الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
جغرافيا المكان والنفس البشرية في رواية "على ضفاف البحيرة" للكاتب المغربي مصطفى لغتيري- فاطمة الزهراء لعبيد
الساعة 16:41 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

تعتبر رواية (على ضفاف البحيرة) الصادرة سنة 2012من بين الروايات المميزة التي ألفها الكاتب المغربي مصطفى لغتيري والتي لاقت رواجا في الساحة الأدبية، سيما أنها شكلت نقلة نوعية في أسلوب الكتابة القصصي..
 

 

*قراءة في العنوان:
 

يعد العنوان من بين الحيثيات الأساسية للقصة، وبوابة العبور التي تربط القارئ بماهية الرواية، وتشكيل رؤية استباقية للحدث لدى المتلقي. وقد اعتمد الكاتب مصطفى لغتيري أسلوب التمويه في اختيار العنوان؛ فاختياره لعنوان: (على ضفاف البحيرة) لم يكن اعتباطيا، بل قصد به خلق نوع من التضاد بين المفهوم الذي قد يرتبط بالعنوان والأحداث التي قد تولد عنه، وهنا جاء العنوان على ضفاف البحيرة بشكل يوحي إلى الإمتاع الطبيعي،الجمالية،الهدوء ..غير أن الحدث النهائي خلق نوعا من القطيعة مع ذلك، وأفرز عن نهاية غير متوقعة مقارنة مع ما خلفه العنوان من الإيحاءات الدلالية السابقة الذكر: كما يوحي العنوان من الناحية الأدبية على الامتداد و الاستطالة، فلفظ على ضفاف يكشف عن الاستفاضة في سرد الأحداث الذي سيكون مرتبطا بتلك المنطقة بشكل خاص.
 

 

* هيكلة الرواية:
 

خرجت رواية (على ضفاف البحيرة ) عن النمط التقليدي المعتمد على الاسترسال في الأحداث من بداية القصة إلى نهايتها،إلى أسلوب حداثي جديد تبلور في أسلوب اعتماد الفصول أو ما يسمى بالتبويب، كل باب يمكّن القارئ من قراءته بشكل منفصل عن الآخر، دون أن يخل ذلك بأحداث الرواية.
 

 

* الأسلوب السردي:
 

ابتعد عن الأسلوب التقليدي المتمثل أساسا في خلق راوي يقوم بمهمة سرد الأحداث انطلاقا من اعتماد الرؤية من فوق أو بأسلوب المصاحبة في سرد الأحداث، إذ يكون الراوي على دراية بتلك الأحداث؛ وبالتالي خرج إلى أسلوب جديد، حمّل مسؤولية السرد إلى شخوص الرواية (محسن، أسماء،شمس).. وأوكل لهم مهمة التقديم وكشف ذواتهم ومكنوناتهم للقارئ، مما أعطى مساحة أكبرللتعرف إليهم...
 

إلى جانبه، كان اختيار أسلوب الاسترجاع من بين الاختيارات الجيدة التي وظفها الكاتب مصطفلى لغتيري لتقديم أحداث الرواية،معتمدا بذلك على الانطلاق من نقطة النهاية وجعلها نقطة البداية وخلق الترابط بين الأحداث..
 

 

* للغة في الرواية:
 

وظف الكاتب لغة سهلة سلسة ، مبتعدا بذلك عن الترميز و الإحالة..
وكذا عن التعتيم، ومانحامجالا أوسع لكافة القراء، بمختلف مستوياتهم الثقافية.

 

 

* قراءة في أحداث الرواية:
 

رواية (على ضفاف البحيرة) نُسجت أحداثها بشكل بسيط، لخصه الكاتب في عائلة صغيرة تقرر القيام برحلة استجمام واستكشاف لبحيرة () ومن هنا ستنطلق الأحداث لينهج الكاتب لغتيري منهجا مبتعدا عن التركيز على شخوص الرواية مانحا هامشا أكثر للوصف بلغة الحكي المسترسل على لسان الأبطال، لنقل القارئ إلى ربوع الأطلس، وبالتالي تم تقسيم مهمة الوصف بأسلوب ذكي من الكاتب، بمنح كل شخصية حظها في رسم صورة للمنطقة بأسلوبها وببصمتها الخاصة..
الشيء الذي سيمنح الرواية بعدا آخر في جعلها وثيقة تؤثت لجغرافية أماكن معينة، شاطئ الجديدة، الحديث عن اشتوكة أيت باها،دكالة، الأسواق الأسبوعية.. لينتقل إلى جغرافية وجهتهم المقصودة (البحيرة) ويستفيض في الحديث عن النطقة النائمة في ربوع الأطلسي.. اعتماد أسلوب الوصف الدقيق باحترافية خلق من الراية وثيقة جغرافية للنمطقة.. الحديث عن مدينة خنيفرة، وصف البنيان،الشوارع، الأزقة، الاهالي..

 

التركيز على وصف الشلالات، البحيرات المتناثرة، المسالك الوعرة،المنحدرات.. الاستفاضة في الحديث عن البحيرة الأم (اكلمام ازكزا) /البحيرة الزرقاء.. مونوغرافية المنطقة برمتها بأسلوب وصفي ماتع فيه إشارة ضمنية إلى لفت الانتباه لهذه المنطقة ذات المؤهلات السياحية الكبيرة والتي لم يتم الإفادة منها بشكل جيد..
 

شكلت الرواية وثيقة تاريخية، من خلال التعرض إلى بعض الشخصيات البارزة التي ارتبط اسمها بالمنطقة، موحا أوحمو الزياني ، والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي؛ الحديث عن الشجاعة والاستماتة في الدفاع عن الأرض، الإشارة إلى موقعة الهري فيه دلالة صارخة على القدرة الزيانية التي أبانت عن الالتحام ،الوحدة، نكران الذات.. فيه إشارة أيضا إلى الوشائج القبائلية..
كما تطرقت الرواية أيضا إلى الجانب الاجتماعي من خلال رصد لبعض المشاهد التي ترزح تحتها المنطقة من فقر وتهميش، هشاشة... رغم ما تتمتع به المنطقة من مِؤهلات طبيعية،تاريخية ..تجعل منها مركز إشعاع يستقطب باقي المناطق المحيطة بها؛ الإشارة إلى الدعارة بالمنطقة كأسلوب للعيش كانت جد صادمة، وفي ذات الوقت كانت جد صريحة للفت الانتباه إلى التردي والتقهقر الذي مازالت تعيشه المرأة هناك..

 

جاءت الأحداث مترابطة بشكل جد معقول رغم استعمال الفصول الذي يمكن القارئ من قراءة كل فصل باستقلالية عن الفصول الأخرى، إلا أن ذلك لم يخل بالتوازن التاكتيكي في السرد،كما لم يخل بالكشف عن نفسيات الشخوص من خلال منح كل شخصية هامشا للحديث عن الشخوص الأخرى، مما أعطى جمالية ماتعة للقارئ لقراءة وجهة نظر كل شخصيية حول الشخوص الأخرى..
 

 

*قراءة في نهاية الرواية :
 

استطاع الروائي مصطفى لغتيري في خلق المفاجأة مقارنة مع العنوان، حيث أتت الرواية صادمة في شكلها المأساوي، الحادث المريع الذي أسفر عن وفاة أسماء وشمس..فما الذي أراد الإيحاء إليه الكاتب من خلال هذه النهاية؟ التساؤل ظل مرتبطا بالرواية عن اختياره لهذه النهاية غير المتوقعة ارتباطا بالعنوان. لكن إذا ربطنا سياق الأحداث الأخيرة بجوار البحيرة، بعد اختفاء شمس، وحالة التوجس والهلع الذي طبعت شخصيتي محسن وأسماء، تستطيع أن تضع القارء في الصورة تدريحيا؛ حالة الخلاف بين أسماء ومحسن، وتحمله المسؤولية في كل تصرفات شمس اللامسؤولة ستصيبه بحالة إرهاق نفسي مما سينعكس فيما بعد على وضع تلك النهاية المنطقية بصفته السائق..
 

أيضا المزاوجة بين الحالة النفسية والمنعرج والمنحدر سيعطي قراءة أخرى لاختيار هذه النهاية، حيث أشار الكاتب مصطفى لغتيري بذكاء متناهي إلى حالة الطرق الوعرة غير الآمنة من حيث هيكلتها بشكل ضمني، إذ عند انزلاق السيارة لم تكن هناك حواجز اسمنتية أو حديدية أو حتى طبيعية (كبعض الأشجار) التي من الممكن أن تحول دون سقوط السيارة في المنحدر الوعر وتسفر عن هلاك أسماء وشمس.. بالنظر إلى ذلك يمكن القول ان النهاية أدرجت بشكل جد منطقي في سياقه الأخير.
 

استاطاعت رواية على ضفاف البحيرة للكاتب مصطفى لغتيري أن تخلق الكثير من الدهشة لدى القارئ ،كما خلفت صدى طيبا في نفسيته، من خلال ابتعادها عن النخبوية أو ما يسمى بالطبقية المتمثل في توجيه الرواية إلى شريحة ثقافية معينة؛الشيء الذي أكسبها مساحة أكبر في ساحة القراءة.
 

 

*خريجة كلية الآداب بجامعة القاضي عياض بمراكش

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً