الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
تقديم د. عبدالعزيز المقالح للديوان ومضات متلألئة للشاعر العراقي سمير مجيد البياتي
الساعة 13:55 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 
العلاقة بين الشعر والرسم قديمة، وهي علاقة متجددة يحكمها قانون التواصل البصري من ناحية، وقانون التواصل السمعي من ناحية ثانية. وهذه العلاقة الجامعة بين المرئي والمسموع تكون في أرقى مستوياتها عندما يتمثلها مبدع يجمع بين الشعر والرسم كما هو الحال مع صديقي العزيز الفنان التشكيلي والشاعر سمير البياتي الذي عرفنا منذ سنوات أنه يكتب قصائده بالضوء واللون وبالكلمات أيضاً، وهذا الشاعر الفنان يثير في نفسي شعوراً خاصاً مؤدّاه أن الشاعر لا يكون كذلك إلاَّ إذا كانت روحه على درجة عالية من الشاعرية ومن القدرة على التعامل مع من حوله من البشر والكائنات بالمستوى نفسه من الشاعرية. وكثيرهم الذين يتعاملون مع الكلمات شعرياً لكنهم يعجزون عن التعامل مع البشر بالمستوى نفسه وذلك ما يجعل من الشعر الذي يكتبونه كلاماً يفتقد إلى التأثير والقدرة على الانسياب إلى الوجدان.

 

 

ومعرفتي الشخصية بالفنان والشاعر سمير البياتي هي التي أوحت لي بهذا الشعور وجعلتني أربط بين التعبير والسلوك، فقد عاش بيننا كالملاك، ومرَّ بمدينة صنعاء كما تمرُّ النسمة الرقيقة الهادئة. ورغم ظروفه القاسية وما عاناه من ألم وحنين جارف إلى وطنه الأول العراق فقد اندمج في الحياة اليمانية، وترك في أجوائها، ويبن شبابها المبدعين خاصة، حالة من الألفة والتصالح النفسي مع الذات والآخر، وأثبت أن الشعر، والفن عموماً، لا يكون مجدياً ومؤثراً إلاّ إذا كان صادراً عن النفس الجميلة وانعكاساً لما يدور في أعماقها من حب للناس ومن انشغال حقيقي وصادق بمعاناتهم وطموحاتهم وبما يؤرق حياتهم. ولا أشك في أن سمير كان يصور في هذه الومضة الشعرية نفسه المفعمة بالإيثار ولاستعداده للتضحية، وللومضة عنوان هو "مفارقة": 
انطفأت أنا...
فاحترق الآخرون ضياءً

 

 

وسمير في عمله الإبداعي الذي بين أيدينا يتلألأ في غربته ويضيء ويجمع بين شعر الحكمة وحكمة الشعر، بين الأعجاز والإيجاز، وهو يقطّر الكلمات كما تقطّر الجبال العالية سلاسل المياه الفضية بعد هطول المطر، وهو ناجح في إقامة الحوارات غير المباشرة بين اللغة من جهة وبين الناس والطبيعة والأشياء، وعناوين ومضاته في هذا العمل البديع تشكل جزءاً لا ينفصل عن هذه الومضات ذاتها، وبدون العنوان تظل الومضة ناقصة بلا هوية ولا مفاتيح. "ماذا لو..؟" هو عنوان أحد الومضات ويتكون من سؤال لا يمكن استيعاب إجابته إلاّ من ارتباطها الوثيق به.
ماذا لو تغيرت الألوان؟
وتغير لون السماء من الأزرق إلى الأحمر
والنار من الأحمر إلى الأزرق
هل ستصبح أخف وطأة؟
لأننا...
كلنا سنسبح في الأزرق.

 

 

وفي يقيني أن قارئ الشعر المتمرس يستطيع أن يدرك أن كاتب هذه الومضة الشعرية لابد أن يكون فناناً تشكيلياً حتى لو لم يعرف أنه كذلك، فالصور المتلاحقة تشبه الضربات اللونية في اللوحة. وكثيرة هي الومضات التي أرغب في الوقوف عندها، ومشاركة القارئ في تأمل تكويناتها، ومنها هذه الومضة بعنوان "شجرة تأكل جذورها" ثم تواصل الومضة استكمال بقية الصور التي ابتدأت أولاها بالعنوان والتي لا تستكمل كيانها الومضي إلاّ ببقية الصور:  

وجسمٌ يأكل أطرافه
وقلبٌ يأكل مشاعره وإحساسه
وحبيبٌ يأكل حبيبته وأحلامه
وعالِم ديني يأكل مقدساته
وأمٌ تأكل بناتها وأولادها 
وأنا 
آكل نفسي.

 

 

وتبقى إشارة مهمة إلى الأسلوب الذي اتبعه الشاعر في تقسيم ومضاته إلى أكثر من محور أو موقف ومنها: 
 

أولاً: قصائد قصيرة جداً.
ثانياً: افتراضات.
ثالثاً: طموح.
رابعاً: فتوحات .

 

 

وفي هذا المحور الأخير يتلألأ الشعر، وتأخذ المفارقة دورها الجاد والساخر في رسم ملامح الواقع العربي، وما يحيط بالإنسان في هذه الساحة الكبيرة من تناقضات وصراعات وإشكاليات:
فتح الجريدة
قرأ أول خبر
أصابته قذيفة 
في الرأس
و....

 

 

سمير البياتي فنان وشاعر يصغي بقلبه وروحه وعواطفه لكل صوت ذبيح، ومأسور في هذه الأرض العربية الباحثة عن الثورة والتغيير. وميزةُ هذه الومضات المتلألئة أنها تخلو من الصراخ، كما أنها لا تغني ولا تبكي.
كلية الآداب – جامعة صنعاء
في 19/5/2014م

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً