الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
اللغة سر السماء في الأرض.. والشعر جمال الكون حوار مع الشاعر أحمد المعرسي
الساعة 11:50 (الرأي برس - حاوره- محمد محمد إبراهيم)

 

  أطلقيني يد المسافات إني موجع الخطو يستشف القفارَ لم يعد لي هواجسٌ تعتريني أصمت الجدب أيكتي والقمارى المدى يشرب المسافات حولي يزدريها فلا تعير اعتبارَ راحل والخطى بقايا حروف مُسرَجاتٌ تنوح أهلا ودارَ بي من الحزن ما به الحزن مني من شجون وحرقة لا تُبَارى فراراً من الفقر، لاذ شاعرنا بهذه القصيدة التي ذبحت روحه كتابة ولحظة في محضرٍ من التفافات جبال «عسير» و«نجران» واتساعات وحشة خبوت التهائم المفتوحة على الموت جوعاً.. عاش يتم الأب في الرابعة من عمره، ليقضي سنين صباه، إما غريباً مودعاً للدراسة في محافظة «تعز» اليمنية.. أو ضارباً أكباد القفار بين السعودية واليمن، للبحث عن فرصة عمل تعوله وأمه وإخوانه عاضاً على نواجذ الطاعة، سائراً على متن النص المحمدي (صلى الله عليه وسلم): «كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول».. فوق هذا كان يواصل التعليم.. لتنبت بين اليتم والفقر والعلم قصائد برائحة الحزن والحب والتصوف فصدر له (احتضار الغروب- شهوة الكبريت- ديوان تراب الظل- عمل حاصل على جائزة الرئيس- نسمات من ريمة كتاب حول الأدب الشعبي فاز بجائزة رئيس الجمهورية (2006) لكن الأهم في تجربته هو التحول إلى الشعر الصوفي المحمدي، ليصدر له دواوين اسمها (مقامات الروح في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلّمْ) التي تعتبر من أجمل التجارب الشبابية في شعر التصوف.. ولم يكتف بهذا بل هام بحثاً في بحار شعر المتصوفة فزاده ذلك نصاعة وحضورًا في النص واللحظة.. إنه الشاب الشاعر أحمد علي المعرسي.. في حوار خاص لـ الوطن.

 

تحدث عن تجربته الفنية في الشعر الصوفي الموغل في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم..

1- من «مقام المثول في مدح الرسول» قرأتك واحدًا من أشهر الشعراء الشباب المتصوفة الذين سلبوا انتباه المعجبين بهذه المدرسة.. ماذا عن بداية تحولك إلى هذا النهج؟

 

 التحول هو مقام التكوين القائم بين الجعل والصيرورة لهذا لم يكن التحول الذي تعنيه في سؤالك بداية الطريق فأنا وأنت وكل ما في الكون كلمة بيضاء نقشت على اللوح المحفوظ، وكما أن الله يختار أنبياءه فهو يختار شعراءه- أيضًا- فاللغة سر السماء في الأرض بها نصل إليها وفيها نبحث عنها فهي جزء الحقيقة المطلقة ونحن جسد العجز، لهذا حين نحاول ترتيب أرواحنا على مخيلتها نخلق مقامات الدهشة، لذا أستطيع القول: إن الشعر جمال هذا الكون وأسماؤه وصفاته الحسنى وإن التصوف غيب المعرفة من حضر فيه غاب عن نفسه، ومن حضر في نفسه غاب عنه لهذا أجزم أنني ما زلت غائبًا عنه وعني غير أني أرتب مخيلتي للقائه.

 

2- وأنت ترتب لهذا اللقاء.. ماذا وجدت على جنبات طريق إلى شعر التصوف؟

 أعتقد أنه لا شيء أكبر من الروح ولا أضيق من اللغة، كما أنه لا شيء أجمل من الشعر ولا أعذب من صراع مجازاته والوقوع في شراكه، إن الشعر في تقديري كلمة الغيب التي ألقاها الله في ماهية الحقيقة الإنسانية وسر النفخة التي جعلت لهذا الكائن البشري حقيقتين، الأولى في جانب الخلق، والثانية في جانب الحق، ولو لم يكن ذلك لما خلقنا الله من كلمة، وجعل خلاصة التوحيد في رسمها كلمة، ومثل لنا أسماءه وصفاته في كلمات ولا مبدل لكلماته.

 

3- مقامات الروح استوقفك في مقام من نهوى جميعًا (الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم).. ماذا عن لحظة كتابة مقام الذهول في مدح الرسول صلوات ربي وسلامه عليه؟

 لا أخفيك أن هذا النص كتب في الروضة الشريفة في المسجد النبوي، وله قصة لطيفة سأوردها لا لشيء.. إلا ليؤمن القارئ: أن الحب أقرب طريق للوصول، - كنت قد كتبت قصائد كثيرة في المديح النبوي منها مقام المثول والوصول، والنزول، والقبول، والدخول، وهي قصائد جمعتها في ديواني النبوي مقامات الروح- وكان الشوق إلى زيارته صلوات ربي عليه وعلى آله قد بلغ مني مبلغاً، فصادف أن ذهب صديقي الشاعر الحارث بن الفضل وهو صاحب ديوان الحبيب المصطفى إلى المدينة المنورة، فطلبت منه أن يسلم على رسول الله صلوات ربي عليه وعلى آله، ويقول أمام الشباك: «إن المعرسي يذوب شوقاً لرؤيتك يا رسول الله ويريد بطاقة دعوة ليمثل بين يديك، فصنع ذلك، ولم تمر سوى ثلاثة أيام حتى أُتصل بي من وزارة الثقافة وبُلِّغت أن الوزارة رشحتني لتمثيل اليمن في الأسبوع الثقافي اليمني في المملكة، وأن الفعالية التي سأقيمها ستكون في المدينة المنورة».. وأثناء زيارتي للمدينة كتبت ذلك النص في الروضة الشريفة في لحظة غيبية غارقة في الذهول، ولك أن تتخيل شاعراً يكتب قصيدته بين يدي الحبيب المصطفى.

 

4- وما شعورك بعد فصل الحبل السري بين النص ودوامة العصف الذهني الذي غيبك عن الوعي (أي بعد تفريغ الذاكرة من عاصفة النص الذهنية)؟

 أدثر نفسي بالخوف وأهتف ربي إني لم أنزلت إليّ من خير فقير وأسمع واردًا يردد لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا.. ويغيب وبعدها تموت اللحظة.

 

5- بمن تأثرت وجدانيًا وشاعرية في نصوصك الصوفية؟

 بفقيه القرية، حين كان يستقبل الفجر بقصائد البرعي، بفأس أمي، حين كانت تجمع الأحطاب وتردد: «يا صلوات الله ع النبي» على محمد سيدي، بدفتر متهالك هو كل ما ورثته عن أبي، وهو الدفتر الذي كان يجمع محاولات أبي من الشعر الشعبي في مجال المديح النبوي، بالمجموعة النبهانية، والروح العلوانية، بالشوق البرعي، والمعرفة الحلاجية، بعيون الإمام الصرصري، وبوجدان الشهاب المحمود، بإشارات الإمام البوصيري، بأحمد العروسي فقيه المغرب، الذي كم باهيت رفاق دربي!.. أن اسمي يشبه اسمه وهو شاعر محمدي، وكم شعرت أن الله لم يخلقني إلا لأكتب قصيدة ربما لم يستطع- العروسي- كتابتها، بالأرض وهي تخبئ في جبتها بذور الحياة بالشمس وهي في مقام المكاشفة، بالريح وهي قطب ملاماتي، بالليل وهو سفر الخلوة، بي وأنا مسربل بثوب الستر، بك وأنت حقيقة لا أعرفها، بالشعر وهو يقين أبحث عنه.

 

6- الغياب عن الوعي صوفية الشعر، وسكون النفس، واطمئنان القلب، ما المشترك الروحي في هذه المسميات من خلال تجربتك الشعرية وإحساسك الذهني المستجمع للحظة إلهام النص وأجواء صنعته؟

 الغياب.. ومن ذاق عرف. علمت أن لك اهتمامًا بحثيًا مترامي الشجون الأدبية والروحية بشعراء المتصوفة.. ماذا عن هذا العمل البحثي؟ - هي محاولة ناقصة لإكمال ما ابتدأه الشيخ النبهاني في المجموعة النبهانية؛ حيث قام بجمع أربعة مجلدات كلها في المديح النبوي فمنذ خمس سنوات وأنا عاكف على جمع الشعر النبوي كي أقدمه في شكل موسوعي، وبما يليق مع هذا الهدف السامي وقد جمعت الشيء الكثير غير أن شعراء الحبيب المصطفى أكثر مما يتخيله عاقل.

 

7- ولماذا لا تصدرها؟

 ما أجمل ما قاله أحد الشعراء: «لي مانع من طبع ديواني كما/لي مانع من ذكر اسم المانع». كيف وجدت هذه الأسماء؟: الشاعر المتصوف الكبير أحمد ابن علوان؟ - (كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).

 

8- عبدالرحيم البرعي؟

 (سلامٌ قولاً من رب رحيم).

 

9- عمر ابن الفارض؟

 (حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة).

 

10- أسماء أخرى لملمت أشتات غيابها بروحك النهمة؟

 (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا).

 

11- ما الذي يميز كل من ابن الفارض وابن علوان؟ وأين يلتقيان؟

 ابن الفارض غمامة حب وابن علوان صحراء شوق، يفترقان في الغياب ويلتقيان في الغيب.

 

12- تجربة البرعي ما الفارق المميز في تجربة عبدالرحيم البرعي عن سائر شعراء التصوف؟ 

الشعر.. وهو أشعر شعراء الحبيب المصطفى على الإطلاق، وباعتقادي أن البرعي أول شعراء المديح النبوي وآخرهم وأنه الشجرة التي حجبت الغابة فما استطاع شاعر قبله ولا بعده أن يماثله، ولعل ما يميز البرعي هو الصدق الشعوري المنساب من روحٍ شاعرةٍ محبة، في لغة ليس كمثلها شيء، فـ(سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيًا).

 

13- الحميني والموشحات الحميني والموشحات الصنعانية وكذا الأندلسية تتميز بدفق وجداني متناهٍ أقرب إلى شعراء المتصوفة.. كيف تقرأها أنت؟

 أرى أن الحميني والموشح مادة اللحن، واللحن روح التصوف، والتصوف روح الدين، لاسيما التصوف الفلسفي والمعرفي فلا أخفيك أنني أكفر بتصوف الدراويش، لقد استطاع الشعر الحميني والموشح أن ينقل حنين الأنفس على إيقاع النغم إلى أقاصي القلوب فتحولت القلوب إلى مغتسل بارد وشراب، ولقد أسهم تنوع الأوزان في الموشح والمبيت إلى تعدد لغات الروح ولو لم يكن ذلك لما أمر كبار العارفين بالله مريديهم بالسماع كالجنيد والبغدادي وغيره ولما طارت موشحات لسان الدين الخطيب وأشعلت مسامع الدهر.

 

14- ولماذا غاب تكرار هذه الظاهر الشعرية برأيك؟

 لم تغب، وإنما غابت المعرفة وحضر المغالون، فما أسهل أن يكفرك أحدهم لأنه لم يستطع فهمك، وما أسهل أن يقتلك أيضًا، كما أن غياب الروح وحضور الدين الشكلي أفقد الناس ذائقتهم، إن الأدب أكبر من أن يحاكمه فقيه أو تحيط به ذائقة منفردة، لهذا أؤمن أن الله سيخرج من أصلاب هؤلاء من يقول: (ربنا لا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا).

 

15- الصوفي والعاطفي لماذا يجتمع المنحى الصوفي والعاطفي في بعض القصائد اليمنية المغناة كقصيدة (السنا لاح) لابن شرف الدين و(واشاري البرق من تهامة) للقاضي عبدالرحمن بن يحي الآنسي.. وقصيدة (جل من نفس الصباح) للقاضي أحمد بن عبد الرحمن الآنسي؟

حدث ذلك في الشعر العربي كثيرًا وإن تعددت صور ظهوره فالاستهلال بذكر الأطلال وغيرها، أشبه بالاستهلال بالمنحى العاطفي ثم العروج إلى فضاءات الروح، كما أن المنحى العاطفي والروحي لصيقان حد التماهي، فالقلب الذي يضيق بحب فتاة يستطيع أن يتسع لله (فسبحان من لم يسعه سوى قلب عبده الشاعر).

 

16- الأنثى والتصوف هل ثمة اهتمام نسوي بكتابة النص الصوفي من خلال قراءاتك شعريًا كان أو نثريًا؟

 اللغة أنثى والقصيدة أنثى فلا عجب أن تمثل الأنثى مفازة الروح في المشهد الشعري الوجداني ابتداء بالشاعرة صفية بنت عبدالمطلب، عمة الحبيب المصطفى صلوات الله عليه، وانتهاء باللحظة، غير أن الذكورية أقرب ما تكون إلى التجرد فالأنثى تتجرد من كل شيء إلا من أنوثتها، والتصوف منازعة الأهواء، والأنثى سجينة ضعفها فهي أقرب معايشة للمقام الملاماتي من مقام التجرد، إلا في النادر ولا يقاس على النادر كما حدث في تصوف رابعة العدوية، أعتقد أن المشهد النسوي أقرب إلى الرمز الصوفي من التصوف، وأقرب إلى المعنى الروحي من الروح، فهناك حضور غير لافت للنص الروحي في المشهد النسوي لكنه ما زال مدفونًا في أرض الخمول وما لم يدفن جيداً لا يتم نتاجه.

 

17- كيف تقيّم المشهد الشعري الشبابي في اليمن؟ وما دعواتك للشباب المتعلم والمثقف تجاه الهم الوطني العام؟

وترسيخ قيم التعايش والرقي بالخطاب الفكري والثقافي والسياسي؟ - المشهد الشعري في اليمن يعيش طفرة من حيث الكم، لكنه لا يعيشها من حيث الكيف، فالصوت الخاص غائب والتناسخ في المشهد حاضر حد التماسخ، والشعراء الشباب أشبه ما يكون بآلات تكرير النفط ولكن في مصفاة واحدة أسمها البردوني، ولعل غياب النقد هو من أفرز ذلك غير أن هذا التناسخ والتماسخ قد ينجب وإن طال به العقم مسيحًا لمشهد شبابي نوعي، أما دعواتي التي أوجهها للشباب فأقول لهم: إن الوطن يحتضر تحت أحذية القبيلة والساسة والعسكر، فإما أن تجهزوا له الأكفان وإما أن تنفخوا فيه الروح.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً