الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
نظرية جديدة في الفهم والتفسير وقراءة النصوص - فايز البخاري
الساعة 16:09 (الرأي برس - أدب وثقافة)


منذُ صدور مجموعته الشعرية الأولى عام 2004م وهاني الصلوي يحرص على تجويد نصه، بل هو أكثرُ حرصاً على المغايرة لما هو مألوف والإتيان بما هو أجد. ولعمري أنّ هذه ميزةٌ تكاد تقتصر عليه، لا لأنّ غيرَه لا يريد المغايرة والجِدّة في ما يكتب، ولكن لأنّهُ أدركَ ذلك وطبَّقَه على الواقع من خلال كتاباته التي سارع في طباعته ليضيف للمكتبةِ العربيةِ شيئاً جديداً من خلال المسار الذي اختطه لنفسه فبرعَ فيه وأجاد.
 

وقليلٌ من الشعراء - إنْ لم يكونوا ندرة – هم الذين يتعمّقون في البحث العلمي دون أنْ يؤثّر ذلك على شاعريّتهم وعذوبة ألفاظهم وتدفُّق معانيهم. إذْ يُصاب غالبية الباحثين/الشعراء بتصحُّر في الجانب الشعري بسبب الإيغال في البحث العلمي الذي يعتمد على الواقع أكثر منه على الخيال والتحليق في سماوات الإبداع. ما يعني أنّ البحث يُقيّد مَلَكة المُبدِع ويعمل على تقليص نفوذها.
وهذا ما لم يتمكّن البحثُ العلمي مِن تحقيقِه إزاء موهبة الشاعر هاني جازم الصلوي التي ظلَّتْ في تصاعُد ووهَج، حتى وهي في قمّة الإيغال في البحث والدراسة والمتابعة لشهادتي الماجستير والدكتوراه ومتطلّباتهما. فخلال هذه الفترة أنجزَ ثلاث مجموعات شعرية متميزة ذات طابعٍ أجد، كما أخرجَ لنا هذا الكنز الفريد الذي يحويه هذا الكتاب، والذي يُعَدُّ بحقٍّ سبقاً علمياً على مستوى العالم العربي بما حواهُ مِن جِدَّةٍ وفرادةٍ لم يسبقه إليها أحد.

 

الكتاب صدر مؤخراً في القاهرة بعنوان " الحداثة اللامتناهية الشبكية ..آفاق بعـد مابعد الحداثة ..أزمنة النص ميديا ".. وهو كتاب مهم ليس في موضوعه فحسب بل في سياقات عدة عمل عليها واشتبك مع حيثياتها.
الكتاب - الذي يصفه المؤلف بالمجازفة أو المغامرة – يطرح في أكثر من موضع نظرية جديدة ضمن إطار مايعرف بـ((نظريات بعـد مابعد الحداثة)) رغم رفض الكاتب تسمية جُهدَه هذا بالنظرية التي يرى أنها انتهت كمرحلة ومنهج، ناهيك عن انتهاء ماعرف بما بعد النظريات ورغم رفضه أيضاً لمصطلح بعد مابعد الحداثة واعتباره مضللاً وأنه وإن كان مقبولاً من الناحية الزمنية إلا أن التسمية الأقرب لروح هذه المراحل العاصفة هو الحداثة اللامتناهية الشبكية أو الحداثات اللامتناهية الشبكية. وهو في كل مساراته ينطلق من مراحل مابعد الحداثة باعتبارها بداية التأريخ في سعتها ومفاهيميتها وفي ارتباطها بالحداثة التي حملتها في حلباتها وأتونها. 

 

يرى الكتاب أنَّ مراحل جديدة قد انبثقت مع مابعد الألفية هي أزمنة النص ميديا أو اللاتناهي الشبكي وهي مراحل دعاها بـ((ما بعد الكتابية)) حيث انتهت الأزمنة الأسبق لها بحقب ((ما بعد الحداثة)) التي يعدها نهاية فاعلة لمرحلة الكتابية. غير أن ذلك لا يعني زوال الحقبة الكتابية تماماً إذ بقيت وستبقى لانهائيات من رؤاها الفاعلة كما أن وجود أجيال شديدة الحماس للكتابية داخل متواليات الأجد اللامتناهي قد أبقى ظلالاً وحيثيات لما قبل (بعد مابعد الحداثة) بوصفها لاتناهياً شبكياً، الأمر الذي اضطر معه المؤلف إلى تقسيم اللامجتمعات اللامتناهية ( والصيغة له ) إلى قسمين أحدهما ما أطلق عليه: المجتمع المعتمد ( المجتمع المعتمد على الكتابية وماقبل اللامتناهية) والآخر : اللامجتمع الافتراضي المحض أو مجتمع المآل . 
 

يجعل الكاتب من فترة يسميها العصر الفائق القنطرة التي عبرت عليها البشرية إلى الحداثات اللامتناهية الشبكية وهي فترة تمتد من نهايات الثمانينيات من القرن الماضي وتمضي مع سنين قليلة في العقد الأول مما بعد الألفية وتضم أعلاماً من مثل دوجلاس كلنر وليبوفتسكي وبعض من اهتموا بالمعلوماتية والرقمية إلى جانب جان بودريار الأكثر ارتباكاً وإدراكاً لما يخص ماجد على مستوى انتهاء مابعد الحداثة ما جعل المؤلف يسم تشظي الفكر الفائق بصدمة بودريارإلى جانب ليندا هتشيون وإيهاب حسن قبلها . ويفرق الكتاب على مستوى سؤال التكنولوجيا ما بين العصر التكنولوجي بما هو سمة لما بعد الحداثة ، ومابعد التكنولوجيا بأبعادها اللامتناهية الشبكية . 
 

يقع الكتاب في 348 صفحة من القطع المتوسط في ترتيب غريب يضفي قدراً من الإثارة حيث يبدأ بإهداء يتساءل فيه عن جدوى الإهداء في حالة كتاب في رثاء الكتابة كهذا ويستند في الصفحة اللاحقة إلى المقولة المعروفة القائلة بأن قليلاً من التقنية يبعدنا عن الإنسان بينما يمكن للكثير من التقنية أن يعيدنا إليه . تلى ذلك توضيح أو ملاحظة غير مهمة بتعبير الكاتب تشير إلى كون القاريء يستطيع البدء بقراءة الكتاب من أي مبحث يريد ثم تأصيل اعتبره نهائياً تضمن بيان أن من الأفضل ألا ينسب الكتاب لمؤلفه وأنه سيظل دائماً بحاجة إلى التعديل والتحرير .
 

يبدأ الكتاب على غير المتوقع بخاتمة ثانية ثم خاتمة أولى وينتهي بالمقدمة " مقدمة الكتاب ".. يأتي بعد الخاتمين المتن (مابعد قصيدة النثر) وهو مبحث من جزئين كتبه الباحث من فترة طويلة وبنيت على أساسه فرضيات عدة وهو يطرحه في الكتاب بصفته قابلاً للنقاش والبحث فيما تبقي منه . ويلي المتن مباحث : لعنة الافتراض : الرقمية بين إشكاليتي :: الورقية وهدم الأطر والرؤى الفلسفية . ثم مبحث : الحداثة اللامتناهية الشبكية .. نافذة على فوضى الكائنات ـــ مالايعنية اللاتناهي الشبكي ..صراحة الفضيحة ووهم العمق أو الحياة بوصفها إشاعة ـــ الحداثة ومابعدها .. تفاوض غير مجد ٍ ــــ اللاتناهي الشبكي ..انهيار المثقف وبروز مجتمع مابعد الإعلام ومابعد الاستهلاكـ ــــ الفن اللامتناهي الشبكي ــــ ماقبل بعد مابعد الحداثة ــــ جدليات اللامجتمع ..اللامجتمع الافتراضي ، المعتمد ، المتون اللامتوازية ــ ملحقات ، صدمة بودريار ، بيان النص الجديد . ـــ المقدمة . 
 

الكتاب من إصدارات مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة ويجيء ضمن اهتمامات المؤسسة بمناقشة وترجمة ونشر الأعمال الأجد على كل المستويات . 
والأجد في هذا الكتاب أنه يمكن للقارئ أن يبدأ بقراءته من أي فصل أو مبحث يريد.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً