الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
رواية (نصف إرادة).. صفحة مؤلمة من معاناة الطفولة - فايز محيي الدين البخاري
الساعة 13:24 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

خلال العقد الأخير من الزمن انتشرتْ ظاهرة تهريب الأطفال، وخاصة بين اليمن والسعودية. وكثيراً ما قرئنا عن ذلك في الصحف والمجلات وفي تقارير المنظمات المعنية بالطفولة وحقوق الإنسان وشاهدنا التقارير التلفزيونية.. لكن لا أحدَ من الأدباء تناول ذلك في عمل إبداعي حتى الآن.
 

وتأتي رواية (نصف إرادة) للدكتور هشام المُعلِّم كأول عمل أدبي في اليمن يتناول ظاهرة اختطاف الأطفال وتهريبهم عبر الحدود إلى السعودية للعمل في الشحاتة والأشغال الشاقة والأعمال المُخلة بالآداب أيضا.
 

وقد استطاع من خلال روايته (نصف إرادة) أن يعالج بطريقة درامية ازدانَتْ بكثير من الأساليب الشعرية التي كان يبث من خلالها الروائي أشجانه وبعض رؤاه في الحياة بقالبٍ أدبيٍ بديع قَلَّ أنْ يأتي به سوى هشام المعلم.
 

وقد توفَّقَ كثيراً في البداية التي أمسكَ من خلالها بذهن المتلقي من أول وهلة بفضل ولوجه إلى عمق السرد دون الحاجة للوصف أو المقدمات التي يتعمد البعض اللجوء إليها ظناً منهم أنها تعكس ثقافتهم أو تعطي المتلقي الملامح الرئيسة والإطار العام للرواية كي يمضي فيها على هُدىً وبصيرة.
 

ويجهلون أنّ اقتراف مثل ذلك يُعَدُّ خطأً فادحاً بالنسبة للسرد الذي يبدو مهلهلاً إنْ اعتورته مثل هذه الأساليب. والعكس هو ما يحصل لدى المتلقي الذي يتذمر وقد يترك الرواية بأكملها إنْ لم يستطع الروائي جذبه منذ الكلمة الأولى.
 

ورغم أنَّ هشام المعلم قد اقترفَ خطأً بسيطاً في محاولته للتوطئة للسرد ببضعة أسطر، لكنها قليلة جداً وتُغفَر له مقابل امتلاكه لوجدان المتلقي فور ولوجه لعوالم الرواية التي عالجتْ موضوعاً نادراً، وكشفَتْ عن تفاصيل مأساة إنسانية يجهلها الكثير. ما يجعل الرواية فريدة في الموضوع وتغفر للناصِّ أي خطأٍ قد يقع فيه أو هِنات قد تعتور النص.
 

 

لقد استطاع هشام المعلم أنْ يُسلِّط الضوء على قضية تهريب الأطفال ليوصل هذه المأساة الإنسانية لأكبر مساحة يمكن أنْ تصلها روايته. وهو بهذا العمل الأدبي يُعَدُّ رائداً في مجال العمل الأدبي الإنساني. حيث دارتْ معظم الروايات اليمنية حول الذاتية المحضة أو التقليد الأعمى للآخر دون تروٍّ، بينما جاءتْ هذه الرواية مغايرة فكرةً وأسلوبا.
 

وكون النّاصّ هُنا في الأصل شاعر فقد طفحتْ الرواية بالكثير من التداعيات الشعرية التي جاءتْ على لسان بطل الرواية(علي) الذي مزجَ في سرده بين حنينه للقرية وحياتها البسيطة والحميمية التي كانت عليها قبل غزو ثورة التكنولوجيا، وبين مشاعره الخاصة نحو حبيبةٍ هي فتاة الأحلام التي لم يحظَ بها طوال مشواره الحياتي. وفي خضم سرده لقصة الطفل(محمود) الذي كان هو مُرتكز الرواية، وهو الذي سيتم تهريبه للسعودية في صفقة بين أبيه وأحد المهربين تشبه عملية البيع والعبودية.. في خضم ذلك لا ينسى الروائي أن يبث لواعجه ومعاناته التي قد تكون شخصية أكثر منها فنية، بدليل أنه يمكن أنْ تقلب صفحاتها إنْ كنتَ ممن لا تستهويه المفردات الشعرية أو المونولوجات التي يجريها الفرد مع نفسه.. يمكن لك أن تطوي تلك الصفحات دون أن يختل مضمون السرد.
 

 

فالفكرة الحقيقية هي قصة محمود وعملية تهريبة إلى السعودية، ثم استيقاظ ضمير والده ومحاولة ارجاعه لأحضان عائلته والبدء في رحلة البحث عنه في السعودية، بعد أنْ كان قد لجأ لذلك تحت وطأة الحاجة والعوز للمال من أجل معالجة أم محمود. 
 

لكن الروائي وعلى لسان (علي) الذي سردَ على لسانه قصة محمود، حاولَ أنْ تكون لشخصيته وجود في عمله الأدبي هذا الذي يُعتَبر أول عمل له في مضمار السرد، وإن كان لديه عدد من الأعمال الشعرية. وهنا مزجَ بين الخاص والعام بشكل يوحي برغبة عارمة لديه لبث شجونه الذاتية أكثر من الاكتفاء بجوهر الرواية وفكرتها الأصلية المتعلقة بتهريب الأطفال، ما أفقدها أحياناً بعض الوَهَج أو التماسك السردي.
 

ومما يُحسَب للروائي أنه استطاع أنْ يمزج في نصه بين السرد والحوار والوصف بأسلوب متمكن يُنبئ عن ولادة روائي سيكون له في قادم الأيام شأن كبير إنْ حرصَ على تجويد نصه والإيغال في السرد بعيداً عن الأساليب الشعرية التي هي في الأصل جزء من الذاتية التي تكون أكثر اتقاناً في السيَر الذاتية.
 

حين يتحدث الروائي عن القرية ويصف مشاعره حيالها لا تملك إلَّا أنْ تُعجَب بأسلوبه الفريد ومشاعره الجياشة والصادقة التي تصور لنا القرية بحياتها اليومية وطبيعة البناء فيها وأساليب العيش البسيطة.
 

لقد كان فنّاناً في وصف القرية، وشاعراً في وصف حبه لـ (مريم) ثم علاقته العاطفية الساخنة مع (ليلى)، لكنه مقابل ذلك كان سارداً متمكناً وهو يصف قصة الطفل محمود ومعاناة والده (أبو سعيد) في رحلة البحث عنه.
 

أما الزمان والمكان في الرواية فقد جاءا متزامنين وموظفين في ثنايا الرواية بشكل دقيق لا يُشتت المتلقي ولا يدعه في حيرةٍ من أمره. بمعنى أنّ الروائي كان يعرف ما يريد، ولديه الخلفية التامة عن القضية التي يود معالجتها من خلال نصه.
 

وقد اتضح ذلك بجلاء من خلال وصفه الدقيق للأماكن طوال رحلته مع (علي) من صنعاء إلى تعز، وطوال رحلته مع (أبو سعيد) والد محمود من تعز إلى الحديدة وحتى الحدود مع السعودية في منفذ الطوال بمدينة حرض وحتى وصولهم السعودية.
 

وعدم تحديده ما هي المدينة السعودية، جعله في حِلٍّ مِن أمره حال وصفه لشوارعها وطبيعة العيش فيها. وهنا تظهر نباهته في عدم المغامرة بتحديد مدينة ربما هو لم يصلها البتة، مما قد يوقعه في الكثير من الأخطاء الموضوعية.
 

في ختام الرواية أطنبَ بمشاعره الذاتية التي كان بالإمكان الاستغناء عنها والاكتفاء بسطرين أو أكثر بعد قرار عائلة ليلى السماح لمحمود العودة مع والده إلى اليمن.
 

وكم كان جميلاً لو توسع الروائي في شرح معاناة الأطفال الذين يتم تهريبهم، من خلال بعض الشخصيات التي أورد أسماءها أثناء البحث عن محمود، فربما أتت الرواية متكاملة وشاملى للموضوع من جميع الجهات، وغائصة في أدق التفاصيل، التي هي من السمات الرئيسية في العمل الروائي، بينما الاختصار في ذلك وعدم التشعب في الطرق الأُخرى المرتبطة بجوهر الرواية يجعلها أقرب للقصة منها للرواية.
 

وهذا لعمري ما يقع فيه غالبية الروائيين الشباب في اليمن.
 

         [email protected]

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً