الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
الطيبون - عبدالله الساورة
الساعة 11:42 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

هناك بون شاسع بين شط العرب و"برج العرب "،  فالمكان الأول أرض للحرية و الثاني زمن للعذابات. عرفت سم العقارب ولكني لم أعرف أن لسجن " العقرب " قسوة لاتمحوها الذاكرة، سجل من أيام قهر لاتنمحي، وليل طويل بزمهرير الجبروت. آه كم أنت فسيحة أيتها السجون العربية في إضاءة الشمس في غرف العنابر.. في ذاك القصر العامر، " قصر الرحاب" .. كان الانسان يتحول لكلب يعوي كما الزمن العربي البائس فينا..كان ذاك القصر البهي مرجع ودرس طويل في الإستبداد..أن تكون مجبراً على السير على أربعٍ.. تلك قمة الإستعباد..
 

لم أكن أعرف للسجن أباً حتى وجدته بين العنابر المظلمة لأبو زعبل..كان المرئ في تجربة أن يوضع في كيس من الخيش ملئ بالقطط..
للصحراء جمالها وبهاؤها وهي تستقبل كل صباح نور الشمس وهي ترخي بظلالها على القسمات فترسم سمرة الحياة، ولكن في تدمر، عاصمة الأثار ومهد الإنسانية تتحول الصحراء قوقعة مظلمة وكئيبة ووحشاً ضاريا يتمرس على الإفتراس..شهوة لاتنقضي.. وبؤس بحبيبات الرمل..لاتنقضي.. كل القسمات تتساوى في الأهات.. كم تتدمر النفس ويموت الجسد كل مساء وهو لايسمع سوى أصوات الضباع..

 

أيها الطيبون هناك..كم أحبكم..كم اشتقت لكم..وأنتم تكتبون بحبر الدم سنوات الرصاص..كم أحبكم وأنتم تخرجون من المنفى إلى المنفى..وتجدون زرقة السماء وقد اختلفت قليلا عن وجه السماء..
أيها الطيبون..لا تأسفوا عن الأمكنة التي تفوح منها رائحة الفجور وشهوة البغي والظلم.. كم أنتم رائعون أيها الطيبون وأنتم تعدون الساعات وعقاربها وهي تجر أذيال الخيبة في لؤم.. 
في " نقرة السلمان " بين الحدود المزعومة..بين الصحراء..تنغرس الأحزان..تنغرس الآلام بصخب..تنغرس الحكايا فينا..تتنوع..وتظل القلوب الطيبة تسأل السماء ونجومها عن لوعة الوطن..كم أنت قاسٍ أيها المستبد فينا..كم من حجم العذابات..كم من المآسي..وكم من الهم والهم..أي لعنة حلت بك أي الوطن الكبير..

 

في " نقرة السلمان " لاسلام..في نقرتة.. البطون تبحث عما يغذي بطنها..في نقرته..تتآكل الأجساد هنينة وهنينة..
في " نقرة السلمان "،" بيت الخالة " ..تبكي الخالة على الإيواء الطويل..ويبكي الأخ والعم والأب والأم وما تبقى من أفراد العائلة.. عن الضمير الذي مات ..ومات ..ومات ..ألف مرةٍ ومرةٍ..
في " عكاشة " " تزمامارت " " درب مولاي الشريف " " السجن المركزي" تتوه الدروب عن منازلها..تذوب الأحياء عن سكانها..تغيب الوجوه عن أحبتها..كم أنت قاسٍ أيها المستبد فينا.. 

 

في " المزة ".. طعم الموت أهون من مذاق الحياة..في سجن " المزة"..الحياة ماكرة، بائسة، حزينة ووهم الوطن أكبر من حب الوطن..في المزة.. الحزن البليغ يتعافى طيبة من الأسف والتأسي على ضحاياه..
في " طرة" تبكي الأم عن نبض كبدها..كم أنتم رائعون أيها الطيبون وقد تحولت الأمكنة للجفاء..كم تخلينا عن أحلاكم وكم من هتك وهتك تعرضتم له..باسم صاحبنا ومولانا..باسم الدين مرة..باسم الوطن والعزة مرة..وباسم كل النظريات التي جُربت فينا..

 

أيها المستبدون..لكم ما تبقى من عذابات الضمير..
أيها الطيبون أرقدوا بسلام.. 
أيها الطيبون أرقدوا أمنين..
أيها الطيبون أرقدوا فينا نائمين مطمئنين.. في صحونا ..وسهادنا.. فيما تبقى من أيامنا القادمة..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص