الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مقاربة في نص ضماد الطين من مجموعة أحمر شفاه للدكتور شريف عابدين - رجاء البقالي
الساعة 17:01 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

من المجموعة القصصية ، " أحمر شفاه " للمبدع الكبير الدكتور شريف عابدين ، هذا النص المثير بفكرته الفلسفية ، و بعده الإنساني ، و مراميه الصوفية ..
ما دفعني إلى محاولة مقاربته قراءةً ، تلمسا للجوهر الذي يتطلع إليه .

 

أولاً النص: 

/ ضمادة الطين / للدكتور شريف عابدين
 

البرد كان قارسا و موجعا . على الرصيف ظل قابعا طيلة ذلك اليوم ، ملابس ممزقة تكسو جسده النحيل .
و بين الثقوب في الثوب الداكن ، يطل لون بشرته القمحي الأفتح نسبيا ، تتسلل من خلالها أنياب البرد 
الثلجية .، تتغلغل حتى عظامه . ظل يفرك ركبتيه .
راعه منظر جلد فخذيه مطلا بين الفتحات من بنطاله 
الممزق ، كأنها بشرة طائر ذبيح منتوف الريش .
أخذ ينفخ في يديه بحثا عن بعض الدفء . لمح لون أصابعه
يتدرج ما بين الشحوب و الزرقة . كانت الأمطار تتساقط في إيقاع رتيب ، يتخللها أحيانا فاصل من السعال الجاف . 
حاول أن يكور جسده حتى يفلل نسبة السطح المعرض
للبرد ، بأن يثني جذعه و يضع رأسه بين ركبتيه ، فانحسرت ثيابه عن ظهره ، و شعر بخيوط من الثلج تتشابك مثل نسيج العنكبوت فوق ظهره العاري .، فسرت الرعشة في
أوصاله .
الجو كان غائما ، و الرؤية تنحسر مع اقتراب المساء .
أين سيقضي ليلته السوداء ؟
اقترب منه شبح رجل ضخم يرتدي معطفا صوفيا ، و يلف رقبته بكوفية سميكة ، فانتابه الخوف . تابعه بعينين مذعورتين ، تجاوزه الرجل في اشمئزاز متوجها إلى صندوق قريب ، ألقى فيه بكيس كبير من البلاستيك ، ممتلئ بالقمامة .
راودته الفكرة بمجرد انصراف الرجل . توجه إلى الصندوق ذي الرائحة البشعة ، أفرغ الكيس ، عثر على بضع لقيمات تصطبغ بآثار خضراء ، تمتم مبتهجا : لابد أنك بقايا تلك الوجبة الملوكية الشهية .، فأجابه اللون : أنا العفن . انكمش مرتعدا بعدما اقتنص الكيس .
حاول أن يغطي الفتحات في ثوبه الممزق أملا أيضا أن تحجب مادته البلاستيكية المزيد من البلل . شعر ببعض الدفء ، لكن ما لبث الهواء أن تسلل إلى داخل الكيس ، فانتفخ قليلا . هبت عاصفة ثلجية ، فأطاحت بالكيس بعيدا .لم يستطع ملاحقته منزلقا على الرصيف المبتل حين اختل توازنه . التوى كاحله أسفل جسده . شعر بآلام مبرحة و انهار مغشيا عليه . 
يتوقف المارة يتأملون ..
لا يلفت انتباههم شعوره بالألم أو البرد ، تلك مهمة حواسه ، تعنيه وحده . كل ما يشغلهم تلك الأجزاء اللافتة فاتحة اللون من بشرته ، تبرز من خلال فتحات التمزق في سترته الداكنة كالجرح .
هذه الأجزاء البيضاء نسبيا من بشرته كالوصمة التي تجذب الأنظار إليه ، مثلما يجذب الجرح الذباب ، أضافت معاناة جديدة جعلت ذراعه تمتد لتحجب رؤيتهم أو تبعدهم عن مطالعة عورته أو بشرته البيضاء .
الغريب أن البعض انتبه أيضا إلى كف يده المعقوفة و قد اتجهت إلى أسفل ، و اعتبروا ذلك ترفعا عن قبول
الصدقات ، فصاروا يتهكمون .
ظل يرتعش طيلة تلك الليلة . مزيد من الهواء يتسلل من خلال الفتحات بملابسه الممزقة . اتكأ على الحائط متجها نحو مدخل إحدى العمارات ، محتميا من الصقيع . سقط منهكا أسفل درجات السلم . ظل يطارد لحظات من إغفاء صعب المنال ، داهمته كوابيس مفزعة في اللحظات التي أفلح في اقتناصها من النوم . 
في الصباح الباكر ، رصد إيقاع خطوات صغيرة تهبط درجات السلم . ما ان أفاق من أحد الكوابيس المرعبة حتى دهمته سيقان صغيرة لبضعة أطفال ارتطمت به . سقطت فوقه حقائبهم المكدسة بالكتب و السندوتشات .
كتم في أعماقه صرخة الألم المنبعث من كاحله الأيمن . تصاعد صراخ الأطفال ، و اندفعوا يهرولون إلى خارج العمارة في ذعر . تبعهم صوت سيدة كانت تصحبهم في انتظار حافلة تقلهم إلى المدرسة . انهالت عليه بالسباب و الشتائم لتسببه في فزع الأطفال . نهض في تثاقل مستندا إلى الحائط و في عينيه نظرة اعتذار و استرحام . استلقى أمام إحدى البنايات القريبة مبتعدا عن سخط السيدة ذات النبرة الغليظة . أخذ الأطفال يثرثرون و يتضاحكون حتى وصلت حافلة المدرسة . صعدوا في بطء و هم يشيرون نحو الرجل . نهرهم السائق مستعجلا الصعود .
انطلق مسرعا يجمع باقي زملائهم . مرت السيارة في بركة من ماء الأمطار . كان الماء مختلطا بالطين . أزاحت عجلات الحافلة الضخمة المياه الراكدة أسفل الرصيف . تناثرت المياه إلى أعلى . غمر الطين الجسد المذعورالقابع فوق رصيف الشارع . اكتست الأجزاء العارية الأفتح نسبيا من جلده قمحي اللون و الأجزاء الداكنة غير الممزقة بخليط من طمي أسود . وحل الأمطار رتق تماما جرح البشرة فاتحة اللون . صار الآن لونا واحدا خالصا كتجانسا مثل حياته ..

 

ثانيا القراءة:
 

كيف يمكن لقصة قصيرة أن تتجاوز اللحظة الآنية الواقعية المقتنصة في وعي الكاتب ، لتصبح قصة كل إنسان شريد يعيش على هامش الحياة ؟
كيف تأتى لهذه القصة أن تكون ملحمة أيضا ، ملحمة الروح المتطلعة إلى الانعتاق عبر ثقوب ثوب ، أو جروح الجسد ؟
مزيج ملفت بين الواقعية التعبيرية و الواقعية الرمزية مع رصد لسيرورة الزمن النفسي للبطل ، في زمن محدد ، ومكان ينحصر بين رصيف و مدخل عمارة 
و بلغة توصيفية شاعرية ، تطوف بعقل و خيال القارئ في عوالم تتأرجح بين أعماق النفس و بين اللانهائي ، حيث الروح ما وراء الجسد ، في علاقة ضبابية بالعالم الخارجي
لا تتجاوز كونه مصدر طعام و دفء قد تجود بهما القمامة
و ليس الإنسان اللامبالي .

 

في مشهد تعبيري يطفح بالمأساة ، تخللته مشاهد
صغرى ، تطالعنا شخصية البطل المأزوم بين الأمل و اليأس واقعا و وماورائيا ، أمنيات بسيطة لا تتعدى أكلا يسد الرمق ، أو غشاء بلاستيكيا يقي من البرد و المطر .
السرد بُني على فنية التقابل محورها تقابل اللونين : أسود / أبيض ( قمحي فاتح ) ، الليل / النهار .. ، بما يحيل عليه اللونان من دلالة رمزية ستحكم بنية النص التي تصب في تقابل الغنى و الفقر ، الخير و الشر ..

 

ضمن التقابل الرئيس : جسد / روح ، الظاهر / الباطن .
سيغذيها برمزية شفيفة ، تقابل 
البرد / الدفء
اليأس / الأمل
ضمادة الطين ، عنوان مثير ، يلقي بنا مباشرة في عالم ما ورائي يرسم لنا اتجاه القراءة ، لتأتي القفلة تتويجا لسيرورة السرد التي هي سيرورة الزمن الشعوري في وعي البطل المتكئ أيضا على بعض إشارات لاواعية :

 

ضمادة لجرح مادي ( الثقوب على سترته السوداء ، و البقع الفاتحة من بشرته المطلة عبر الثقوب )
و ضمادة لتمزقاته النفسية 
فالجرح طال الثوب و الجسد في رمزية على المعاناة الشديدة ، جرح الذات ، و عذاب الروح 
- الطين في النص جاء بمعناه المادي ، و الميتافزيقي و الغيبي : بدء الإنسان و نهايته ، 
في دلالة أيضا على الجسد ضمن ثنائية : 
جسد ( طين ) / ( روح )
ضمادة الطين ، عنوان نهزل يطرح أكثر من سؤال :

 

كيف يكون الطين ضمادة ؟ أيُّ نزيف هذا الذي لن توقفه إلا ضمادة الطين ؟
ندخل عالم النص فنقف عند بطل يفترش الرصيف عند الغروب بعد أن قضى كل يومه 
فريسة للبرد القارس الذي يخترق ثقوب ملابسه البالية داكنة اللون ، فتكشف عن بشرة فاتحة قمحية ، تبدو من فتحات بنطاله الممزق كجلد طائر ذبيح منتوف الريش .
منذ البداية نقف عند التقابل الأساس في النص : اللون الداكن الأسود / اللون الفاتح القمحي 
ثم يسير السرد عبر زمن نفسي للبطل يحتدم في وعيه الذي يبدو كأنه أفاق من غيبوبة على جلده الذي يطل من ثقوب بنطاله الممزق ، فيروعه المنظر
إيقاع الأمطار الرتيب ، يتخلله أحيانا فاصل من السعال الجاف 

 

يحاول تكوير جسده منعا لتسرب البرد ، لكن الثياب تنحسر عن ظهره العاري ، و مرة أخرى يطل الجسد ، و هذه المرة مغطى بخيوط ثلجية كأنها نسيج عنكبوت 
فيصل وعيه أقسى لحظات شقائه :
أين سيقضي ليلته السوداء ؟

 

التكوير هنا هو أيضا انكفاء الوعي على ذات بئيسة ، سرعان ما يقطعه مرور ذلك الرجل الضخم المغلف بالصوف الذي الذي يرمي بكيس بلاستيكي كبير من القمامة في صندوق قريب ، و يرميه بنظرة اشمئزاز 
هي لحظة تبرق في وعي هذا البطل ، تصله بالعالم الخارجي ، و تبعث فيه بعض أمنيات بمجرد انصراف الرجل ،
لكن لون الطعام الأخضر يضع حدا لتمتمته المبهجة قائلا :
أنا العفن و لست بقايا أكلة ملوكية !

 

فيوجه مسار مونولوج الإحساس الذي هيمن على وعيه ، إلى هذه اللحظة الصادمة لمعدته الخاوية ، ثم إلى أمل دفء ممكن ، يعد به الكيس البلاستيكي المقتنص بعد إفراغه من الأكل العفن ، أملٍ لن يتحقق ، فالكيس سيمتلئ هواء لتطيح به عاصفة ثلجية بعيدا ، يحاول استرجاعه انزلاقا على الرصيف المبلل ، فتخور كل قواه و يشتعل جسده بآلام مبرحة ثم يسقط مغشيا عليه ..
و في مشهد تعبيري قوي برمزيته و دلالاته ، يقف الماره متأملين لهذا المغشي عليه بردا و جوعا 
فما الذي جذب انتباههم إليه ؟
كيف خرجوا فجأة من العدم ليوجدوا في مقابل هذا الشريد الوحيد ؟
ليست الشفقة و ليس إحساسا منهم بضعفه
و معاناته ، بل هي الثقوب على سترته الداكنة و قد بدت كجروح بيضاء أو عورة يسرع إلى إخفائها بذراعه 

 

فهل استكثروا على هذا الرجل النحيل الغارق في ثيابه الداكنة الممزقة ، بياض بشرة تتخفى تحت الثياب ، و تفضحها الثقوب ؟ نورا يقاوم التلف ، هو ظل لنور حقيقي ، للروح ؟
بينما قد يخفي ظاهرهم النقي الأبيض عمقا أسود ؟
ثم تصل الذروة عند استهزائهم بيده المعقوفة إلى أسفل كأنها تتعالى على التسول ..
إنه مشهد ليس الهدف منه استثارة عطف المتلقي ، كما في السرد الوعظي القيمي .
و على وقع هذا و وقع المطر و البرد و الصقيع ، قضى ليلته محتميا بمدخل إحدى العمارات تداهمه الكوابيس المفزعة في اللحظات الخاطفة المقتنصة من النوم ، ليفيق على سيقان صغيرة ترتطم به ككوابيس نهار ، و فوقه تسقط حقائب أطفال مملوءة بالكتب و السندوتشات ، يكتم في أعماقه صرخة الألم ، بينما ينبعث صراخ السيدة المرافقة للأطفال ، تنهال عليه سبا و شتما لأنه أفزع الأطفال .
في تتثاقل ينهض ه‍ه‍ه‍ه‍ه‍ إلى الحائط ، و في عينيه نظرة اعتذار و استرحام ، لتختم الحافلة المشهد الكبير بحملها للأطفال و هم يضحكون عليه ، 

 

و لتحرك العجلات مياه الأمطار الراكدة أسفل الرصيف ، فتتناثر المياه إلى أعلى ..
هنا يصل السرد إلى ذروة القصصية المشهدية ، إلى مشهد تتعانق فيه الواقعية و الرمزية لتوحدا التقابل بين الأسود و الأبيض لصالح الأسود الظاهر، الطين .
يغمر الطين الجسد المذعور القابع على الرصيف
فتكتسي البقع الفاتحة قمحية اللون من جلده المطلة من ثقوب سترته بطمي أسود لتنسجم مع الأجزاء الداكنة غير الممزقة من ثيابه ..

 

يرتق الطين الفتحات و يضمدها ، فيلتئم تماما جرح البشرة فاتحة اللون 
ليصبح أخيرا لونا واحدا ، لونا داكنا ، طميا أسود متجانسا
مثل حياته !

 

ففي لا وعي البطل ، هذا الأبيض وصمة تجذب فضول المتطفلين الميسورين كما يجذب الجرح الذباب ، و يجب تغطيته بالأسود لينسجم مع سواد ثيابه ، و جاء الطمي الأسود ليتكفل بها ، و يعيد البطل إلى سواد حياته و ظلام ليله .
و في الطرف المقابل ، يحمل النهار اللامبالاة تجاهه و مواقف إقصاء و إذلال لن تتوقف ، فالحافلة تسير تحمل أطفالا سيعيدون إنتاج ذات النظرة للمهمش ، داخل نفس البنية الطبقية البشعة
أي رمزية تحملها ضمادة الطين ؟
أهو حلم العودة إلى البدء ؟ أم عدم رغبة في الحياة ؟
كيف يكون الطين معبَرا إلى ما وراءه ، إلى الروح ؟

 

إن ضمادة الطين هنا ، هي ضمادة لكل تمزق أو جرح ، تتجاوز الثقوب على الثوب الداكن الأسود ، إلى البقع الفاتحة من جلده ، المطلة عبر الثقوب ، تلك البقع البيضاء التي بدت مثل كواتِ نور سارع إلى إخفائها بذراعه خجلا من فضول المارة ، و هذا الظاهر فقط ، ثم حفاظا على وهجها من نظرات ظالمة مظلمة ، و ينوب عنه الطين ، الأصل ، فيغطي و يحمي النور المشع من ثقوب الثياب السوداء ، يحمي الروح المتطلعة إلى الخلاص من ظلم الواقع ، و شر البشر 
و هنا ، حقيقة ، يمكن أن يذهب بنا المشهد إلى رؤية تبدو سطحية بمباشرتها ، و هي أن هذا البطل المأزوم ماديا و نفسيا ، المُقصى و اقعيا ، هو غير موجود ، هو جسد فقط مادة بلا حياة ،مجرد طين أسود كأيامه المظلمة .

 

لكن الرؤيه النقيضة تفرض نفسها في سياق السرد و محور بنيته الرمزية التقابلية : الأسود و الأبيض ، فهذا المأزوم يحمل روحا نقية رحبة ، و أخلاقا نبيلة ، و هاهو يجهد لإخفاء ما يظهر من بشرته بذراعه خجلا ، و يقابل صراخ السيدة و شتائمها بنظرات استعطاف و اعتذار ، و هو ما يفسر عكسيا في بعض الفلسفات :
ففي فلسفة الأخلاق عند نبتشه ، نجد تمييزا بين 
أخلاق السادة و أخلاق العبيد 
و وفق هذه الرؤية ستحمل ردود أفعال البطل الإستعطافية طابعا أخلاقيا سلبيا انهزاميا ( أخلاق العبيد ) ، بينما لا مبالاة الرجل الضخم ، و سخط السيدة ، و ضحك الأطفال ، كل هذا يمثل أخلاق السادة ، 
و ما غرقُ بطلنا في سواد الطمي إلا استسلام و يأس ، سيسمح للآخرين بالسيطرة .

 

 

و قبل نيتشه ، كان هيجل الفيلسوف الألماني قد لخص الوجود البشري في صراع السيادة و العبودية ، بل تاريخ الحضارة في نظره لم يكن إلا تاريخ صراع السيادة و العبودية ..
النص صرخة البطل المكتومة ، البطل المأزوم المتكور على جسده ، المنكفئ على وعيه المظلم بحجم مأساته ، رغم بصيص بياض يطل من جسده ..

 

و هو صرخة الكاتب ، أطلقها قي مشهد كوني رغم فرديته و واقعيته ، فكان مأساة تحمل بذور ملحمة عكستها الروح النبيلة للبطل الشريد ، و توقه الدفين إلى البدء أو النهاية ، إنهاءً للمأساة و حلما بالجديد ، و معانقة لبصيص النور المطل من ثقوب ثيابه السوداء ، و التي هي منافذ تطل منها روحه الجريحة ، فيسارع إلى ضمادة الطين ، لرتق الظاهر و الباطن ، و تضميد ثقوب الثوب و بياض الجسد ، في دلالة رمزية قوية على ألا خلاص من جحيم الآخرين ، من ظلم المجتمع إلا بالعودة إلى الطين بدءا أو نهاية ، لتنطلق الروح خارج الجسد ، و يعم النور و العدل محل الظلام و الظلم ..
فالتناقض الطبقي باق 

 

و نظرة المجتمع للمشردين المهمشين مستمرة ، في غياب مرجعية أخلاقية و دينية و إرادات تغيير حقيقية .
هذا النص ، احتفاء حقيقي بالإبداع القصصي ، الواقع فيه لبس حلة من جمال رغم فظاعة المشهد و قسوة اللحظة ،
هي جمالية القبح في واقع تتجاذبه قوى الخير و قوى
الشر . ففي قلب السواد و الطين ، يشع نور ، هي الروح المتطلعة إلى الانعتاق من بوثقة المادي القاسي ، من قبضة الظلم و الشر و القبح ، إلى عالم العدل و الخير و الجمال ، هو ما أتاحته الرمزية الشفيفة للغة قصصية توصيفية خاطبت العقل و الخيال ، لتتداعى الواقعية أخيرا أمام رحابة الذات و لامحدودية الروح 

 

و يطل علينا الجوهر ، اللانهائي ، خارج عالم الزمان و المكان المحدودين ..
ليصبح الشريد المأزوم بطلا يموت ليحيا ، 
فقد قاده الزمن النفسي الممتد دهورا في ليلة قاسية واحدة ، إلى حدس النور و الخلاص المضمد بوحل الأمطار الطاهر رغم السواد ، ليصيرالذعر أمنا و سكينة ، و ينعم بدفء الروح في ما وراء برودة الجسد و صقيع الواقع ..

 

 

تقديري للأستاذ الدكتور شريف عابدين ،لكتابته التي يقف القارئ أمامها عقلا و حدسا و خيالا في محاولة لمقاربة إبداع ينهل من فيض الروح و نور العقل 
خارج حدود المألوف ...
و كأن الكتابة عنده طقس سري تولده هواجس تنقر في الروح و العقل فتتمخض عنها قصة هي صدى لجوهر مفارق يسعى للتحقق عند الكاتب ، ثم المتلقي ، هذا الجوهر يتنزل فيوضات ليلامس توقا مستترا عند كليهما إلى نور خارج الظلام 
تحت ضمادة الطين ، و إلى دفء تحت نسيج خيوط الثلج العنكبوثية التي تغطي الجسد العاري ..
هذه القصة حققت في تصوري هدفها كلوحة تعبيرية تستثير عقل و روح المتلقي ، و توقظ في داخله مكامن الجمال رغم قبح الواقع ، فقد رُسمت بشاعرية رمزية ، و بلغة بسيطة لكنها قوية بدلالاتها لتكون جزءا من نسق إبداعي متفرد.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً