الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
بحثٌ في سلة التاريخ - فيصل البريهي
الساعة 10:55 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

في ذكرى رحيل شاعر الأمة الأستاذ / عبدالله البردوني

 

مثلما تبقى مفاتيحُ الخلودِ
في يدِ التاريخِ بوّابِ الوجودِ

 

سوفَ تبقى الأحرفُ البيضاءُ في
مَسمعِ الدُّنيا كأصواتِ الرعودِ

 

تُمطِرُ الأيامَ عطراً طيِّباً
من نداها ، أو صديداً مِن صديدِ

 

مَشهداً يَبني على أنقاضهِ
سُلَّمُ الأحفادِ أهرامَ الجدودِ

* ** *

 

أيُّها الراحلُ عنَّا كالضُّحى
كلَّ ليلٍ ثُمَّ تأتي مِن جديدِ

 

كيفَ صرتَ اليومَ فينا عالَماً
ليس يُؤيهِ سُوى بيتُ القصيدِ؟!

 

رُبَّما «مِن أرضِ بلقيسٍ» إلى
«سَفَرِ الأيامِ» في الدربِ الشريدِ

 

سلْ «مرايا الليلِ» كم أدخنةٍ
«في طريقِ الفجرِ» لاحتْ من بعيدِ

 

أين «جوّابُ العصورِ» اليوم من
أمْسِهِ يا «قرية العصر»(1) الجليدي؟

* ** *

 

تلكَ أيامٌ خلتْ منَّا ولم
نخلُ منها...، يا سنينَ الوصلِ عُودي

لملمي أحلامَنا الحيرى التي
بعثرتْنا في متاهاتِ الجمودِ

خيَّمَ الصمتُ علينا مثلما
خيَّم البؤس على السوق الكسودِ

* ** *

 

يا طليقَ «المحبسين»(3) اليوم هلْ
صرتَ أنئى الناسِ عن ضِيقِ اللحودِ؟

هل ستغدوا لي صديقاً مخلصاً
فتناجيني ولا تُبدي صدودي؟

طالما ناجيتَ مَن تحتَ الثرى:
«لبِّني أو نادني»(4) هل مِن ردودِ؟

رُبَّما لَبَّاك مَن ناديتَ أو
كنتَ في الحالَين مَن نادىٰ ونُودي

لم تزلْ أيامُنا سُوداً كما
عشتَها لم تأتِ فينا غيرَ سُودِ

لم يَعُد في وجهِها غيرُ الأسى
نتهجَّاهُ دروساً مِن وعيدِ

كلَّما مرَّتْ علينا لحظةٌ
باطئَتْنا في الرَّؤى بِطْئَ العقودِ

يتجلّى في مُحيَّاها متى
داهمتْنا كلُّ شيطانٍ مَريدِ

صادقَتْنا هذهِ الدنيا إلى
أن بدَتْ أعدىٰ مِن الخصمِ اللَّدُودِ

والميادينُ التي عِشنا على
وجهِها دهراً كأشبالِ الأُسُودِ

بَرِئَتْ آفاقُها مِنّا كما
برئ الإسلامُ مِن خُبث اليَهُودِ

وانتهتْ أشواطُنا فيها إلى
قبضةٍ مِن ساسةِ الكفِّ الحديدي

* ** *

 

منذُ نُمْنا استيقظتْ آلامُنا
في حنايا النفسِ مِن طولِ رقودِ

هكذا تُهنا وتوَّهنا الخُطى
عن مدى مستقبلِ العيشِ الرغيدِ

كلُّ شيئٍ حولنا أضحى بِلا
أيِّ معنىً في دُجى الجهلِ الشديدِ

كم نأَينا عن شبابيك الضُّحى
واستراقِ الضوء..، والرأيِ السديدِ

وكفانا اليوم أن نبحثَ في
سلَّةِ التاريخِ عن مجدٍ وئيدِ

ونباهي العصرَ بالماضي كلو
أنَّنا في عصرِ هارونِ الرشيدِ

ونُغنِّي مِلئَ أسماعِ الورى
«ردِّدي أيَّتها الدنيا نشيدي »(5)

والأماني حولَنا مصلوبةٌ
كضحايا عاصفٍ من قومِ هودِ

نتفانى في خطايانا كما
يتفانى الغيظُ في قلبِ الحسودِ

نقتفي أيامَنا الحبلى بما
لم تلِدْ أيام ُ عادٍ أو ثمودِ

* ** *

 

نحنُ لم نستوعبِ الدنيا ولا
هِيَ تستوعبُ ذا الفكرِ البليدِ

طالما عِشنْا على أحضانِها
دون فهمٍ ... عيشةَ الطفلِ الوليدِ

فإذا فيها من الأرزاءِ ما
يُحرمُ الأطفالَ من دفئِ الـمُهودِ

* ** *

 

أينما كُنَّا اعترتْنا رعَشةٌ
كارتعاشِ النبضِ في جوفِ الوريدِ

لم نَعُد غيرَ جذوعٍ ترتدي
هيئةَ الإنسان في عينِ الجحودِ

ليس غيرُ الحقدِ والبغضاءِ في
محتواها يحتسي غيظَّ الوقودِ

بعضُنا يغتالُ بعضاً... شهوةً
ما خلَتْ من سيِّدٍ أو من مَسُودِ

نترائى سادةً في النَّاسِ مِن
حيثُ أصبحنا عبيداً للعبيدِ

* ** *

 

شأنُنا في عالمِ الأحياءِ لم
يتوقَّفْ وصْفُهُ عند حدودِ

والردى حرَّيةٌ مُطلَقةٌ
كالأماني مالها أيُّ قيودِ

لم تعُد «زوبعةُ الأسرارِ»(6) من
سيّئاتِ العصرِ فابْشِرْ بالمزيدِ

هاهنا أضحى مُباحاً كلُّ ما
كان محظوراً على «ذاتِ النهودِ»

صدرُها أضحى مخيفاً لم يَعُد
حوْلَ «نَهدَيْها» سُوى الموتِ الأكيدِ

* ** *

 

ربَّةُ «النهدين» كم عاهدتُها
وأنا مازلتُ أوفى بالعهودِ

رأسُ مالي عُمُرٌ أنفقتُهُ
في هواها...والهوى فيها رصيدي

طالما خاطبتُ فيها واحةً
بلسانِ الطَّلِّ والظِّلِّ الودودِ

مُذْ غسلتُ الجدْبَ من أفيائِها
لم يزلْ مُستفحِلاً في كلِّ عودِ

إنّما مازلتُ غيثاً مُمطراً
ما وهى عزمي ولا كلَّتْ جهودي

* ** *

 

يا صديقي...هذهِ أحوالُنا
لا تسلْ عن «أحمدٍ» أو عن «حميدِ»

لم يَعُدْ في هذهِ الغاباتِ مِن
مستفيدٍ واحدٍ أو مِن مُفيدِ

فالزمِ الصمتَ ونَمْ إنَّا هُنا
في «تريمٍ» كلُّنا أو في «زبيدِ»

سوف نبقى شطَّ جُرحٍ نازفٍ
و«الـمُكلاَّ» تحتسي أوجاعَ «ميدي».

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص