الجمعة 27 سبتمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 26 سبتمبر 2024
اخضرار مختلف.. مسعد السالمي
مسعد السالمي
الساعة 21:08 (الرأي برس ـ أدب وثقافة (قصة قصيرة))

كلاب تلك القرى المسعورة كسكونها المتناثرة كضعفها لا تكتفي أن تعبث به ليلا ونهارا، متبجحة بعوائها الذي لا يوجد له سبب باستثناء الإصرار القبيح على ازعاجه أثناء تسكعه بين القرى والمزارع بحثا عن الشجرة التي اخذت الجزء الأكبر من ضروريات حياته البسيطة.. "عشة" بسيطة تندب حظها الإهمال، منزوية في احد أطراف القرية المتآكلة، تتمتع بموقع مطل على كل الحقول والمزارع التي تطغى عليها الشجرة المقدسة المحظوظة بالعناية الكبيرة المقدمة من المزارعين.

 

في الزاوية الغربية تقبع صخرة يغطيها لحاف تجرد من ألوانه الأساسية أسود من تراكم الأوساخ عليه، ممتداً الى جزء بسيط من الزاوية.. يتكئ على تلك الصخرة ببرود  واسترخاء، حاشياً فكه من ذلك الكيس الممتلئ بالأوراق الخضراء التي يميل البعض منها الى الاصفرار بشراهة عجيبة، وسرعة لا معقولة..

 

تتضارب مع جلسته المترنحة.. يمضغ سيجارته بثمالة غريبة، نافثاً الدخان بعد مدة وجيزة بشكل سحابة تغطي ملامحه وتضفي على الزاوية ظلمة كظلمة لياليها الكئيبة، ساقه اليمنى منصوبة كالجبل الشاهق، تتناثر على سفحه وجوانبه حلقات من الغيوم المنبعثة من فمه وفتحتي أنفه وأحيانا من سيجارته.. ذراعه الأيمن باسطه الى ذلك الجبل كجسر يعد من عجائب الدنيا.. تقبع في فكه الأيسر قبة ضخمة تتلألأ بشدة، وتنشئ جمال المتضادين بصورة بديعة.. تزداد اتساعا وهلة وهلة.. لا تتحرك عقارب الساعة سوى بضع جولات.. حتى بدأ الكيس ينكمش وبسرعة.. تلك الكومة من الأشجار بدأت ايضا بالنفاد، العلبة القابعة جواره لم يحالفها الحظ ففارقت كل أبنائها، السحب تلاشت واستعدت للفرار، الشمس تميل للاحمرار والوداع في ان، الكل يستعد للاستسلام لذلك الضيف الثقيل الذي يمحو كل شيء.

 

 لا يزال على جلسته المعتادة لا يحرك ساكنا سوى نظراته التي يوزعها في أنحاء المكان بتثاقل وازدراء، ذاكرته ليست قابعة معه سافرت بعيدا إلى المجهول..! تعود إليه فور تبدد الجبل، محملة بالأثقال والتفاهات، ممارسا جلد الذات بالشتائم القذرة وكل أشكال العتاب، ما تلبث إلا قليلا ثم تتبدد وتعاود السكوت المخيف، الوجوم يخيم على كل من حوله، الظلام يحول تلك القرى إلى مقابر من منازل مختلفة الأحجام، لا يعِي ما حوله سوى متعته المتناقصة، تناثرت قلة من تلك الأوراق في قاع المكان، والأكثر غادر الى ذلك الكهف المتمدد، بصحبة أتربتهن وأوساخهن اقرب ما تكون الى الحيوانات، ذلك الجسر انهار تماما فور انحسار الجبل وتحوله الى وتد ممدود لا نفع فيه، ولا فائدة منه، أنامله تداعب تلك القبة الملساء مرورا بناصيته حتى يصل بها المطاف لتقتلع أكبر عدد من تلك الأشجار الجزلة المتدنية الى الأمام بشكل حلزوني مثقلة بثمارها على عينيه الجاحظتين؛ مع كل شجرة تجتث يتسلل الملل والكآبة الى جسده.. استسلم للخمول والضجر بسرعة فائقة، يضطجع كالجذوع المهملة في قاع ذلك الموضع، تلاشى الجبل والجسر وأصبحا هشيمين تذروهما رياح الأوهام الساذجة، جثة هامدة  كجزء من مكونات ذلك المكان.

 

عويل كلاب تتصارع  ليلا، زاد ذلك العويل واتسعت دائرته فلم يجبها الى صدى نباحها المرتطم في صخور الجبال المتميزة بالصلادة، يصيبها الوجوم لحظة ثم تعاود الصوت المخيف.. أحد السكان بعد بضعة أيام يصرخ بوجه الصدى حاملا معه آلة حرب ليلجمه، هوى بها إلى المكان للتعقب، فتملكته رهبة!! 

 

قادته قدماه ببطء وحذر شديد.. صوت آخر غريب ينبثق.. يصعد ثم يتلاشى.. تفوح رائحة نتنة غريبة الى أنفه.. يهم بالاقتراب.. تسمرت قدماه وثقلت لسانه وجحظت عيناه، فأدبر يسعى مفزوعا  بصحبة صرخة قوية مخيفة استيقظ على إثرها المكان الثقيل.

 

تجمع لفيفاً من الناس للنظر في تلك القبة التي ما زالت صامدة في مكانها فقدسيتها أرهبت الحيوانات المفترسة من الاقتراب!!! 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر