الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أحلام مجهضة قراءة في مجموعة "الربيع الآخر" لحسن قرى - عبدالرحيم التدلاوي
الساعة 21:21 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 


جاءت المجموعة في سياق الحراك العربي الساعي لبناء دولة الحق و القانون ، و منح المواطن الكرامة و الأمن و الاستقرار ، بعيدا عن التسلط و القهر. فقد كانت حركة الشعوب العربية تطمح إلى تحقيق الحرية و الكرامة ، لكن الذي حصل كان بعكس المنتظر ، فكان أن فتح الباب أمام الإرهاب ليعيث خرابا في الأرض ، و يجعل مسألة الوحدة بعيدة المنال ، عصية التحقق. و هكذا ، نجد المجموعة قد آمنت بأهمية النقد لفضح الواقع المتردي ، و تعرية الأعطاب ، و إبراز فشل الثورات. و ليس غريبا أن يأتي الغلاف أصفر كتعبير عن خيبة الأمل. فالربيع الآخر هو غير الربيع الحالي ، فقد كان مأمولا أن يكون أخضر يمنح الأمل ، لكنه جاء أصفر يابسا متيبسا فاقدا لبعده الأصل.
 

 

و هذا ما جعل أغلبية النصوص تنتهي بقفلة تحمل مرارة الخيبة. و تدين التسلط و القهر السياسي كما تدين الانتهازية و الظلامية.
فما الذي جعل وعد الديمقراطية غير متحقق ؟ ما الذي جعل الإنسان يشعر بالإحباط و اليأس ، و عدم الإيمان بالتغيير ؟

 

بتصفح وحدات المجموعة سنجد بعض الأجوبة ، علما ، أن الإضمامة لم تكن كتابا سياسيا
يحلل الوضع و يبحث عن الأسباب ، و يقدم الحلول ، إنه عمل فني يقرأ اللحظة ، و يسعى
إلى توثيقها فنيا ، مؤكدا في الوقت نفسه ، قدرة القص الوجيز على التفاعل مع الراهن في غير ما مباشرة أو تقريرية فجة.

 

لقد كان شغل الكاتب هو قراءة الواقع للوقوف عند تناقضاته و ما يحمله من مفارقات. بعين الناقد الراغب في تسليط الضوء على الأعطاب لتجاوزها.
و قد قادته قراءته لواقه إلى إبراز الكثير من الأسباب التي أعاقت يناعة الربيع ، و منها التسلط و غياب الديمقراطية، و الجهل المتفشي، و الأنانية المقيتة، و تهميش المثقف، و
غير ذلك.

 

و نحب أن نقف عند بعض الطيمات السابقة لإبرازها.
 

التسلط و القمع :
 

يقدم لنا نص "يحكى أن.. ص 62، قراءة شديدة المفعول لهذا الوباء الذي كتم أنفاس الإنسان بهاته المنطقة المنكوبة. فالصراع دار بين الجلاد و الضحية انتهى بانتصار الجلاد، و موت الضحية راضيا مرضيا ، قرير العين: قرر أن ينتقم من جلاده، مات بين يديه قرير العين...ص 62. قد تبدو عملية نية المواجهة و الانتقام وجيهة و بداية وعي ، لكنها تجهض لعوامل شتى ، أساسها ما ذكرناه آنفا.
و من الملاحظ أن النص هذا جاء في آخر المجموعة، و كأننا به يشير إلى كون الطغيان و الاستبداد هما أس كل المصائب، و أبوا كل الأعطاب التي تعتري مجتمعاتنا المنكوبة بحكام غلاظ شداد. مجيئه في آخر صفحة لأنه مولد كل الشرور المتقدمة ، كما أظهرتها النصوص الما قبل.
و لا غرو أن تكون صورة الوطن في ذهن الأطفال الصغار سوداء، كما ورد في نص "أحلام..." ص22، يقول النص: دعا معلم الفصل الصغار لرسم عصفور بالألوان،تلك الطفلة الساهية دائما رسمته بالأسود و الأسود...."
فالعصفور هو المقابل الموضوعي للوطن، و هي المقابل الموضوعي للمواطن، هذا المواطن الساهي بفعل تحييده و إبعاده عن متابعة شؤونه السياسية ، لكنه يظل يحمل في أعماقه الصورة المحلوم بها للوطن، و الحالية له.

 

و التسلط بينة عامة تتغلغل في أنسجة المجتمع، فتقسمه إلى متسلط و خاضع؛ فكل من
امتلك منصبا ما، أو تحكم في مورد رزق الآخرين إلا و اتخذ لنفسه سمت الجبار القاهر فوق الناس، كما في نص "عدالة..." ص46، حيث طال القمع طفلة المنزل و المكلفة بمسح التحف من الغبار العالق بها، و في لحظة سهو تجد نفسها و من دون قصد تكسر إحداها، مما يجلب عليها جام غضب سيدتها : ارتعشت الأقدام النحيلة...سقطت الكف الثقيلة، على الوجه المقهور، سنة من الأشغال..لن تكفي لتجبر الضرر..

 

فهناك مقابلة على مستوى السن كما على مستوى الوضع الاجتماعي ، الأمر الذي يولد القهر و الطغيان.
 

المثقف و السلطة :
 

لن نتحدث عن العلاقة بين الطرفين إلا بشكل مقتضب، معتمدين على النصين المعبرين عنها، فقد تناول تلك العلاقة الكثير من الباحثين و المفكيرين، كما كانت موضوعة إبداعية بامتياز في مشهدنا الأدبي العربي؛ حضرت في نصوص عدة.
لكي يخلو الجو للمستبد حتى يعيش بهناء يقوم بتحييد المثقف اعتبارا منه أنه العقبة الكأداء الواقفة في طريق تحقيق مطامحه. إنه لا يبحث إلا عن مثقف مطواع يسهل تحويله بوقا دعائية له. أما المثقف المتنور فيهمش أو يحيد أو يمحى من الوجود.

 

ذاك ما نجده في نص"ضربة معلم..." ص 45، إذ يؤكد المؤامرة التي تحاك ضد المثقف قصد محقه حتى يخلو لهم الجو، يقول : شكل لهم صداعا دائما، أجل خططهمالقاسمة.
يتبين أن المثقف قد شكل صداعا لهم، و هو الفرد و هم الجماعة، و أفشل مخططاتهم الجهنمية بفعل صحوه و وعيه، فكان لابد من التفكير في خطة محكمة تمكنهم من التخلص منه، و هو ما تأتى لهم، و بذلك ساد صغيرهم و تجبر.: اهتدوا..لماذا لا نجعله يغتال نفسه..؟؟
فاغتياله لنفسه، رغم أن الفعل لا يتحقق إلا بفعل فاعل غير الذات، فإنهم تمكنوا من جعله يقوم بالقتل غيلة و بيده حتى يبعدوا عنهم التهمة ، و يرتاح ضميرهم، و من هنا وجاهة العنوان "ضربة معلم". فماذا فعلوا ؟ : سلطوا كلابهم، لتأكل خرافه...
إذا، لقد نجحوا ، و خلت الساحة من شوكة الهم.

 

و النتيجة نفسها تحضر في نص "صيحة في واد..." ص 55، فقد أعلن الجهاد المقدس في الفساد و الظلم لا بالسلاح و لكن بقلمه، لكن النتيجة كانت البوار، فالقفلة جاءت لتؤكد الفشل بقولها : أرااااك تحححلب تيييييييسا بشهوة اللبن.!!.
قفلة ذات تناص واضح.

 

ما الذي ينتج عن فعل تحييد المثقف ؟
تسود الأنانية ، و يغيب الوعي ، و ينتصر الفاسدون الظلمة. ففي نص "استعصاء.." ص 61، نجد التطاحن بين الفقراء للحصول على أرغفة رسمت على جدران القصور، لقد نهش بعضهم بعضا و بقي الخبز صامدا ساخرا ، إذ لو كان لديهم وعي بعدوهم الحقيقي لما تناحروا للحصول على الرغيف المرسوم و لكان حطموا تلك الجدران
المبنية من عرقهم.

 

غير أن المثقف المستنير لا يحضر لوحده ، بل نجد نقيضه أي وجهه السالب، كما في نص
"فيلسوف..." 57، هذا الرجل الذي ضبط متلبسا باغتيال الجغرافيا.
و بغياب الوعي تسود الخرافة و يعم الجهل و تزدهر الأمية ، ص 40 و ص 41 و ص 42، ففي النص الأول يتبين غباء الناس باستهلاكهم منتوجات الآخرين و يتباهون بامتلاكها، لتكون العلة في الحامل لا المحمول، إن الاستهلاك يؤكد ان المجتمعات الجاهلة تقبل على منتوجات الآخرين باقتنائها و السعي إلى التفاخر في ما بين أفرادها بها. لا قدرة لهم على الإنتاج، و الابتكار و الإبداع، عجز مطلق يطال حياتهم في عمومها. أما النص الثاني فجاء للتأكيد على أن أمة اقرأ لا تقرأ، فلكي تحافظ على ثروتك ، أسرارك، و أي شيء ثمين ، ما عليك إلا وضعه طي كتاب، و ستبقى أبد الدهر مصونة و محفوظة. في ما الثالث أتى ليظهر تلك الأفكار الخرافية التي ما زالت سائدة في زمن التكنولوجيا و المعرفة.

 

من هنا نعرف سبب فشل الثورات العربية كما في نص "أمل..." ص 23.
المجموعة : الربيع الآخر، صيحة ألم لضياع فرصة تاريخية لتحقيق التغيير.. بنصوص اعتمدت بصرامة قوانين الجنس الوجيز، من مفارقة و قفلة صادمة، مع استثمار نصوص سابقة لتقوية الدلالة و تعميق المعنى.

 

 

حسن قرى، الربيع الآخر، قصص قصيرة جدا، مطبعة و وراقة البوغاز، الطبعة الأولى، 2014

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً