الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الشاعرة المغربية ماماس وقراءة في القصيدتها - عيسى أبو راغب
الساعة 11:55 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

هُلامِيةٌ أنا ....
أمدِّدُ اللحَظاتْ
وألهَثُ وَراءَ خُلودي
حينَ أتَحَوّلُ ذَرَّةً
تَلْمَعُ في لاشَيْءْ
لا أمْلِكُ أنْ أراني مِنْ بَعيدْ

آهٍ يا قَدَري
مُثْقَلَةٌ
أنا بِصَخَبٍ غَريبٍ
تَكَسَّرَتْ أصابِعي
وأكَلَ الظّلّ 
أقدامي
وانْحَنى العُمْرُ

في الليْلِ كعادَتي، أرمّمُ 
كوابيسي ....
في الصّباحِ أحْرصُ عَلى
تَناوُلِ فِنْجانٍ مِنَ 
القَهْوَةِ المُرّةْ
لأبْدَأَ انْهياري

 

 

الشعر ديوان العرب ولعله من أهم الأمور  عندما يكون بين أيدينا شعرا  أن نقف إجلالا له  وندخل في بيته المزخرف والذي يحوي الدرر والياقوت  واعني بهذا أن نحاول دراسة عمقه  وقلبه وترقب أنفاسه والوقوف عند حيثيات ودلالة النص الشعري لان هذا يوصل إلى المساحة المعرفية  والانتقائية  المتفردة وإحداث مواقف حقيقية في الوقفات والقراءة ويجعلنا نقف على الدوام على الربوة العالية  للاستطلاع
 

وان فعلنا هذا أيضا سنكون في مساحة الإدراك  الذي يسبق الحكم  فالإدراك معرفة مستنيرة والحكم  أحيانا يكون قتلا بلا رحمة / فالنص الشعري بحاجة للتأمل الحي حيث يمكننا من خلاله  إيجاد العلاقة الجمالية بين الحروف والوحدة التجانسية المقامة بكل اقتدار  والكشف عن ماهية الحرف وتميمة خلقه
 

و يمكننا أن نتعرف على علاقة الحرف مع الفرد والمجتمع  وان نبني حالة الإبداع الحقيقية  التي تصدر عنها المفاهيم المرتكزة والمقولات الجمالية الحقيقية التي قد تبقى جيلا بعد جيل تتناقل  / ونثبت حينها أن الحروف ليست عبارة عن مخطوطات فارغة من المحتوى والجمال  والعلاقة الروحية الحميمة التي تبدأ أولا بين الكاتب والحرف ثم تنتقل بالعدوى المحببة بين القارئ والحرف  لتكون وحدة حال واحدة / ثم إيجاد تمايزات تلاقحية بين الكتاب أنفسهم  أو أنها ترتفع بشعور القارئ  وترتب فوضاه فالحرف روح تنبثق داخل الروح .
 

وقبل أن ندخل النص الشعري الذي سنتحاور وإياه   نظهر فكرة الأسلوب  الذي يعتبر نظام حركة  تظهر واقعية المرء الشاعرية  ومدى قدرته على رسم الصورة وتشكيلها  وبثها كخطاب شعري  وعدم الابتعاد عن السياق الأدبي فيه ومن خلال تلك الأسلوبية يمكننا أيضا أن ندرس الخصائص اللغوية وتفردها  وتأصيل المفردة الشعرية  والنبش عن الجديد فيها

 

ماماس أمرير  كاتبة  وشاعرة مغربية  تمسك الشمس بكفيها  حين تغيب وترسم لوحة  ولا أجمل  وتعيد لها الإشراق من جديد
 

تنبثق في خلال نصوصها من رؤية  وتصر على المضي فيها  وهي ولادة بلا أي تشويه للحرف
أيّها الرَبْ
كلُ ما في الأمْرْ
أنّ أطْرافي تَساقَطتْ هُنا 
وأنا كَمَنْ يَجْمَع حُزناً شاسِعاً
ويُقَلِّمُ دُموعَ السّماءْ
ثم يُرَتّب الألمَ حَتى لا يَفْقِدَ سَبباً وَجيهاً
لِلحَياةْ.

 

في بداية مقطوعة النص الأول   عندما تقول أيها الرب فهي تفتح مساحات الكون كاملة أمامها ولا تغلق الأبواب أبدا  تشكي همها ولكنها تربط روحها بالسماء  أو الإرث الديني الذي يرتب موج الأنفس في هذا الزمن
 

وقولها أن أطرافي فهي دلالة عميقة في اللغة والنص الشعري أنها لا تعطل أي من أطرافها بل هي تحيا مكتملة رغم كل شيء  وتؤكد هذا الأمر  على أن الحزن الذي يكتنف روحها شاسع المدى والمساحة
ولكن بتدبر للغة العميقة هنا  بقولها  ويُقلم دموع السماء

 

فأي معنى ضمني أرادت وأي ولادة جديدة للحرف هنا أرست   فكيف للدمع أن يُقلم  ونحن بعلم أن الأظافر
 

هي من تُقلم  فهي  هنا  تبحر بالدلالة الشعرية أكثر وأكثر لإثبات واقعة الحال
ثم تأخذ أنفاسها   ميمنة وجهها شطر الشمس المشرقة  وإصرارها أن للحياة عدة وجوده وهي من تحيا  وتثبت للحياة نورا في دواخلها يكسر ظلمة الحزن البعيد .
ولو تبصرنا  النص السابق  الذي يمكن أن نعنونه (نداء )

 

لوجدنا أن العمق  في اللغة وافرا وكانت الشاعرة بقدرة أن لا تطيل  السرد وتسقط اللغة بحنكة في مكحلها وتوصل الفكرة الدلالية بما تريد /  ثم كان لها القدرة أن تربط الخيوط اللغوية سويا بدون أن تكون بإرهاق  ولا سقوط غير موفق .

 

النص الثاني في حاضرة روح تلك الشاعرة ( قدمي المسيح )واخترنا هذا العنوان لنكون بمدخل الإسقاط الديني الموفق لدى الشاعرة والقدرة على التوظيف الديني في النص الشعري بدون الخروج عن السياق الأدبي المتوازن
 

في بداية النص  أرست الشاعرة معجم الوقت  بقولها الوقت والمرور  ومن المعروف أن من الحنكة أن يكتب الشاعر نصه على معجم ويسير عليه حتى لا يكون مفككا  لدى القارئ
ففي البداية  أوثقت نفسها  بالوقت  وأرخت له  ثم وصلت  الزمان بالمكان في قولها والمدينة كقبر  ضيق

 

فأي تشبيه أسقطت الشاعرة بين المدينة والقبر والمساحة والضيق  رغم رحابة الروح
...(/ الوَقْتُ يَمُرّ بَطيئاً
بطيئا جداً)

 

 فهي هنا  تحاول إيصال صورة شعرية  بارعة الخيال  فهي القدرة والدراية باللغة الشعرية أن نوصل التشبيه الشعري  فمثلا بعضهم يجعل الإيقاع مثلا البيت  كالقبر (والمَدينَة كَقَبْر ضَيّقٍ لا تتّسِعُ لشَساعَة روحي)

 

ووصل التشبيه  بمكوناته ومفرداته الغرائبية ولكن بدون أن يجفل منها القارئ
ثم استرسلت الشاعرة   بقولها لا اذكر وهي واقعة الذكرى والتأريخ المكاني والزمان ثم دخلت للنوم الحالم المؤرق  بقولها كالكابوس (حتّى هَذِهِ اللحْظَةْ، لا أذْكُرُ أنّني كُنْتُ هُنا،
ما أذكّرُهُ جَيّداً 
ذَلكَ الكابوسْ.... لا أدْري)

 

هنا تحاول الشاعرة  أن تجد مفردات وصور  ذات شغف  لتشد القارئ والمتذوق وتعتلي بالمظهر الأبرز  للكشف عن وجه الصورة الشعرية  والفنية  وكأنها  لوحة مرسومة بإتقان  وتحقق خصوصية بالمفردة  والتصورات التي تتلاحق عبر النص الشعري  والإعلان عن جوهر  صورة وتشبيه وتقارب  وحتى يكون للناقد إمتاع  بان يشرح النص كما يشاء .
 

وبنظرة  متفحصة للنص  نجد أن الشاعرة كانت حريصة على تقديم وحدة تكاملية في النص فأوجدت ركيزة لفظية  ومعنوية وتقاربيه وإنها قاربت بين اللفظ والمعنى والصورة في دائرة واحدة
.......هُناكَ أشْياء تَحْدُثْ
تُفَجِّرُ فَراغا مَهولاً


 

في لغة قوية   من الشعر  ربطت هنا الشاعرة بين التوصيل للفكرة والمعنى الكامن بقلب الحرف  وإحاطتهم بالرمزية   فسجلت مجموعة من النقاط  الوافرة الحظ في النص الشعري  فجعلت للنص رونقا وافرا  وكسته بحلاوة
وَ يَحَدُثْ أنْ
لا نَلتِقي 
وتَنْأى 
المَسافاتْ
يَحْدُثْ أنْ يَرْحَل الأصْدِقاءْ
ويَحْمِلونَ روحي مَعَهُمْ 
يُشاورونَ الربّ... يَنْدَسّونَ في ظِلّهِ ...
وَيطْعَنونَ قَلْبي الحافي كَـــ قَدَمَيْ المَسيحْ

 

سنقرأ هنا البقية من النص كوحدة مكتملة بلا فصل لأنها  لم تفصل الخطاب الشعري فيه أبدا بل وضعت القواعد المتينة وانطلقت  بكم مهول من الصور  واتت الصور هنا  متحققة في داخل القارئ   وثابتة   في واقعة التلقي  فشكلت  في دواخله مساحات وافرة من التخيل والاستبصار  ووفرة من القراءات العديدة
 

وأيضا  كان للشاعرة القدرة على الابتعاد عن التسويف والتغليف للحرف على حساب الصورة  فأوجدت لغة ساكنة ولكن قلبها متحرك  وصادقة البوح بكل تشكيلاتها

 

ومن خلال القراءة  البسيطة لحروف عميقة للشاعرة  ماماس امرير  نستخلص القول أنها كانت  تتوخى  أعلى درجات اللغة الشعرية  وتجتهد لإيصال الفكرة الضمنية  وتدخل القاموس الديني والتاريخي  بكل راحة وسلاسة  وفي بعض الوقائع تقترب من الفكرة الفرضية ثم تشد الحرف للإثبات  وكل هذا يعتبر من الأدلة  الشعرية  الناهضة الغيم وافرة المطر / أن الكاتبة لم تتعامل  بالنصوص الشعرية  بجزئية مفككة  بل تعاملت بوحدة مترابطة ورؤية تنبثق من إيمان الكاتب الحقيقية   فهي أخضعت الحرف للحياة وأبعدت عنه الموت  وأبرزت أن الأمر ليس مجرد كتابة بقدر ما هو سر يحويه الحرف المكتوب
 

وليس من الغريب  على الشاعرة ماما س ان تتعامل بكل هذا فهي تمتلك من القواميس الكثير   وتجير طبيعة اللفظ لصالحها  بما يخدم الغرض الدلالي للنص وتعتمد على طاقة تعبيرية وافرة لديها ومخزون
وفي النهاية يمكننا القول أن الشاعرة ماماس امرير  لم تقع في هفوات الضعف  بل أطلقت العنان الشعري فكانت بكل التوفيق في هذا  وأنها من الشاعرات التي يمكن القول بقدرتها على كسر الجمود والخروج من قيد المحاكاة الشعرية الهزيلة التي نقرا  الكثير منها الآن   فالنص الشعري لدى الشاعرة لوحة مرسومة بفنية وكم هائل من الصور  والمقاربات والاستدلالات  فكانت كمن يقول أنا استقل بشخصيتي في نصي الشعري  وارفض الطغيان  في هذا الزمن أو القنوت فنصي الشعري دعاء  مكتمل.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً