الكاتب الإطالة بعمق الفكرة وشفافية اللغة والتكثيف الشديد... الخ . بينما الأقصوصة تأتي في عدة جمل وقد تتجاوز إلى أسطر .. ولها خصائصها الخاصة أيضا . 
 

كما قرأت في مجموعة الكاتبة أقاصيص غاية في الاكتمال.. فمثلما تجيد فن الشذرة تجيد النص القصير جدا.. مثل نص بعنوان وفاء"قدمت إليه علبة مجوهراتها.. بعد أن أخبرها بأنه يمر بضائقة مالية .. لتلاحظ بعد أسابيع أحد أسورتها تزين معصم إحدى صديقاتها". ونص ثاني بعنوان هدية" في متجر الهدايا وقفت سعيدة وهي تدفع ما ادخرته لشراء هدية له في عيد زواجها الأول. بينما كان هو في الجانب الآخر يدفع راتبه قيمة هدية لعشيقته" ونص ثالث بعنوان قذارة"لم تحتمل صرخات معدتها الخاوية ..مدت يدها لأول عابر تستجديه..فمد يده يعبث بأغلى ما تمتلك"
 

وإذا ما طالعنا تلك الأقاصيص.. والشذرات .. سنلحظ بأن الكاتبة تجيد تكثيف النص القصير جدا.. وبالمقابل تسترسل في قصصها القصيرة. ولذلك سيلاحظ القارئ أن نصوص محضور كلما طالت أخذت منحيين.. أولاهما النفس الروائي. وثانيهما الأسلوب المقالي.. فقد تجلى النفس الروائي في قصص بعناوين : "نفحة عطر" و" القبلة الأخيرة" و"خبر سار" و"يوم عيد" و" لعبتي" وغيراها من النصوص.
 

كما اقتربت بعضها من فن المقالة مثل نصوص بعناوين : "ورقة عمل" و"أشجار الزيتون" و" عابر سبيل" وغيرها . إلا أن الكاتبة تجلت في عدة قصص قصيرة مثل: "وعد ووسام" و"ثورة" و"أنا وصديقي" وغيرها من النصوص التي تعالج في معظمها قضايا اجتماعية هامة.
وكما هو معروف أن الكاتبة تكتب المقالة في أكثر من صحيفة ناقدة في مقلاتها أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية .. ضمن همومها كناشطة حقوقية وثقافية . كما أنها ذات عطاء ونشاط في خدمة الأدب وفي قضايا المرأة والقضايا الوطنية والحقوقية .. ولذلك لا غرابة من تنوع نتاجها بين المقالة اللاذعة.. وفن السرد القصير والقصير جدا. 

 

ولذلك نهمس في إذن الكاتبة نحن في شوق لصدور مجموعتك .. مزيد من العطاء والبذل .. مزيد من الإبداع الذي يرسخ بصمتك بين المبدعات في ذمار بل وفي اليمن.. ننتظر أيتها العزيزة جديدك دوما. وهي تحية لأديبة تهتم دوما برعاية الكتاب والكاتبات.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً