الاربعاء 25 سبتمبر 2024 آخر تحديث: الاربعاء 25 سبتمبر 2024
ســـارة - وجدان الشاذلي
الساعة 21:11 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


امتطيت صهوة قلبي ، وجئت الموعد قبلي بساعة ، تسبقني لهفتي وكومة من الذكريات تجلس على الكرسي المقابل.. 
- كنا أطفال في أوائل عمر الدهشة ، كل مانعرفه عن الحياة لايتجاوز حدود معدتنا وأفواهنا ، قطعة من الحلوى ، ومزحة . تلك كانت أقصى أمنياتنا..
في سفح الوادي ، عند مهد فرحتنا .. كنا نطارد الفراشات اللاهية تحت دفء أشعة الشمس ..
لانضرب موعداً ، لافواصل صمت ، ولانبحث عن الكلمات حين نتحدث .. كنا نقول كل مانفكر فيه ، وننسى ماقلناه ، ونشرع في قول مالم نقله بعد ..
يستوقفني صوت سارة : 
- كان مثل هذه قبل أن يشيخ ، تضع تلك الحصاة الصغيرة في راحة يدي ، مشيرة بسبابتها إلى ذلك الجبل الذي يتكىء عليه منزلنا.. 
وأهمس في أذنها:

 

 تأتي الريح محملة بالكثير من الأغاني ، ويرقص الشجر 
تقاطعني : 
- لكنه يموت . .!
- فقط حين يكف عن الفرح . أجيبها .
ونركض خلف الفراشات ..
- فنجان قهوتي الرابض قبالتي على صدر الطاولة ينتظر، ويبخر أرامل أفكاري ، وتلعق عقارب ساعتي مرارة الرشفة الأخيرة في حنجرتي ..
- لن تجىء ، ستجىء ، يجب أن تجىء...
وأشعر بحقد عميق وكراهية لامبرر لها اتجاه ذلك الشاب الذي يجلس على على مسافة مني ، محدقاً في شاشة التلفاز ، ولا ينتظر أحد ..

 

حين يكون عدوك الوقت .. لاتفكر أبداً في البحث عن مبررات وأسباب لكل ماتفكر فيه ، أو ماتنوي القيام به. فالانتظار يميط اللثام عن كل ماحاولت أن تخبىء من غبائك وسذاجتك ..!
وينحسر بصري عند قاع الفنجان ..
- تحت وسادتي خبأت تلك الحصاة التي أعطتها ليّ سارة ، وأخذت أتفقد حجمها كل صباح .. لكنها لم تكبر أبداً، ويبدو بأنها لن تشيخ وتصبح جبلا.
على خلاف ذلك ؛ كبرت سارة ..غادرت شرنقتها ، وكانت الفراشة الأجمل .
وأثناء إنشغالي بسارة وتلك الحصاة ، لم ألحظ بأني كبرت أيضاً.
هل كان يجب أن نكبر ..؟
ومرقت ثلاثون شمساً ، ستون شمساً،تسعون شمساً.. وسارة لم تعد تجىء...!
وذهبت أطارد الفراشات وحدي ..
- التقطت فنجان قهوتي في محاولة ساذجة لقراءة أقدار عشيتي ، والمرفأ الأخير لإنتظاري هذا..
في قاع الفنجان..
تمددت قطرة كبيرة بشكل أفقي ، وقطرة اصغر تعلوها بقليل ..
- تلك القطرة الصغيرة هاتف سارة الذي أنستها أياه لهفتها عند حافةالسرير حين غادرت المنزل ..
في قاع الفنجان أيضاً؛ خيط رفيع من بقايا القهوة يتمدد في المنتصف ..
- ذاك هو الطريق الذي تجتازه الآن في اتجاهي ..
القطرات المتناثرة على الحافة . لاتعني شىء ، ربما مجرد حافلات تمر بجانبها ، ماذا لو كان مجموعة من الصبية يحاولون إزعاجها؟.
فراشة جميلة تحلق فوق رأسي ، أبسط لها راحة يدي وتستريح .أتأملها ..
جناحان ورديان ؛لون سارة المفضل.
لها جبهة سارة ، عيناها أيضاً تشبهان عينا سارة التي لم تجىء بعد..
لم تجىء بعد..
أطبق عليها راحة يدي ، أرسلها تحت قدمي وأسحقها بقوة ..!

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص