الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أحمد طارش خرصان
تعز
الساعة 20:34
أحمد طارش خرصان


تشق المدن طريقها - بتصميمٍ لا يقهر - باتجاه الخلود ، وخلق مساحات كافية في ذاكرة التأريخ ، وبما يعمل على تناسلها وتكاثرها وتواجدها وعلى نحو جيدٍ ولائقٍ ، قد يمنح الأجيال القادمة - كما يفعل القادة الذاهبون إلى جبهات القتال الأمامية - تذكاراً ، ربما يبعث الحياة في الأرواح الواهنة والآمال المنكسرة. 
تحتفظ المدن المُوجَعة بذاكرة مكتوبة ، تستطيع بموجبها التحدث بلغةٍ ممتلئة بالسرد والحكايات المزدانة بمجد بقائها ، وانتصارها على هزائم الإحساس باليُتْم والخيانات المُرَّةْ .

لا تتجاوز المسافة بين إب وتعز أكثر من ستين كيلو متراً ، ومع هذا القرب المجاني تكاد معرفتنا لتعز تنحصر في بعض المعالم الجغرافية والحضارية ، وأسماء متداولة لشوارعها وحاراتها وبعض مديرياتها السياسية ، غير أنها اليوم أضحتْ أكثر انكشافاً في الذهنية اليمنية ، وعلى النحو الذي يضعها عنواناً شائعاً لكل ما هو وطنيٍ ، لن تجد( تعز) أيّ معنى لإستمراريتها في الحياة ، ما لم يكن البلد حاضراً في أفئدة المتدفقين - كطوفان - أثناء منازلة الموت -العالق كوحل في قدميها -بحناجر بيضاء ،حملتْ على عاتقها مهمة الدفاع ومواجهة الجهل متى تدفق على أسوارها المضيئة. 

ليس لتعز ما تقاوم به سوى روح أبنائها ، ولذا فإنها تتفادى إهانة تحطيم هذه الروح ، وتقف - مستحضرة بطولة عبدالرقيب عبدالوهاب - إلى جوار فتاة تركتْ مساحة زاهية في مقدمة رأسها لعلمٍ وطنيٍ ، لطالما أسرف الجميع في إهانته وتشويهه ، وتجفيفه من على حناجر التواقين لأزمنة مغايرة ، قد تكون كافية لاستعادة ما اندثر من تأريخها وبيقين من اراد - وبعَمْدٍ - تطهير سيرته وجسده من حروب الجماعات والقداسات المستهلكة. 

تخوض تعز معركتنا المقدسة - كقائد عسكري شريف يخوض معركته الأخيرة - وبأدوات عصية على الكسر والترويض والإحتواء ، وبإطمئنان فائضٍ لا يأبه لنتائج معاركه المقدسة ، بقدر ما يمنح تعز الإيمان الوافر بصوابية ما تدعو له ، وتدافع عنه تماماً. 


تحاول تعز أن ترسم آخر لوحةٍ ، لم يكملها الفنان الراحل هاشم علي ، بعد أن ترجل تاركاً فرشاته النزيهة لأنامل تعز ، كي تمنح البلد بعضاً من أناقة هاشم علي وروحه المخضبة بالضوء. 

في شوارع تعز تطل روح الشهيد عيسى محمد سيف مانحة المدينة ، ما يمكنها من تجاوز طقوس الوهن وأسباب الإنكسار ، ولعل تعز تحتفظ بذكرى عبدالحبيب سالم وطلقات قلمه التي صنعت الثقوب الأولى في جدار الجهل ، ومهدتْ الطريق لهَتْك أستار العبودية والأفكار الضحلة. 

تدرك تعز كمدينة مقاومة - في فضاء البراءة والشرف -أن لا شيء يربطها مع الحوثيين ومن يسير في فلكهم ، ، ولذا قررت أن تحيا بعيدة عن كل ما سيلحقها من عار تأريخي ، إذا ما استسلمت لواقعها المختل، ورغبة الوهن المستقوي بعنفه في تركيعها وابتزاز فرصها في الحياة ، بوطنيةٍ لا تقبل إلّا أن تكون الفاعل الرئيس في رسم ما تراه مناسباً لحياة أبنائها والبلد ، متجاوزة أمراض الشيخوخة المزمنة والقاتلة.

ربما تقاتل روح سيدات تعز ( صباح الشرعبي ..- بشرى المقطري .. وأخريات ) إلى جانب تعز - بإرادة متوثبةٍ - رافضة قضاء ما تبقى من حياتها في فضاء الفضائح والهزائم ، وأوبئة العصابات الدينية والسلالية والمناطقية.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص