الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
بقايا روح ـ محمد القحطاني
الساعة 18:18 (الرأي برس ـ خاص ـ أدب وثقافة)


قصة قصيرة 

وحين قابلها مطأطأً رأسه، تذَكّرَ رسالتها القديمة ذات عتاب : (إليك يا أنا.. أقصد يا أنت .. 
لستُ حزينة لكل ما فعَلتَه ..لكني أود تذكيرك -كوني أحببتك ومازلت وسأظل- أن كل ما بَنيتَه حولك من قَشٍ سيزول مع أول هبوب لرياح العاصفة؛ لن تبقى سوى تلك الأوتاد التي عليها نهضتَ و نسِيتَها بفعل كومة ذلك القَشْ! 

تذَكّر أيضا أن تُرفِق بنفسك.. ولا تنسَ عنواني حال سقوطك -الذي لن يفرحني كما قد يبدو لك حينها -! أنا لست أنانية.. ولن أسمح لك أن تجثو على ركبتيك طالباً مغفرتي..! أقدس رجولتك ولن أسميها ذكورة مجردة -وإن بدَت كذلك الآن-.. لكني أعرف أنه اختبار من الله أن جعلك تلهو هناك في مغريات أوروبا وجعلَني أبدو كسيرة ذُبِحَتْ قُرباناً لا لشيئ سوى الحب !

نعم .. إنه الحب.. لم أتوقع يوماً أن بإمكان الحب إغتيال الأحلام، واغتيال أحلامي لايعني أنت.. فلستَ آخر الرجال وأولهم.. لكنها أحلام كنت أتفانى بنسجها في مخيلتي كي أسعدك بها لحظات كآبة..! هل عرفت الآن لماذا كنتُ أنسى فنجان قهوتي متروكاً لساعات؟! كنتَ تضحك ساخراً من رداءة ذاكرتي المثقلة بك! ذاكرتي الأقوى مما تتخيل.. .فهأنذا أذكرك بتفاصيل لم تكن محط اهتمامك قط، ولو أحببتَ سأذكرك بكل أنواع وألوان قمصانك التي كنتَ تتأنق بها لمقابلتي!

وحده دفتر مذكراتي سيكون شاهداً على العصر.. فيه تواريخ كل مواعيد مقابلاتنا التي كنتَ تتخلف عنها لسبب أو لآخر -حقيقي أو كاذب -. كنت عازمة أن أرسل لك نسخة منه في البريد القادم، لكني تراجعت لمعرفتي بانشغالك المزعوم وبأن هذه الأحرف لم تعد تهمك. 

حين تجوالك في مدينة البندقية، تَذَكّر نقاشنا حول شخصية "بورشيا" في المسرحية الشكسبيرية " تاجر البندقية" وما هي الدروس التي عَلّمتَنيها في ذات الموضوع.. في باريس أيضا لا تنسَ ربطات العنق التي كنتُ أختارها لك وكذا عطرك المفضل.. الذي استوطن أنفي فأضحَت كل الروائح أنت! 
أنا يا سيدي لا أجيد فن التشويق والتملق لكني أحتفظ بمبادئي التي تعلمتها منك.. وهي حسنتك الوحيدة التي تغفر لك كل إساءة! 

لا تعش في غربة عن ذاتك التي يعشقها الجميع .. كن أنت الذي أعرفه.. عُد لذات الشخص الذي علمني معاني ( كُن أنت). هل ستعود؟!! لستُ منتظرة لإجابة منك! 
تقبل تحياتي ..أنا المثخنة بالجراح.. المثقلة بك..! 
بقايا روح وأطلال جسد! 

التوقيع ~-~).
حاوَل أن يُلملم ذاته بابتسامة لكنه أجهش بالبكاء. هي الأخرى شاركته دمعة حزن لِما آل إليه حاله.. وبصمت مطبق أخذته إلى حديقة المنزل ليرى آخر وردة أهداها إياها وقد أصبحت حديقة من ورد. تنفس الصعداء قائلاً : "أنت امرأة عظيمة وأنا...." فأطبقَت على شفتيه بأصابعها لتمنعه نعت ذاته .. "لا تقل شيئاً" قالت مبتسمة! ثمة صوت يناديها من المنزل (أماه)، ودعته وذهبَت إلى غير رجعة.. ومضى ودوي رسالتها في أذنيه.. بات يردد : (كن أنت) وكل مَن سَلّم عليه، رد عليه : ( كن أنت) ! حتى بات يُعرف بين أطفال القرية بــ (كُـــن أنـت)!

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص