الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
محمد جميح
الإرهاب والإسلام
الساعة 19:32
محمد جميح

يجادل كثير من الكتاب على جانبي الأطلسي، وحتى بين المسلمين لإثبات فرضية أن الأسباب الحقيقية للإرهاب تكمن في عمق المعتقدات الإسلامية، والتصور الإسلامي للإله والنبوة والكون والحياة، والعلاقات الإنسانية، للخلوص إلى نتيجة تربط في مآلاتها بين الإرهاب والإسلام.

ويستند الجدل الدائر إلى حجة أن «معظم الإرهابيين اليوم هم من المسلمين»، وهذا دليل كاف – من وجهة نظرهؤلاء الكتاب – على العلاقة العضوية المفترضة بين الإسلام والإرهاب. ساعد على ذيوع هذه الفرضية محاولات التنظيمات المتطرفة تبرير ما تقوم به، بالاستناد إلى بعض النصوص القرآنية أو نصوص الحديث، المنتزعة من سياقاتها التاريخية والنصية، مع أن تلك النصوص ليست ـ في تصوري ـ الدافع الحقيقي وراء الأعمال الإرهابية التي تـُسرد هذه النصوص في سياق تبريرها.

وباستقراء الخطــــاب الدعائي المتطرف، نجد أن معظم بيانات التنظيمات المتطرفة تسوق أســـباباً ذات محتويات سياسية وراء ما تقوم به، في إشارة إلى أن الباعث الحقيقي للعمل الإرهابي ليس الباعث الديني، وأن السبب وراءه ليس تلك الآية، أو هذا الحديث، ولكن أسباباً أخرى حسب بيانات القاعدة أو تنظيم «الدولة»، أو غيرهما من التنظيمات المتطرفة تكمن وراء ما تقوم به تلك التنظيمات، وإنما جيء بالآية أو الحديث لتبرير ما تم القيام به، ولإضفاء ثوب ديني عليه، من أجل حث الأتباع على الاقتناع، ولتجنيد المزيد منهم.

وبعبارة أخرى، تعلل خطابات تنظيم «الدولة»، وتنظيم «القاعدة» – مثلا – ما يقومان به من أعمال تدخل ضمن توصيف الإرهاب، بأسباب سياسية لا دخل لها بالدين، وكثيراً ما نجد في خطاب هذه التنظيمات أنها تشن عملياتها «انتقاماً للمسلمين الذين قتلوا، ولبلدان المسلمين التي دمرت، ودفاعاً عن حقوق المسلمين، ولتحرير أراضيهم، والذود عن كرامتهم»، وغيرها من الأسباب التي ترد في البيانات التي تصدر عقب كل عملية يقوم بها أي تنظيم متطرف، وهي أسباب ذات محتوى سياسي لا ديني، على الرغم من ترصيع تلك البيانات بالآيات والأحاديث.

وبالعودة إلى فرضية أن معظم الإرهابيين اليوم هم من المسلمين، فإنها لا تصلح لتكــــون دليلاً على أن الأسباب الحقيقية للإرهاب تكمن أصلاً في الإسلام، كما يطرح عدد لا بأس به من الكتاب، ذلك أن الغالبية العظمى من المسلمين ينبذون الإرهاب، حتى بتوصيفه الدولي المطاطي، ولو كانت الأسباب تكمن في النصوص الدينية الإسلامية، لوجدنا أن كل المسلمين الملتزمين بشعائر الإسلام، يمارسون – كذلك -الإرهاب، أو يدعمونه، لكن الحقيقة أن الإرهابيين يشكلون نسبة لا تذكر مقارنة بمليار ونصف المليار مسلم في العالم، وأن غالبية المسلمين هم ضحايا الإرهاب كغيرهم من الجماعات الدينية في العالم.

لا يمكن – إذن – لفرضية أن «كل إرهابي مسلم» – إن صحت – أن تعني صحة فرضية أن «كل مسلم إرهابي»، التي يراد لها أن تنتشر وتـُكرس. وقد شهد التاريخ القريب والبعيد أعمالاً تدخل ضمن التوصيف الإرهابي بنسخته المطاطية، قام بها مسلمون وغير مسلمين، لكن الأعمال الإرهابية التي نفذها إرهابيون غير مسلمين، لم تنسب إلى أديان هؤلاء الإرهابيين، كما أن أعمالاً إرهابية قام بها مسلمون آخرون، لم تنسب أعمالهم إلى الإسلام. وقد قام مسلمون فلسطينيون يتبعون منظمات مختلفة، وقام مسلمون لبنانيون يتبعون «حزب الله» في الماضي القريب – على سبيل المثال – بأعمال صنفت أعمالاً إرهابية، لكن تلك الأعمال نسبت لحزب الله اللبناني، وللمنظمات الفلسطينية المعنية، بدون أن يتحمل الإسلام مسؤولية مباشرة عن تلك الأعمال، لدى الدوائر السياسية والإعلامية والأكاديمية الغربية. وربما ترجع أهم الأسباب في عدم نسبة تلك الأعمال إلى الإسلام إلى كون المنظمات التي قامت بها لا تنتمي إلى جماعات «الإسلام السياسي»، في شقه السني على الأقل.

تجدر في هذا السياق الإشارة إلى أن واحدة من أهم المشاكل التي تعترض دارسي سلوك التنظيمات الإرهابية اليوم، تكمن في جهل هؤلاء الدارسين بحقيقة أن المتطرفين المسلمين يستندون في خطابهم الدعائي إلى التاريخ السياسي والعسكري الإسلامي، وليس إلى النص الديني والروحي الإسلامي، أو أنهم يغترفون من التاريخ أكثر مما يغترفون من الدين، وهم ـ كذلك – يتحدثون عن بطولات الفاتحين والقادة العسكريين المسلمين، أكثر مما يتحدثون عن أئمة المذاهب وكبار المجتهدين وفقهاء المسلمين. ويحفل الخطاب الجهادي بذكر أسماء قادة معارك حربية مثل، خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وسعد بن أبي وقاص، والمعتصم بالله العباسي، وصلاح الدين الأيوبي، وسيف الإسلام قطرز، وعزالدين القسام، وعمر المختار، أكثر مما يحفل بأسماء قادة وفقهاء ومجتهدين دينيين مثل، ابن عباس وابن عمر وابن حنبل وأبي حنيفة والشافعي ومالك والثوري والأفغاني ومحمد عبده والشعراوي وغيرهم، من علماء المسلمين.

وحتى المنظمات الشيعية التي تقوم بأعمال تصنف على أنها إرهاب، عندما نستعرض خطابها الدعائي، فإنها تستند إلى التاريخ أكثر من استنادها إلى الدين، وتورد أسماء قادة معارك عسكرية أكثر من ذكر أسماء قادة وعلماء دين، وهذا هو سبب إبراز اسم الحسين في الخطاب الجهادي الشيعي، على حساب اسم أخيه الحسن في الخطاب ذاته، لما للحسين من رمزية جهادية عسكرية، لا يجدونها في شخصية الحسن الذي سالم معاوية وآثر الجهاد السلمي مع الأمويين.

وبالمجمل، لا تريد هذه المقاربة السريعة – بالطبع – تبرئة المتطرفين من الأعمال الإرهابية التي يقومون بها، ولا تريد أن تقدم طرحاً اعتذارياً، ولا تريد – في الوقت نفسه – أن تسلب الشعوب المقهورة والمحتلة حق المقاومة، ولا تريد أن تبرر استهداف تلك الشعوب باسم الحرب على الإرهاب. كل ذلك ليس الهدف، ولكن الهدف هنا هو التأكيد على أن «السلوك الإرهابي» نابع من دوافع سياسية لا دينية، وأنه يعبر في جانب منه عن حالات مرضية مردها إلى الإحباط، واليأس والفقر والجهل والانحباس السياسي، والتراجع الحضاري، والتخلف التكنولوجي الذي يعاني منه المسلمون اليوم، أكثر من كون هذا السلوك نابعاً من التزام بنصوص دينية في القرآن أو الحديث. وهذا يفسر كيف أن نماذج من الإرهابيين لم يكونوا ملتزمين دينياً، وأن نماذج أخرى كان لها سلوك إجرامي ذو طبيعة جنائية. كما يفسر كيف أن التنظيمات الإرهابية تتواجد غالباً في الدول الإسلامية التي ترتفع فيها مستويات الفقر والجهل والديكتاتوريات والتخلف العلمي والتراجع الحضاري.

وختاماً، يبدو أن الالـــتزام بـ«الأيديولوجيا الإسلامية»، أكثر لدى جماعات التطرف من التزامهم بـ«الروح الإسلامية». وهنا يكمن خطر «أدلجة الإسلام»، التي تتوخى من خلالها جماعات «الإسلام الجهادي»، الوصول إلى أهداف سياسية عن طريق العنف، متذرعة بنصوص إسلامية تتخذها شعاراً لتخفي حقــــيقة أن بواعثــــها سياسية لا دينية، وهذا سلوك لا يختلف عن سلوك كثير من جماعات «الإسلام السياسي»، التي توظف الخطاب الديني لأهداف سياسية خالصة، مع الفارق بين كل من «الإسلام الجهادي»، و»الإسلام السياسي»، من جهة، وبينهما وبين الإسلام/الدين من جهة أخرى.

 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص