الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
أغنية صامتة - حامد الفقيه
الساعة 19:29 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 
شردت بذاكرتها البريئة , كانت تشعر أنه لن يحصل شيء ليوقف ما رسمته مخيلتها . ولم تتوقع أن يفسد تلك الصورة البهية التي رسمتها شيء . في ذلك اليوم أقسمت أن تنسى الألم , الحزن , المرارة.
كل ما كانت تعلمه هو أنها تريد أن تغني , أن تترك حنجرتها الصامتة منذ زمن تصدح بالغناء.
كانت تريد أن تغني بلا انتهاء . تخيلت فراشات تتراقص حولها طرباً لصوتها الجميل . تخيلت تلك القلوب الحزينة البائسة تصفق متناسية كل أحزانها.
 

تخيلت بكل كبرياء ذلك القمر وهو يسترق سماع غنائها , والأشجار تتمايل بدلال لا مثيل له , تماماً كدلال صوتها المنساب. 
تمنت ألا يسمع غناءها أحد من البشر سوى تلك القلوب التي تماثل قلبها في براءته . وأن لا ترى طلتها البهية سوى تلك الأعين التي ترى بنفس رؤية عينيها . نظراتها في أي وجه ستوغلها وهي تغني ليعلم أنه المقصود . وتخيلت ذينكما العصفورين الجميلين اللذين رافقا حلمها منذ الطفولة , وهما يرفرفان فوقها ليستمعا إلى صديقتهما التي تحزمت الجرأة, وأطلقت ذلك الصوت الذي أخرسه الزمن . وتخيلت ذلك الطفل البريء ذا العينين السوداوين, وذلك الآخر الذي يرمقها بعينيه العسليتين, فقررت أن تغني جزءاً من أغنيتها للطفولة التي تعشقها . وتخيلت وجه أمها الجميل, ذلك الوجه الصبوح, الذي طالما أحبته, وسعدت برؤيته. تراها تنظر إلى ابنتها مشفقة إلى أي هاوية سيؤدي بها جنونها .
 فتزيدها نظرات والدتها إعجابا ؛ فتختال بنفسها أكثر . 

تخيلت أولئكم الناس الذين يعرفونها بهدوئها فيتساءلون:
 

- أتلك هي التي تغني؟! 
تخيلت ... وتخيلت ... وهي في قمة الاستعداد لتغني .
  فجأة .. 
ما الذي حدث ؟
     تناثرت تلك الأبيات المنتقاة فنستها ذاكرتها، فعرفت معنى الخيانة . حاولت أن تقرأها فكانت كأنها لا تعرف لغة الحروف فصرخت .  

 

-     أنا أريد أن أغني ...
وبكل عزم وقفت من جديد  لتغني  فنظرت حولها . 
أين هي تلك الوجوه؟, الفراشات, الطفلان, والعصافير؟.
- لمن سأغني إذن؟
ضحكت ضحكة هادئة مثخنة  بالجرح و الألم . وانتهت أغنيتها بصمت طويل رغم أنها لم تبدأ !!! .

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص