السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
محمد جميح
بين "ترامب المرشح" و"ترامب الرئيس"
الساعة 02:27
محمد جميح

لم يكن فوز دونالد ترامب في السباق إلى البيت الأبيض مفاجئاً، وإن كان صادماً للكثير. لم يكن مفاجئاً لأن حملته الانتخابية كانت متصاعدة، وإن حدثت فيها بعض الانكسارات، ولكنه كان صادماً لأن القيم التي أنشئت على أساسها النسخة الأحدث من «الديمقراطية الغربية»، هذه القيم يبدو أنها في حالة تراجع مستمر، منذ أن بدأت «أحلام العولمة» في الانهيار، لأنها لم تكن أكثر من فخ وقعت فيه النخب الفكرية والثقافية، للترويج لبسط سيطرة قوى النفوذ العالمي على السلطة والثروة في عالم يعج بالتهميش والفقر والبطالة.

المرشح الجمهوري الشعبوي الذي جعل العالم يضع يده على قلبه من أن يدخل البيت الأبيض، والرجل الذي تلوث تاريخه بانتهاكات جنسية، وتهرب ضريبي، وألفاظ عنصرية، ومواقف أقرب ما تكون إلى اليمين المتطرف منها إلى مواقف الجمهوريين الأمريكيين أنفسهم، هذا المرشح دخل البيت الأبيض من باب «الغضب الشعبوي» الأمريكي على الطبقة السياسية في واشنطن، وهو صورة نصف الأمريكيين، إن لم يكن صورة أمريكا المقبلة. وعلى الرغم من ذلك، يجب أن لا نغفل عن حقيقة أن هناك شخصيتين من «ترامب». هناك بالطبع «ترامب مرشح الرئاسة الجمهوري»، و»ترامب الرئيس الأمريكي».

«ترامب المرشح» بلا شك شخص شعبوي متهور، يعمد إلى دغدغة غرائز الشعبويين في الولايات المتحدة الذين أصيبوا باليأس من سلوك ومواقف الطبقة السياسية التقليدية الأمريكية، كما شعروا بالظلم إزاء شعارات العولمة التي للأسف أنتجت عالماً ممزقاً، بدلاً من قرية عالمية واحدة، بفعل تركيز العولمة ثروات العالم في يد حفنة من صناع القرار من الأغنياء في العالم، ما جعل المجتمعات الغربية – تحديداً – تميل إلى التقوقع داخل كنتونات قومية ودينية، أقرب إلى الصورة التي اتجهت إليها هذه المجتمعات عشية الحرب العالمية الثانية. تلك الحرب التي نضجت ظروفها بمجيء أدولف هتلر إلى سدة الحكم في ألمانيا بطريقة ديمقراطية تشبه إلى حد كبير الطريقة التي جاء بها دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. بالطبع يصعب تشبيه دونالد ترامب بأدولف هتلر، ولكن ملامح الظروف التي أنتجت الاثنين متقاربة إلى حد ما.

نعود إلى «ترامب المرشح»، الذي توعد في خطابه الانتخابي المسلمين والصين والمكسيك والأوروبيين على السواء، ثم نسمع «ترامب الرئيس»، لنجد بالطبع الفارق الكبير بين اللغتين والخطابين، لأن «ترامب المرشح» يعكس خطاباً شعبوياً جانحاً، يؤشر، على ما ذكرنا، إلى أن العالم يتجه يميناً، على مستوى الطبقات الشعبوية التي تحس بنوع من التيه إثر انهيار أحلام العولمة، وقبلها انهيار المعسكر الشرقي الذي كان الرافعة المادية للمثاليات الاشتراكية في العالم. وفي الوقت الذي عكست فيه حملة «ترامب المرشح»، طريقة تفكير الشعبويين واليمين الأمريكي بشكل واضح، عكس خطاب «ترامب الرئيس» مستوى من المسؤولية تجاه الأمريكيين والعالم بالدعوة إلى تضميد الجراح، ووضع مصلحة أمريكا فوق الاعتبار، وإصلاح المنظومة الاقتصادية وخلق المزيد من فرص العمل، والوصول إلى أرضية مشتركة مع الدول الأخرى، ومد اليد إلى العالم، وغير تلك من القضايا التي عبر عنها ترامب في خطابه، بعد إعلان فوزه في الانتخابات الأمريكية يوم أمس. 

ما ينبغي للمراقب أن يركز عليه، ليس الفوارق بين ما قاله «ترامب المرشح»، وما التزم به «ترامب الرئيس»، لأنه من الطبيعي أن تختلف لغة خطاب المرشح الرئاسي عن لغة خطاب الرئيس، لكن ما يقلق له الراصدون للحراك الاجتماعي العالمي هو أن «الترامبية» أصبحت ظاهرة عالمية، سواء فاز ترامب أم لم يفز. القوميات التي تطل برأسها في أمريكا وأوروبا، التطرف الديني في الشرق والغرب، العودة إلى مفاهيم ما قبل الحرب العالمية الثانية، والمجتمعات التي تتجه يميناً، ذلك هو الذي يجب التركيز عليه، لأنه هو الذي أفرز هذه الـ»ترامبية» اللافتة. لكن دعونا نقل إن الصورة ليست بهذه القتامة. هناك بعض الإيجابيات لما حصل في «الثلاثاء الكبير»، إذ أن أفضل ما في دونالد ترامب هو ذلك «الوضوح العاري»، الذي عبر عنه أثناء حملته الانتخابية الصاخبة، وإن كان ذلك الوضوح سيتشح بشيء من غلالة دبلوماسية وسياسية شفيفة، بحكم طبيعة العمل السياسي. ذلك الوضوح لن يدع للآخرين ولا للأمريكيين مجالاً لا للمناورة، ولا للتوقعات، وسيحفز الآخرين على العمل بطاقتهم كلها، بدلاً من حالة الاسترخاء التي يجلبها وجود شخص غير مستفز في البيت الأبيض.

بالنسبة للعرب فإن مشكلتهم تظل قائمة، بغض النظر عن شخصية الرئيس الأمريكي، لأن مشكلتهم تكمن فيهم، لا في شخصية من يقيم في البيت الأبيض. فإذا كان الجمهوريون الأمريكيون يشنون الحرب على منطقتنا، فإن الديمقراطيين يتركونها للآخرين لشن الحرب عليها، وفي الحالين لا تتوقف الحروب علينا. والسبب أننا لسنا أقوياء بالقدر الذي يحسم الحرب إذا اندلعت، ولا أقوياء بالقدر الذي يمنع وقوعها. ولذا يصوِّب العرب أنظارهم إلى واشنطن لمراقبة القادم الجديد، دون أن تصوب هذه الأنظار إلى عواصمهم هم لملاحظة المتغيرات الموضوعية. ولهذا يعانون مع الرئيس الأمريكي أياً كان حزبه. بعبارة أخرى: دفع العرب فاتورة رغبة جورج بوش في أن يكون «زعيم حرب»، كما دفعوا فاتورة رغبة باراك أوباما في أن يكون «بطل سلام». والسبب هو أنهم في علاقتهم بالآخر يُقيِّمون أنفسهم من خلال عيون الآخر، لا من خلال ما لديهم من قدرات لا يرونها. 
دعونا نقول إن دونالد ترامب قد لا يكون أسوأ من جورج بوش الابن. ترامب – على الأقل – رجل أعمال ناجح، ولدى رجال الأعمال الناجحين يحسن الحديث عن الصفقات والاستثمار.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص