الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قادري أحمد حيدر
الثورة والثورة المضادة في اليمن قراءة فكرية سياسية تاريخية (4-4)
الساعة 19:33
قادري أحمد حيدر

ثورة مضادة أم طرفي او اطراف حرب؟! 

سأستهل قراءتي بداية لهذه الفقرة، وهي ختام فقرات موضوع متعدد العناوين، سبق تقديمها اليكم، بـ اسئلة استفسارية، وشبه استنكارية، كمدخل لبحث فقرة "ثورة مضادة ام طرفي أو اطراف حرب" حتى اضع القارئ الكريم أمام رؤية، واستنتاج ما يريد، وكيف يفهم الحرب الجارية، بعقل تعددي، نقدي، دون فرز ايديولوجي أو سياسي محدود الأفق.

وابدأ ذلك بالسؤال التالي: هل من المعقول، والواقعي، بأي معنى من المعاني، أن تقول أن ما يجري وما يحصل هو ثورة مضادة، ثم نطالب من مكونات سياسية محسوبة على قوى الثورة، والتغيير، أن تقف مسلوبة الارادة، والفعل، امام جحافل ثورة مضادة، قد تأتي على كل شيء؟! وفي السياق ذاته، هل من الواقعية السياسية، والحكمة الثورية كذلك أن تقول أن ما حصل، وما يحصل طيلة سنة ونصف انما هي ثورة مضادة مكتملة الاركان (توصيفا، وواقعا)، ثم نساوي بين هذه الثورة المضادة، (السياسية، والعسكرية، والثقافية، والوطنية) وبين من جرى الانقلاب عليهم في الواقع؟!

ثم كيف نفهم قفز البعض على الانقلاب السياسي، والعسكري، الذي سعى لفرض منطقه بالقوة بذهابه في نقل الحرب إلى أقصى مدى جغرافي، وتوسيع فضاء الحرب لتطال كل الديموغرافية اليمنية،على قاعده إيديولوجية/دينيه تكفيريه للأخر،"كفار التأويل" ولا نقول شيئا عن كل ذلك، وكأنه لم يكن، مكتفيين بخطاب "طرفي، واطراف الحرب"، وخطاب سلاموي حول ايقاف الحرب، بدون رؤية، ولا موقف سياسي محدد واضح حول كيف يكون ايقاف الحرب؟!؟

والسؤال الختامي الاستفهامي، هو إذا كان طرفي، أو اطراف الحرب، مسؤولين عن الحرب الجارية بنفس المعنى، والمقدار، والمسؤولية، وبالنتيجة هم مطالبين بإيقافها فورا، فمن من الطرفين، أو من هؤلاء الاطراف جميعا، من قام بالثورة المضادة مكتملة الاركان على التاريخ السياسي، والوطني، وعلى منجزات الشعب والثورتين اليمنيتين (سبتمبر/واكتوبر) أو انهم جميعا وفق اطروحة طرفي، واطراف الحرب و "الاطراف المتقاتله_حسب تعبير البعض_"، متساويين في كل شيء، وليس هناك من شرعية دستورية، وسياسية توافقية، ولا انقلاب، كما تدعي الامم المتحدة، في قراراتها مطلوبة التنفيذ؟!!

إننا امام منطق تفكير لا يستقيم على رؤية، ولن يصمد أمام حقائق، ووقائع ما يجري، من ثورة مضادة، تعلن عن نفسها بوضوح رغما عن خطاب طرفي او اطراف الحرب، ومن الصعب أن نقف منها، وتجاهها، موقف الحياد، بادعاء اننا "طرف ثالث" أو طرف مستقل" عن طرفي الحرب أو اطرافه، أو اننا في هذه اللحظة الفاصلة والفارقة سياسيا، ووطنيا، وتاريخيا، نبلور مبادرة لإنتاج "كتلة تاريخية ثالثة" في علم الغيب، بل والانكئ على النفس محاولة البعض ليس فحسب، تجاهل المقاومة الشعبية، أو التشكيك فيها بل والتحريض للدعوة لإدانتها، كما يطالب بعض السلاليين المتعصبين، على قاعدة بعض الاخطاء في الممارسة، وسعى البعض لتقزيم وتحجيم دورها، مهما كان رأينا في تعارضاتها، واختلافاتها، وضعف أداء البعض منها، وقصور بنيتها التنظيمية، وتشتت ادائها بفعل الواقع والطابع التجريبي الثوري، لعملها، نتيجة غياب ووحدة الرأس القيادي لها.

إنها حقا مقاومة شعبية، وجدت، وتشكلت، نتاج للثورة المضادة، وتعبير عن حالة "دفاع عن النفس"، عفوية، غير منظمة، وبدون قيادة مركزية، ولكنها سياسيا، وموضوعيا، مقاومة شعبية نتاج لعملية موضوعية/ سياسية، صراعية، تجمع في داخلها اطياف سياسية، واجتماعية، وطبقية، وايديولوجية مختلفة، (غير متجانسة)، وهو أمر طبيعي يعكس حالة واقع صعب، ومعقد، تعيشه كل البلاد، بفعل واقع حالة الثورة المضادة التي ما تزال مستمرة.

   ان القول ان هناك ثورة مضادة على كل التاريخ السياسي، والاجتماعي، والوطني، يطال منجزات، وكفاح الشعب اليمني كله، يعني بالضرورة ان هناك مقاومة شعبية، وسياسية، للثورة المضادة والاستغراب، والاستنكار، والنقدهنا يجب ان يذهب ليس فحسب لتركيز النقد على اخطاء المقاومة، وهو حق للجميع لتصويب اعوجاجها، وإنما كذلك لنقد، ودحض خطاب من يتكلم، ونحن في مواجهة ثورة مضادة مكتملة الاركان، عن "الحياد" و "الطرف المستقل" و"الطرف الثالث" و الكتلة الثالثة، ومبادرات نظرية، فكرية، سياسية عامة، لا غبار حول صدقيتها المعرفية، والنظرية، ولكنها لا تقول شيئا ملموسا حول ما يجري من انقلاب، تحول الى ثورة مضادة شاملة.

   حين قلت، وكتبت برأيي، في الثورة المضادة، وفي الحرب الجارية كنتاج لها، كنت اعبر عما اراه واقدره شخصيا، ولا الزم به احد، وحين اقدم خطابي النقدي لازعومة "طرفي الحرب" و"اطراف الحرب "إنما احاول مجتهدا برأيي، مع تقديري، واحترامي للرأي الآخر، في أن يقول في الحرب الجارية ما يشاء، وهذا طبيعي، تستدعيه حالة التعدد، والتنوع في الرؤى، والطروحات حول مضمون المشهد السياسي الجاري، وفي لحظة سياسية، وطنية، تاريخية (فار قة) لا يصح معها في تقديري اللعب على التعارضات السياسية العابرة، لان حجم التناقضات بين الثورة، والثورة المضادة، لا تسمح بخلط الاوراق، ولا اللعب على التناقضات، بعد ان صارت تناقضات فاضحة، وحدية، بين طرفين، أو  مشروعين، سميهما، ما شئت: طرف يريد توريث الجمهورية، والحكم في ابنائه، وعائلته، وجماعة مصالحه الضيقة، ومعه حليف استراتيجي يريد بعث تاريخ سياسي غابر، باسم حقه السلالي، الالهي، على انقاض كل المشروع السياسي، الوطني التاريخي، لجميع اليمنيين، وحين اتحدث عن مشروع الثورة، انما اقصد به المشروع المواجه والمضاد، للثورة المضادة، على تعارضاته، واختلافاته الداخلية، الحاده  حول جملة من القضايا، ومن انني لا اقول، ولا ارى ان معطيات ومحتوى هذا المشروع السياسي، صارت جاهزة، وواضحة، أو مكتملة الملامح، للتطبيق، ولكنه على الاقل مشروع سياسي يحمل في داخله افاق، وشروط، ومفردات وملامح دولة وطنية حديثة (اتحادية) أو تساعد ولا تعارض في إنجاز هذا المشروع، وهي الأفكار والقضايا، التي  قالت بها واكدتها جميع المكونات السياسية، وجاءت مخرجات الحوار الوطني الشامل، مكرسة ومؤكدة لها، إلى ان طغى، وفاض سيل عرم الثورة المضادة على كل شيء.

   ان من يتمسك بالتوافق السياسي، والعملية السياسية السلمية، ويؤكد على التمسك بالشرعية الدستورية (كيفما كان امرها ووضعها وحدود شرعيتها) بحكم ما تعرضت له، وما تزال تواجهه، من حصار ، وحرب، ليس كمن يصر على القول بحقه العائلي، أو حقه الالهي، ضدا على إرادة الناس. ان القضية رهن بمدى وعي، وادراك قوى الحداثة، والمدنية، بالدفاع عن مشروعهم السياسي، الوطني، وتخليصه من المعوقات، والكوابح، العديدة الراهنة، والمستقبلية.

كلنا - او البعض منا - ما يزال يتذكر المؤتمرات السياسية، القبلية (الشعبوية) المسلحة، والمعارضة للنهج الجمهوري في توجهه الثوري (الوطني/ والقومي) والتي اطلت برأسها قبل ان يكتمل عام على قيام الثورة، وهي في الواقع مؤتمرات استمرت طيلة سنوات الجمهورية الاولى 62-1967م، بدءا من مؤتمر عمران سبتمبر 1963م، ومؤتمر خمر مايو 1965م،  ومؤتمر الطائف، يوليو 1965م، الى رحلة برط باسم السلام ابريل 1965م، التي ذهب ضحيتها الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري، في خطابه السياسي الرومانسي الداعي لإيقاف الحرب، والسلام، مع قوى لا صله لها بالسلام، وبدون قوى السلام الحقيقية، والاهم بدون رؤية واضحة حول السلام، بين ثورة، وثورة مضادة، يذكرنا بما يحصل اليوم -من حديث عن السلام وايقاف الحرب، بدون رؤيه سياسيه وعمليه انقاذيه لايقاف الحرب، والحديث حول ذلك يطول - إلى مؤتمر الجند 1967م،  ومؤتمر سبأ 1967م،  وقبلها جميعا (مؤتمران اقليميان) مؤتمر الاسكندرية 1963م،  ومؤتمر "اركويت" (السودان) 1964م،  الذي رأس الوفد الجمهوري فيه محمد محمود الزبيري، ورأس وفد الملكيين الشاعر السياسي، احمد محمد الشامي. وجميعها - بدرجات متفاوتة - جوهرها السياسي معارضة البعد السياسي، الاجتماعي، والطبقي، والقومي التحرري لثورة 26 سبتمبر 1962م، بعضها أو العديد منها رفع شعار "الذاتية اليمنية" و "الوطنية اليمنية" وهو شعار حق اريد بها باطلا، على اساس من مقاومة "الاستعمار" المصري، بعد ان تحول الوجود المصري في خطاب بعض المؤتمرات الى غزو واستعمار، وهي لحظة سياسية، تاريخية، تقاطعت، وتوحدت فيها مصالح اليمنيين في الثورة والتغيير مع مصالح، ودور مصر عبدالناصر القومي والتحرري، وغيرها من الدول العربية الداعمة لثورة 26 سبتمبر 1962م، بقدر ما تقاطعت واشتبكت، وتماهت مصالح الامامة، وشبه الاقطاع، القبلي، مع اهداف وسياسات، ومشاريع الرجعية العربية "السعودية، الاردن، المغرب، ومعهم ايران"، والقوى الاستعمارية الغربية، التي جندت الالاف من المرتزقة الاجانب ضد ثورة 26 سبتمبر 1962م.

وبهذا المعنى، كانت الحرب على ثورة، وجمهورية سبتمبر الاولى - 62 - 1967م - هي ثورة مضادة، مؤقلمة، ومدولة، اي انها ليست حربا داخلية (محلية/ وطنية صرفة) بين اليمنيين، وبعضهم البعض، كما تروج له بعض الكتابات، في محاولة لتصوير الحرب، والثورة المضادة بانها (صراع داخلي) في محاولة لإفراغ الصراع، والعدوان، والحرب، من طابعه السياسي، والاجتماعي، والطبقي، والوطني/ القومي، التحرري،  ذلك ان امتداداته الاقليمية، والدولية كانت واضحة بما فيه اشتراك الكيان الصهيوني (اسرائيل) في الحرب ضد ثورة 26 سبتمبر 1962م، كما تؤكد ذلك الوثائق الاسرائيلية، والغربية.

   فالحرب بقدر ما تعكس في داخلها مضمونها السياسي، والاجتماعي، والطبقي، فإنها في الغالب - أو في بعضها على الاقل - تعكس ارتباطاتها، وصلات تحالفاتها الخارجية (الاقليمية/ والدولية) (الوطنية/ والقومية)، وفي شروط العولمة السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، اليوم، يبرز نمط لهذه الحروب، والصراعات يتخفى أو يتوسل الغطاء الديني، المذهبي/ الطائفي، الذي يعلن عن نفسه في اكثر من مكان من بؤر الصراع الدائر في منطقتنا، (العراق، سوريا، لبنان ) بما فيه الحرب الجارية في بلادنا اليوم، والتي هي في الجوهر والاصل، حرب سياسية من

 اجل الاستئثار بالسلطة، والثروة، واعادة احتكارها في قبضة المركز السياسي التاريخي (المقدس)، حرب لا صله لها بالدين، والمذهب، والطائفة، إلا من باب التوظيف الايديولوجي، والسياسي، في قلب الحرب الجارية، بين الثورة، والثورة المضادة، ففي قلب المؤتمرات السياسية، القبلية المعارضة الاولى لمضمون ثورة 26 سبتمبر 1962م - 1967م، كان الهدف هو ضرب المضمون السياسي، والاجتماعي، والطبقي، والوطني، القومي للثورة، وظف واستخدم في هذا السبيل، كل شيء (الدين، المذهب، الطائفية، القبلية، والجهوية، كما وظف الخارج لخدمة الانقلاب، بمثل ما توظف اليوم الثورة المضادة، خطاب "القاعدة" و "داعش" و "كفار التأويل" و "الجهاد"، وشعار "اللعنة" على امريكا، واسرائيل، واليهود، والهدف سياسي، سلطوي، (ملك عضوض)او كما قال الشاعر اليمني امرؤ القيس "نحاول ملك أو نموت "فلا نعذر" مع الاعتذار للشاعر لتحويرنا بيته الشعري.

   والمفارقة العجيبة الغريبة هنا، ان جميع الدول (سنية/ شيعية) يوحدهم القتال تحت شعار مكافحة الارهاب العالمي، تحت قيادة امريكا "الشيطان الاكبر" وامريكا وروسيا، كما حاصل اليوم في اكثر من مكان.

كنت وما ازال مقتنعا ان ثورة 26 سبتمبر 1962م، وثورة 14 اكتوبر 1963م، قد قامتا بدورهما، السياسي، والوطني التاريخي، في دفاعهما عن اسميهما، وهويتهما، ومعناهما، الوطني، والجمهوري، على الاقل (الجمهورية كنظام سياسي)،  وتحديد ثورة 26 سبتمبر 1962م، طيلة سنوات 62 - 1967م، والذي استمر ضمنا حتى كسر، واسقاط حصار السبعين يوما، بحكم حالة ازدواجية السلطة، الذي عبرت عنه واقع وحالة الانقسام في قيادة المؤسسة العسكرية، وفي المجتمع وفي بقية مؤسسات الدولة المختلفة، بين القوى التقليدية "المشيخية القبلية، وشبه الاقطاع، والعسكريين المواليين لهم، ومعهم بقايا الاحرار " في مقابل أو موازاة الجناح الثوري الجمهوري، بقيادة الرئيس السلال، ابن الشعب البسيط، ومعه القيادات العسكرية الشابة، من ذوي الرتب الصغيرة، ومعهم النخب والمكونات السياسية التقدمية المنظمة، بعد خروج مصر من معادلة القوة، والسياسة، في اليمن، - بعيد نكسة حزيران 1967م - وهو الصراع بين الثورة، والثورة المضادة، الذي حسم نهائيا لصالح "الجمهورية القبلية"، تعبير عن حضور العمق السياسي التاريخي للثورة المضادة، في قلب الواقع/ المجتمع المحيط بصنعاء، "العاصمة" وخاصة من بعد احداث 23/24 اغسطس  1968م. وحين نتحدث عن صراع مشروعين حول الدولة، والمواطنة، والمساواة، والعدالة، والديمقراطية، والطبيعة الدستورية للدولة والنظام الجمهوري، فاننا اليوم انما نتحدث عن جوهر ذلك الصراع السياسي التاريخي القديم/ الجديد، الذي ما يزال يسحب نفسه حتى اللحظة في تفاصيل، ووقائع، وحقائق ما يجري اليوم، حيث التاريخ السياسي السلطوي، بإرثه الثيوقراطي، والاوتوقراطي، ما يزال مهيمنا، وحاضرا في قلب التاريخ السياسي الراهن، وما يزال يشتغل لصالح تكريس مصالح القوى القديمة.

   لقد مثل انقلاب الخامس من نوفمبر 1967م لحظة سياسية، فاصلة (فارقة)، بين تاريخين سياسيين: جمهورية سبتمبر الاولى 62 - 1967م، وجمهورية نوفمبر القبلية، 1967م - حتى فبراير 2011م - مستقطع أو مخصوم من زمنها - فترتي، الحمدي، والوحدة السلمية، اللتان جرى الاجهاز عليهما، الاولى بالقتل، والثانية بالحرب "اللا وطنية الشاملة"، واليوم يحاول البعض استعادة خطاب الخامس من نوفمبر 1967م "يا شعبي العظيم" و "أنا الشعب يا سيد العارفين"، وهو في الجوهر ذات خطاب الإمامة السياسي التاريخي، في النظر للشعب اليمني متماهياً، وموحدا، بالسلالة، قبل الجمهورية، ومندمجا بالمذهب، والقبيلة، والطائفة، والجهة، بعد الثورة، اي الشعب الخانع، والخاضع "الخضعي" وليس الشعب بمفهومه الواسع والعميق، اي الشعب بمختلف قواه وجهاته، وتياراته "شمالا، وجنوبا"،  لا ادري دائما لماذا اجد نفسي اعود إلى انقلاب الخامس من نوفمبر، وبيانه السياسي، وحين اتمعن في التفكير، لا اجد تفسيرا موضوعيا، وسياسيا، وواقعيا، سوى انه الاعلان السياسي الفعلي لبدء الثورة المضادة، بعد انتقالها إلى قمة السلطة كاملة، وإقصاء القوى السياسية، والاجتماعية، الحديثة، وفي ان الانقلاب المذكور هو الذي اسس، واكد، احقية توريث الامامة، للمشيخة القبلية، بجناحيها (حاشد، وبكيل) في صيغة الطبعة الثانية للجمهورية الوراثية، في معادلة "شيخ الرئيس، ورئيس الشيخ"، وما يحصل من حرب جارية اليوم إنما هي البروفة السياسية والعملية "الرابعة" للثورة المضادة، على جمهورية سبتمبر، واكتوبر، وعلى الوحدة السلمية، وثورة الشباب، والشعب. مع فارق ان كل ذلك يجري، ونحن على مشارف إنهاء العقد الثاني، من الالفية الثالثة. في معاندة صارخة لحركة التقدم السياسي، والاجتماعي التاريخي.

   ان مقاومة صنعاء، وعدن، والضالع، ولحج، وابين، وشبوة، وحضرموت، وتعز، وإب، ومارب، والبيضاء، وال حديدة، وغيرها من المدن، هي موضوعيا، وسياسيا، ووطنيا، مقاومة ضد إعادة انتاج صيغة جديدة لحكم

 ورثة الامامة الجدد، بشقيهما: الامامي (السلالي)، أو العائلي/ الجملكي، هي دفاع عن النفس في احد وجوهها، كما هي دفاع عن مضامين الوطنية اليمنية المعاصرة، وعن تاريخ كفاح الشعب، وتراثه السياسي التاريخي، وباختصار هي دفاع ومقاومة للانتصار لمشروع التغيير، والدولة المدنية الحديثة، دفاع عن مشروع غير مرتبط بهذا الاسم، أو ذاك أي بعيدا عن شخصنة القضايا، وتقزيم المشاريع السياسية، والوطنية الكبرى باختزالها في اسم هذا الرئيس أو ذاك، لأننا ننافح، وندافع عن قيم ومبادئ ومشاريع سياسية، وليس اسماء عابرة زائلة.

   كلنا يعلم ان المكونات السياسية المدنية، لم يكن لها أي دور في الحرب، أو تغذية اوارها، أ و التشجيع على اشعالها، وكانت تقف في الضد من كل ذلك، ولكنها حرب فرضتها من الشرارة السياسية الاولى "إعلان الانقلاب" حتى تمدده حربيا أو "جهاديا" وتكفيرياً، إلى كل الجغرافية، والديمغرافية، من قبل طرف واحد، وحيد، وليس اطراف، أو طرفين، كما يحلو للبعض، والاخطر أنها حرب استدعت الخارج الى داخلنا، بكل مسمياته الاقليمية، والدولية. ان مقاومة الناس في مختلف المواقع، هي بداية ثورة أو استكمال لمشروع ثورة سياسيه اجتماعيه تاريخيه ، بدأت مع قيام 26 سبتمبر 1962 وثوره 14 اكتوبر 1963 متواصل مع ثوره فبراير 2011 ولن تتوقف، بل  يجب أن تستمر، وتستكمل دورها الكفاحي بدحر الطبعة الرابع من الثورة المضادة، وليس لإقصاء او استئصال هذا المكون السياسي والاجتماعي أو ذاك، لان ثقافة الالغاء، والاستئصال انما هي ثقافة فاشية، ارهابية، سواء جاءت في مسوح واغطية سياسية، أو دينية، لان كليهما يقودان في واقع الممارسة الى نفس النتيجة، صناعة الاستبداد، والارهاب، والفاشية السياسية، وهو ما نرفضه ولن نقبل به وسنقاومه.

   ان السلام، وايقاف الحرب اليوم مرتبط، ومندمج بمعنى مقاومة ودحر الثورة المضادة، بالعودة للعملية السياسية، كأطراف ومكونات سياسية، بدون سلاح الميليشيات، والبداية في تنفيذ القرار الاممي (2216) الذي يحاول البعض تجاهله بالقفز عليه لأسباب غير معلومة، مع انه اساس وقاعدة أي تسوية سياسية سلمية، ومدخل واقعي للسلام، وايقاف الحرب، وليس تمديدها وترحيلها إلى زمن قادم، مجهولة مفاعيله على المستقبل، المطلوب ليس استئصال اي مكون، وانما اسقاط مشروع الثورة المضادة، وتراجعه لصالح المشروع السياسي الوطني الديمقراطي، على قاعدة عدالة انتقالية تجبر ضرر الضحايا، وتمنع تكرار ما كان من قتل ونهب، وفساد، ومن ثورة مضادة، لاستكمال عملية نقل السلطة التي تؤكد جميع الحقائق، والوقائع انها لم تتم حتى الآن، وصدق عبدربه منصور هادي حين قال أنه لم يستلم من السلطة، سوى "العلم"، وهو ما كنا نطالب به في قلب فرق مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وهو ما كتبنا عنه وحوله كثيرا، والحرب الجارية، في صورة الثورة المضادة الشاملة تقول ذلك بما لا يدع مجالا للشك، في أن نقل السلطة لم يتم، ولم يتحقق، حيث ما تزال الدولة العميقة، ومفاصلها، "التحتية، والفوقية" المادية، والقانونية، والقضائية، والمالية والعسكرية،  والاستخباراتية، بيد طغمة النظام القديم/ الجديد، الذي ما يزال يحاول بتحالفه مع الحوثي، للحفاظ على ما تبقى من تلكم السلطنة، أو المركز السياسي المقدس.

   ان الدخول الى المستقبل المشترك لجميع اليمنيين، لن يكون بالثأر، أو الانتقام، أو الاستئصال، لأي مكون سياسي، أو اجتماعي، كما لن يكون بالسماح للثورة المضادة بالعبور على انقاض مكاسب اليمنيين، الثورية، بل بالإقرار بحق الجميع بالشراكة والمشاركة في السلطة، والثروة، وفي صناعة القرار، على قاعدة دولة مدنية اتحادية تحقق العدالة، بشقيها: العدالة الاجتماعية، والعدالة الانتقالية، والمساواة، والمواطنة، والحرية، والكرامة الانسانية.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص