الخميس 08 مايو 2025 آخر تحديث: الخميس 8 مايو 2025
محمود الطاهر
هل خُدع ترامب من إيران والحوثي وعمان؟
الساعة 16:01
محمود الطاهر

في تطور سياسي مفاجئ، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن جماعة الحوثي أبلغت سلطنة عمان برغبتها في إنهاء القتال، مؤكدًا أن واشنطن استجابت لهذا الموقف عبر وقف هجماتها الجوية ضد الحوثيين. 

وأشار ترامب إلى أن الجماعة تعهدت بعدم التعرض للسفن العابرة للبحر الأحمر، مؤكدًا أن ما تم ليس اتفاقًا مباشرًا، بل تفاهم عبر وسيط إقليمي هو سلطنة عمان، وذلك بسبب استمرار تصنيف الحوثيين على قائمة الإرهاب الأمريكية.

لكن جماعة الحوثي، كعادتها في استثمار أي هامش سياسي، حولت هذا التفاهم المحدود إلى ما يشبه الانتصار الرمزي والدبلوماسي، معلنة أنه اتفاق مع واشنطن، ومضيفة أن وقفها لاستهداف السفن لا يشمل تلك المرتبطة بإسرائيل، التي ستظل هدفًا مشروعًا من وجهة نظرهم، بل ونفذت فعلًا هجومًا صاروخيًا باتجاه إسرائيل سقط في البحر الأحمر دون إصابة أهداف.

السؤال المركزي الذي يفرض نفسه هنا هو: هل خُدعت واشنطن، أو بالأحرى، هل استُدرج ترامب إلى تفاهم غير متكافئ صيغ بعناية من قبل الحرس الثوري الإيراني، وعبر وساطة عمانية بارعة؟ وهل كانت هذه المناورة تهدف بالأساس إلى إحداث تصدع في الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولو على نحوٍ مؤقت؟

من الواضح أن الولايات المتحدة دخلت هذا التفاهم مدفوعة بضغوط أمنية واقتصادية واستراتيجية، فهجمات الحوثيين على السفن الدولية في البحر الأحمر كبّدت التجارة العالمية خسائر فادحة، وتسببت في ارتفاع تكاليف الشحن البحري، وأربكت حركة الملاحة، الأمر الذي ضغط على إدارة ترامب للتحرك نحو خفض التصعيد بأي وسيلة ممكنة.

ولأن الخيار العسكري لم يؤتِ ثماره نتيجة للاكتفاء بالهجوم الجوي فقط، وكان مكلفًا سياسيًا، بدا التفاهم غير المباشر مع الحوثيين – عبر وساطة سلطنة عمان – مخرجًا مقبولًا لتجميد الاشتباك دون اعتراف سياسي مباشر.؛ إلا أن هذه الخطوة، وإن كانت منطقية من منظور تكتيكي أمريكي، إلا أنها وقعت في فخ التوظيف الإعلامي الحوثي، وهو ما حوّل التفاهم الأمني المحدود إلى "نصر سياسي" دعائي بامتياز.

مكاسب بأقل التكاليف
تمكنت إيران عبر جماعة الحوثي وأدواتها في المنطقة، من قلب الطاولة إعلاميًا وسياسيًا، فقدّمت هذا التفاهم كاتفاق مباشر مع الولايات المتحدة، وروجت له في الداخل اليمني والإقليمي على أنه تتويج لصمودها، وإقرار أمريكي بشرعيتها.

والأخطر من ذلك، أنها استغلت هذه اللحظة لتمرير خطاب مزدوج:، من جهة وقف استهداف السفن الأمريكية، ومن جهة أخرى استمرار استهداف المصالح الإسرائيلية.

بهذا التكتيك، تمكنت إيران من، كسب مشروعية ضمنية لذراعها في اليمن (الحوثي)، من خلال الادعاء بوجود اتفاق مع واشنطن، والحفاظ على تموضع المليشيا ضمن محور المقاومة عبر استمرار استهداف إسرائيل.

إضافة لذلك، عززت إيران صورة مليشيا الحوثي لدى جمهور الجماعة كمفاوض قوي أجبر أمريكا على التفاهم، وتشتيت الموقف الأمريكي والإسرائيلي وإحداث نوع من الانفصال التكتيكي في المصالح.

الوسيط الذي يحتفظ بكل الأوراق
تلعب عمان دور الوسيط الموثوق بين إيران والغرب منذ سنوات. وفي هذا السياق، يبدو أن السلطنة نقلت الموقف الحوثي إلى واشنطن، وقدّمته بصورة تتيح لواشنطن تفسيره كتنازل، بينما تركت للحوثيين مجالًا لتفسيره كاتفاق سياسي.

إن درجة الغموض هذه تخدم مصالح جميع الأطراف، لكنها في الوقت نفسه تُظهر حجم التعقيد في الدبلوماسية العمانية، التي تنجح غالبًا في خلق هامش من التفاهم دون التورط في تفاصيل ملزمة، وربما تكون عمان قد تعمدت ترك بعض بنود التفاهم غير محسومة لتتيح لكل طرف أن يُسوّق الرواية التي تخدمه.

موقف إسرائيلي
في ظل هذا التفاهم، شعرت إسرائيل بأن الولايات المتحدة لم تعد ترى البحر الأحمر ساحة اشتباك جماعي، بل مجالًا لتأمين مصالحها المباشرة فقط، فالهجوم الحوثي على إسرائيل، رغم فشله، كان رسالة رمزية خطيرة بأن التفاهم مع أمريكا لا يشمل حماية المصالح الدولية وبما فيها الإسرائيلية.

هذا التطور مثّل، من وجهة نظر تل أبيب، خذلانًا مبطنًا، أو على الأقل انفصالًا مؤقتًا في الموقف الأمريكي، وإذا ما تكرر هذا النموذج، فقد يتسبب في اهتزاز الثقة بين الحليفين، أو يدفع إسرائيل لاتخاذ خطوات أحادية في البحر الأحمر، ما قد يفتح جبهة اشتباك جديدة.

هناك من يرى أن ما حدث ليس تفاهمًا بريئًا، بل مناورة محسوبة من إيران، لخدمة ذراعها (الحوثي) عبر وساطة عمانية مُصممة خصيصًا لخلخلة التحالف الأمريكي الإسرائيلي في البحر الأحمر. فبتقديم تعهد بعدم ضرب السفن الأمريكية، واستمرار استهداف إسرائيل، تكون إيران قد نجحت في فصل المسارين، وأحرج واشنطن أمام حليفتها.

بل ويمكن القول إن إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، قد تكون خططت لهذه الخطوة بدقة لقياس رد الفعل الأمريكي، ولتقديم نموذج يمكن تكراره في ساحات أخرى، كالعراق أو سوريا.

توازن المصالح أم تناقض المواقف؟
الخطأ الأمريكي كان في القبول بتفاهم غير مشروط، وبدون آليات مراقبة، أو تعهدات مكتوبة، فقد تركت واشنطن الباب مفتوحًا لتفسيرات متضاربة، ما منح الحوثيين حرية المناورة، وسحب بساط المصداقية من تحتها.

هذا التناقض في المواقف يكشف أزمة أوسع في السياسة الأمريكية تجاه اليمن والبحر الأحمر، بين الالتزام بمصالح الحلفاء، ومحاولة تجنب التورط في صراعات طويلة.

إن ما حدث بين واشنطن والحوثيين – عبر بوابة عمان – قد يبدو تفاهمًا محدودًا لتجميد التصعيد، لكنه في الواقع كشف مدى هشاشة التفاهمات غير المعلنة، وفضح فجوة التنسيق بين الحلفاء، واستغل الحوثي هذه الثغرات ليكسب شرعية مزعومة، ويُضعف الجبهة المقابلة.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتدارك واشنطن الموقف وتعيد صياغة قواعد الاشتباك في البحر الأحمر؟ أم أن ما حدث سيكون نموذجًا يُحتذى لمناورات أخرى قد تُفكك مزيدًا من التحالفات الهشة في المنطقة؟

في كل الأحوال، ما حدث لم يكن اتفاقًا عابرًا، بل اختبارًا استراتيجيًا حقيقيًا لصلابة التحالفات، ومرونة الخصوم، ومهارة الوسطاء.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص