الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قادري أحمد حيدر
العدالة الانتقالية، والحصانة في اليمن
الساعة 17:09
قادري أحمد حيدر


العدالة الانتقالية، والحصانة في اليمن:
الاهداء : إلى الرفيق والصديق / عبد الرحمن غالب،
القائد الحزبي الكبير، والمناضل الصلب في زمن 
المحن والشدائد في رحلة معاناته القاسية مع المرض 
والتجاهل من الجميع، إليه تقديراً وعرفاناً باسمه ودوره وتاريخه النبيل

لقد تحصل رموز النظام القديم/الجديد، على الحصانة المجانية، عبر برلمان يمتلكونه، ويسيطرون عليه، ومن خلال المبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية، والمنطق، والواقع، وطبيعة الأشياء والأمور تقول، إن أي حصانة، وعفو، لا يمكن أن تكون بدون مقابل، ثم كيف لنا أن نفسر إِلحاح الحاكم السابق، وإصراره على طلب الحصانة، حيت نصت المبادرة الخليجية الصادرة في 21 ابريل 2011م على منح الحصانة (الحصانة من الملاحقة القانونية، والقضائية، ومن عملوا معه خلال فترة حكمه) ( ) هكذا بالنص، في مقابل نقل السلطة كاملة، والتي تم التوقيع عليها، مع الآلية التنفيذية المزمنة، في 23 نوفمبر 2011م في السعودية(الرياض) وكان قرار مجلس الامن رقم 2051 الذي يتصل بقضية استكمال عملية نقل السلطة، لشعور مجلس الامن، بالممانعة، والرفض، للسير باتجاه نقل السلطة، وعملية التغيير...، اذا الحصانة مقابل نقل السلطة كاملة، وليس جزءا منها، إلا إذا كان الحاكم السابق/الجديد، يعتبر تنازله عن رأس الحكم، تنفيذاً، ورضوخاً، لصاحب الشرعية في السلطة، إعطائها، وسحبها، وهو هنا الشعب، (وكأنه وصل إلى السلطة أو أمتلكها بالوراثة) ، ومن هنا رؤيته الذاتية التي تملكته، وكأنه يتنازل عن حق شخصي مطلق للحاكم وبأسمه، بعد أن توحد الحاكم او الرئيس، طيلة نيف، وثلاثة عقود، بمؤسسة الرئاسة، وصار الرئيس جزءا من اسمها، وهويتها، وصارت الرئاسة كمؤسسة ملحقة به وتابعة لذاته وشخصه، وهو ما يفسر توحد الدولة كلها، وتماهيها بسلطة الرئيس السابق، وعائلته، وبذلك فإن الحصانة، لم يتبعها تنازل أو مقابل، سياسي، أو معنوي، أو لفظي، على الأقل بالاعتراف بالأخطاء، والانتهاكات التي ارتكبت ضد الضحايا...، وضد المجتمع، ففي جنوب أفريقيا، أعطي العفو، للمسؤولين، والحكام السابقين، مقابل الاعتراف بالأخطاء، دون أي تبعات جنائية، والانتهاكات، والتجاوزات ضد الضحايا، أمام (هيئة الحقيقة) كأساس للعفو، وهو مايرفضه رموز النظام القديم/الجديد، في اليمن، في شكلي: عدم نقل السلطة كاملة، للرئيس الجديد المنتخب، عبده ربه منصور هادي، وعدم الاعتراف بالأخطاء حتى نتمكن من إزالة آثار الماضي، وكأن الحصانة، وعدم نقل السلطة، منصه للاستيلاء على الحكم كرةّ اّخرى. في صورة ما يجري اليوم.

وكما يشير الباحث، مولاي أحمد مولاي، محقا قائلاً "بينت التجارب أن التسوية السياسية في الفرقاء –يقصد بين الفرقاء/الباحث- السياسيين، تتم في بعض الحالات على نحو يضمن خروج الحاكم وأعوانه في مقابل الصفح عنهم، طلباً للاستقرار السياسي والسلم الداخلي. إلا أن تلك الصيغة قد لا تأخذ أحياناً بعين الاعتبار حقوق الضحايا، ولا تنتظر عفوهم، ولا تسألهم على الأقل رأيهم، لضمان توافر المبرر الأخلاقي اللازم"( ) وهو ما حدث مع الأسف في اليمن، حيث تجاهلت التسوية السياسية (المبادرة الخليجية) حقوق الضحايا، والمنكوبين، حين قدمت الحصانة للرئيس صالح وأعوانه، دون اعتبار لمظلومية الضحايا، وحقوقهم، وهو ما يجعل المستقبل مفتوحاً على مشكلات وقضايا، لا تسقط بالتقادم.

إن كل تاريخ عمليات الانتقال من الاستبداد والشمولية، إلى الديمقراطية والتعددية، وحقوق الإنسان يقول لنا بوضوح "أن كل دولة شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وانتقلت  من مرحلة النظام الاستبدادي، أو الدكتاتوري، إلى مرحلة الحكم الديمقراطي، تكون مجبرة بمعالجة تلك الانتهاكات الجسيمة، -كما تلاحظون أنها مجبرة وليس مخيرة، أو تجاوز ذلك بمصالحات سياسية تحت غطاء مصالحات وطنية/الباحث- وإلا سيؤدي ذلك إلى صراعات اجتماعية، وسيولد غياب الثقة بين المجموعات، وفي مؤسسات الدولة، فضلاً عن عرقلة الأمن، والأهداف الإنمائية"( ) ولذلك لا نرى في تأخر أو تعثر إصدار قانون العدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية، سوى سير بالبلاد نحو المجهول، وتعقيد الأمور أكثر فأكثر، فإصداره اليوم والآن، يختصر زمن الآلام، وزمن عبورنا للمضيق الصعب الذي نحن فيه، كما يقلل من الكلفة الاجتماعية والوطنية، ويدفع بالناس جميعاً لاحقاً إلى مصالحة وطنية حقيقية وجادة، بما يعكس حالة من توازن المصالح، والحقوق للجميع، على قاعدة التوافق السياسي والوطني، وبما يحقق مقتضيات العدل، يصبح معه العفو، أو منح الحصانة مفهوماً، ومبرراً ومفسراً.

إن الحصانة، هي جزء من عملية الانتقال السياسي، الديمقراطي السلمي، وجزء من قانون العدالة الانتقالية. هي حصانة سياسية، قبل أن تكون قانونية، من اطراف محلية، وإقليمية، أي أن الشرط السياسي هو الذي صنع الوجه القانوني لها، - لم يعترف بها المجتمع الدولي ولا يقرها القانون الدولي، حصانة مشروطة بالانتقال السياسي الديمقراطي، وجوهرها ومضمونها هو نقل السلطة، للدخول إلى التسوية السياسية التاريخية، وتجنب الحرب، وبذلك لاتزال الحصانة اليمنية الممنوحة للحاكم السابق وأعوانه، موضع تساؤل، ومناقشة، وحوار، والحقوق حولها، لن تسقط بالتقادم، وخاصة أن من منح الحصانة لم يقم حتى الآن بنقل السلطة كاملة، وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي وقع عليها كرئيس للجمهورية، وكرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي حكم بأسمه طيلة نيف، وثلاثة عقود، كما أنه وهو الأهم كذلك لم يعترف بشيء لصالح حقوق الضحايا، (اعتراف معنوي، رمزي، حتى كما يجري ويحدث في التحكيمات العرفية) بل هو يحاول تعويق عملية التسوية السياسية، وقطع الطريق امام تنفيذ مخرجات الحوار، والتلاعب بإنجاز الحلول والضمانات، -التي تمكن منها- تحت وهم إمكانية العودة للحكم، والسلطة، مجدداً، تحت أي مسمى كان. وهو التفسير الوحيد لذهابه الى خيار الحرب، ومن هنا عدم قبوله ورفضه الانسحاب حتى المؤقت من المشهد السياسي العمومي، فهو عمليا، حتى الآن لم يتخل عن السلطة، بل يمارسها، في أبشع صورها قهراً لإرادة الشعب، الذي ثار عليه، تبدو معه الحصانة اليمنية، وكأنها حصانة إجبارية، وقسرية، وقهرية، رغما عن الكل: رغما عن إرادة، وحقوق الضحايا، وأصحاب الحقوق المنتهكة، ورغما عن القوانين المحلية(قانون العقوبات، والجزاءات) ورغما عن القانون الدولي (المحاسبة) ورغما عن الشريعة الإسلامية وأحكامها، في مجالات الثواب والعقاب (القصاص)، ورغما عن أولياء الدم، بل وحتى رغماً عن الأعراف والأحكام المحلية، وبذلك فالحصانة اليمنية كما يريدها الحاكم وكما يتصورها هي خارج جميع القوانين الوطنية، والدولية، والإنسانية، ومن هنا أهمية وضرورة ربطها بشرطها السياسي، والقانوني، والإنساني، المتجسد والمتمثل في قانون العدالة الانتقالية، (العدالة، والإنصاف) (المساءلة، والمحاسبة)، و(معرفة الحقيقة)، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات الفاسدة، وصولاً إلى المصالحة السياسية، والوطنية الشاملة. 

لقد "أولت العدالة الانتقالية، لقضية الكشف عن الحقيقة عناية خاصة، وعملت لجان الحقيقة المشكلة من كبريات التجارب الوطنية، على وضع آليات، ساهمت في استعادة الذاكرة الجماعية، وفي مكافحة نزعات تحريف التاريخ، كما مثلت أسلوباً رفيعاً من أساليب إعادة الاعتبار للضحايا، والمجتمع"( ) ولا يمكننا في اليمن الوصول إلى المصالحة الوطنية، إلا عبر قناة وبوابة العدالة، وقانون العدالة الانتقالية تحديداً، الذي تأخر أكثر مما يجب. ( ) وهو الان، وغدا، وبعد وضع الحرب اوزارها سيبقى ويظل مطلبا ملحا، سياسيا، وقانونيا، وحقوقيا لامناص من انجازه وتنفيذه في واقع الممارسة.

 وفي تقديرنا، أنه من غير الممكن تصور عدالة انتقالية، وإنصاف للضحايا، في ظل بقاء مؤسسات الدولة جميعها (السياسية، والأمنية، والعسكرية، والمخابراتية، وحتى المالية) بيد أطراف النظام القديم ومن الطبيعي إذاً أن يقف هؤلاء في وجه انتقال، أو تغيير، أو تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية (...) فمسألة إصلاح المؤسسات التي ارتكبت انتهاكات في الماضي، الأمن السياسي والأمن القومي، والمحاكم الاستثنائية، وأيضاً الشرطية، والجيش، وتطهيرها من المنتهكين، وتحديد مهامها بشكل اوضح، بما يتواءم مع حقوق الإنسان، هو أحد المبادئ الأساسية في العدالة الانتقالية علينا أن نقر ونعترف أنَّ جزءاً هاماً من قوة استمرار النظام القديم في المشهد السياسي الراهن، هو بطء إجراءات التسوية على صعيد السلطة التنفيذية، بما يحقق مصالح أوسع قطاعات المجتمع، والتأخر في إصدار القرارات في اللحظة المناسبة، والتسويف، والترضيات، واستمرار منطق المحاصصة ضمن قانون، وآليات النظام القديم نفسه، والتردد في الحسم في قضايا تساعد بإتجاه الحركة نحو التغيير، وهو ما اضعف ليس فحسب منطق العدالة الانتقالية، بل هو ما أضعف روح الانتقال الديمقراطي على قاعدة التغيير المنشودة، فنحن في اليمن لا نزال نتحرك وندور ضمن ما يمكن تسميته بـ(العدالة التفاوضية الناقصه) أو (العدالة الجزئية، السياسية الخاصة)، أو(العدالة التصالحية)، التي لا صلة لها بقانون العدالة الانتقالية، أي المحاصصات القديمة ولكن في أثواب وأشكال وتسميات، جديدة، وهو مايشجع البعض الى جانب عوامل واسباب مختلفة الى الذهاب لتفجير الحرب الجاريه

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص