السرد كما تورده معاعجم اللغة العربية  يعني تتابع الحديث، وانتظامه يقال (..سرد الحديث ونحوه يسرده سرداً إذا تابعه، وفلان يسرد الحديث سرداً إذا كان جيد السباق به.)
 

وهناك من يرى بأن السرد المتعلق بالرواية الحديثة فيه ( ضربين من السرد : سرد شفاف وسرد كثيف، فحينما يختفي السرد، ويتوارى إلى أقصى حدٍ ممكن لصالح الحكاية؛ يظهر السرد الشفاف الذي يجعل الأحداث تعرض نفسها دون أن يشعر المتلقي بوجود الوسيط السردي؛ أما حين يشير الراوي إلى نفسه كثيراً بوصفه منتجاً للأحداث أو مبتكراً للحكاية فإن المتلقي لا يندمج مع الأحداث( .
ويظل المبدع في حالة بحث دائم عن نص آخر متجاوز لكل ما هو سائد ... يبحث المبدع عادة عن النص المتمرد المليء بالقلق والجمال.. يبحث المبدع الروائي اليوم عن نص الدهشة.. النص المغاير الحامل لطرائق سردية جديدة وأفكار جديدة ولغة جديدة يتماهى فيها التصنيف والتجنيس، بحيث تكون أحياناً نصاً مفتوحاً على العالم بينما يوحي سطحه بالأنغلاقعلى العالم كما هي عند رسول حمزاتوف في (دغسان بلدي) مثلاً، فتلك الرواية لا تقدم سوى نصوص جمالية منضدة ومدروزة واحداً جنب الآخر لكنها في المجمل تقدم المتعة الكبرى، فقد صورت شعب ونقلته إلى العالم دون تتبع أشكال السرد المتبعة ، إلا أنها اختطت لنفسها عناصر جديدة، لم تعرف لدى روائي آخر، بمعنى آخر فقد تماهت الحدود بين أجزائها وعلى الرغم من أنها عدة نصوص مجزأة مضغوطة إلا أنها نصاً واحداً. 
 

الكتابة السردية تجربة موصولة بأعباء لا تنتهي ، لأن اللغة لابد أن تكون معبرة بدقة عن الحدث، والتجربة لابد أن تكون حقيقية يقول حنامينه رداً على سؤال طرح عليه حول عشقه للبحر وحديثه عنه في معظم رواياته: (إن البحر هو ذاتي فقد تشردت في موانئه، وغامرت في أسفارة، وخبرت ما في المرافئ من دنى بعضها للطهارة، وبعضها للدنائة، وتسكعت في طرقات هذه المرافئ، وعاشرت بحارتها وحماليها، وعمالها، ولصوصها ، وغشوت خماراتها وأزقتها وقاسيت الجوع، وتلذذت بالشبع، وسرت على الرمال، وتسلقت الصخور، وجمعت الأصداف، وكنت في كل ذلك كحديده في نار، فأنصهرت، وتشكلت على نحو ما أراد لها الحداد (
ومن هذا المنطلق المغاير لتجربة الروائي وتميز حياته يصف صلاح عبد الصبور نجيب محفوظ بقوله ( تستطيع أن تضبط ساعتك في الصباح على موعد مرور نجيب محفوظ في كوبري قصر النيل، وفي أمسيات رمضان عند دخوله مقهى " ريش" الذي تلتقي فيه الصفوة الفنية حيث يأتي في السابعة وينصرف في التاسعة والنصف، لا يقدم ولا يؤخر ربع دقيقة)
ورغم هذا الانضباط يقول نجيب محفوظ في مكان آخر . 
 

(لم أهتم في حياتي بمدرسة معينة, ولم أتتلمذ على مدرسة بالذات، لقد عرفت أدباء ولم أعرف مدارس؟ وعندما بدأت أكتب جاءت كتابتي نتيجة طبيعية لما حصلت من تجربة وما حصلت من ثقافة دون رسم خطة معينة أو هدف خاص ومن ذلك الروائي (جيرار نرفال "1808-1850" الذي كتب رواية (رحلـة إلى الشرق) فقد سافر إلى تركيا ومصر وسوريا عام 1843م ليفحص بنفسه ميدانيا أمكنه روايته.. وعندما تعين عليه أن يعرف مشاعر بطله المنتحر.. جرب بنفسه الانتحار دون أن يوغل فيه، ولكن الموت كان له بالمرصاد فمات وقيل أنه انتحر لأن فكرة روايته سيطرت عليه
( وحرى بنا هنا أن نتحدث عن تجربة البحث عن نص سردي جديد في الوطن العربي لنكتشف الأجمل أو لنسعى عن إجابة لسؤال مازال قائماً.. هل النص السردي العربي في مأزق؟
 

في الكتابة السردية العربية تختلف أشكال السرد من كاتب إلى آخر ويعمد مجموعة من الكتاب والمبدعين إلى اتخاذ أشكالاً مغايرة وطرائق خلق مبتدعه للتناول قدر الإمكان. 
وتمتاز الرواية العربية اليوم بتعدد ايحائتها السردية التي تتجلى بآليات سردية جديدة وسوف تعتمد دراستنا على :
 

1-    الصيغة السردية : وهي الازميل  الذي يحفر بواسطته الكاتب طريقته في السرد الذي يعد  استخدام الضمائر احد تجلياتها حيث أن ظهور الضمائر واختفاءها تعد تقنية سردية مهمة 
 

2-    الإيقاع السردي : هل هو شعري أم شاعري وهل ينمو أفقيا أم عموديا إيقاعيا 
 

3-    السردية الزمكانية : وتعني :كيف يمكننا إن نلمس حضور الزمان والمكان بمعنى هل هناك تكثيف في حضورهما وهذه من الأشياء الهامة، التي يجب إن ندعو إلى تفعيلها في السردية العربية 
 

4-    الشخصيات :إن انتقاء الشخصية يعد من المسائل التي يفشل الكثيرون في انتقاءها لأنها وثيقة الصلة باللغة السردية فلا يمكننا التأثير والإقناع مالم نرسم شخصياتنا بدقة 
 

5-     الحدث : يرتبط الحدث ارتباطا وثيقا بما يسميه النقاد الشاعرية حيث تتمثل الشاعرية بالأحداث التي تشد المتلقي وغالبا ما تكون لغة الحدث مكثفة حبلى بالمفارقة التي تدهش القارئ 
فمن اجل تفعيل هذه العناصر وغيرها لابد من تسليط الضئو عليها وتوضيحها باعتبارها المرتكزات الضرورية التي يجب إن يتحلى بها الكاتب المبدع