الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
هدنة سُمية - عبدالله عباس الإرياني
الساعة 21:33 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



تعمل ((سمية)) في واحدة من المنظمات الأجنبية منذ عشر سنوات. استطاعت وزوجها ((المحاسب)) أن يبنيا بيتا صغيرا من بدروم ودور أرضي. أطلقت فيما بعد على بيتها اسم ((بيت الندم))؛ الاسم شائع، لا يدرك الأغلبية أخطاء تصميم البيت إلا بعد سكنهم داخله. وسر ((بيت الندم)) أنها ندمت على تنفيذ البدروم، كان الأجدى أن يكون دورا أرضيا.
 

والتاريخ الفارق في تاريخ ((سمية))، لحظة الغارة الأولى لطيران التحالف على صنعاء، كانت مع زوجها في وضع حميم في غرفة نومهما الواقعة في الدور الأرضي. دوي الانفجارات شلها عن الوضع الحميم إلى وضع آخر: كانت واقفة مبهوتة، لم تدر سر الدوي إلا بعد دقائق طويلة؛ وبعد ساعات من أن مدة القصف مفتوحة؛ قررت بعدها مقاطعة غرفة نومها، وأن تنام في البدروم، المقاطعة التي دفعتها لأن تحمد البدروم. لم يقدر زوجها أن يمنعها، والأصعب عليه أن لا ينام معها؛ أطلقت على مرقدها في البدروم ((مرقد العاصفة)). سألها:
-لماذا؟!
- لو أن القصف أصابنا ونحن...
سكتت لحظات، استطردت بعدها:
-أكمل يا محاسب!
-يكون ما يكون، فأنا زوجك.
ردت بنبرة حادة:
-أبدا كلا، إنها هدنة مفتوحة حتى ينتهي القصف.
-الهدنة في الحروب، وليست بين الزوجين.
-ونحن في حالة حرب، انتهى الأمر يا محاسب.

 

ابتلع غيظه، مستسلما لهدنة ((سمية))، شخصيتها كانت في كل الأمور أقوى؛ بيد أنها كانت الشخصية البانية والداعمة لزوجها، لم تخنه أو تفرط في حق من حقوقه، ومساهمتها في بناء البيت كانت أكبر. 
وهدنة ((سمية)) سبقت الإعلان عن هدنة الحرب الأولى؛ وعند وقوعها عاد لسمية، قال:
- هدنة الحرب، تعني أن تفكي هدنتك.
- قالوا لمدة خمسة أيام.
- خير وبركة.. يا زوجتي الحبيبة.
رمقته بنظرة شاردة، ثم قالت:
- لا خير ولا بركة في هدنة تعلنها الأمم المتحدة.
ابتلع غيظه للمرة الثانية، لا جدوى من اقناعها؛ وهو قليل الحيلة، الحافظ لماضيها الحبيب. عاد من حيث أتى، المستلقي لوحده على فراش الزوجية.
وكاد أن يطير من الفرح، لحظة أن سمع عن الهدنة الثانية، لن تكون إلا في العشرة الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل، رمضان الذي أنزل فيه القران، الهدنة المضمونة. عاد إليها، لكن بنبرة الواثق، المستمد قوته من الشهر الفضيل.. قالت سمية:
- سبق أن قلت لك: لا خير ولا بركة من هدنة تعلنها الأمم المتحدة.
لم يعد الواثق، بل الراجي لموافقتها.. قال:
- لكنها في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل.
رمقته بنظرة حزينة، ثم قالت:
لو كان فضيلا عندهم، كانت الهدنة من بدايته.
أطرق لحظات، ثم عاد من حيث أتى. هدنة سمية من طرف واحد؛ لكنه الواحد الذي تسبب في أذية الطرفين. جلس على فراش الزوجية مفكرا، وصوت يصرخ داخله: والحل، والحل ممكن، إلا أن أحلاه مر فهي زوجته وحبيبته. المطرق رفع رأسه، وآخر ما كان يتوقعه، سمية واقفة أمامه بكامل زينتها.. يرمقها مدهوشا، فلم ينبس.. قالت:
- هل تريدني، أم اشباع غريزتك؟
- أريد الاثنين.
- سأكون لك إلى الأبد، أما اشباع غريزتك فهي نزوة عابرة.
- ماذا تريدين بالضبط؟
- أنا، أم هي؟
لم يعد أمامه من خيار ثالث. عاد وحسبها صح، الصبر والتخلي حفاظا عليها وعلى بيته من الخراب. 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص