السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
المنامة - ثابت العقاب
الساعة 13:23 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


عندما انتهيت من الكتابة عن إب قررت ان اتوقف عن القراءة و الكتابة في شهر رمضان المبارك وان ابتعد عن ما يدمي القلب من اخبار الموت والقهر و العجز والتعب واتفرغ فيما بقي من أيام للعبادة والذكر بيد انه ما لبث ان استبد بي الشوق للكتابة فاحترت بين الكتابة عن صنعاء أو المدينة المنورة ..
لكن المنامة وقفت أمامي بكامل زينتها وتوهجها وأناقتها  .. سرقتني من وقاري .. من سنوات عمري الأربعين .. نكأت الذكريات .. قربت الجراحات وطبق الحلوى الشهير وورقه وقلم ونسيت المسافة الفاصلة بين حضوري وغيابي .. نسيت فنجان القهوة الذي يعرج بي كل صباح  إلى سدرة الحب ويصلبني كل مساء على جذع القصيدة وصليب المعنى .. 
أرتدت أجمل ما عندها من الفساتين المطرزة باللؤلؤ والمرجان وتزينت بالحلي وتعطرت وتبخرت واقبلت وكأنني الزائر الأول والمحبوب الأول الذي هبط من السماء على قلبها وكانها حورية البحر الوحيدة في الكون ..
تملكني الخوف وأنا أنظر إليها كنبي خرج في الحال من الغار وحيدا يخاف من ظلم ذوي القربى و يخشى ان تكذبه الصافنات الجياد و ان تخذله المفردات ويخونه المعنى ويصيبه الوهن في مقتل أمام مدينة تُرى و لا تُحس و تُحس ولا تُرى على رأي ليونارد ديفنتشي ..
وسط فوضى التفكير و لعنة المواعيد واجراس خطوات الخيبات وجدت نفسي على سبيل الوحي اكتب ما يقول البحر وارسم موجة تتلوها موجة واستثني العناوين الجديدة  .. و اتسائل ..
كيف ارتب الأيام ؟ وكيف اعيد الوقت إلى عينيك كي يخضر ما تبقى من العمر؟
كيف اعيد للنايات صوت التفاصيل الصغيرة؟
كيف اجمع ما تبقى من ضباب الذكريات؟
هنا المنامة  .. وهناك سماؤها الأولى ..
وهذي الريح بوصلة الحكايات الجميلة .. وأنا ..
هل علي ان اصف الرحلة من الرياض إلى المنامة برا ام ستعده أيها القارئ الكريم هروبا من مواجهة البحر والكتابة عنه بما يليق بجلال المعنى وعظمة الدهشة وجنون التوالي وشعور الضياع بين الاحجار الكريمة والشعب المرجانية ..
الرحلة إلى البحرين تمتد عبر كثبان الرمل وقلوب العذارى وجسر الملك فهد واشرعة السفن وهي تلوح من بعيد وكأنها ترد التحايا بدفء وترقص على أصوات الموسيقي القادمة من نوافذ السيارات المشرعة على البحر  ..
المنامة مدينة تكاد ان تكون تمرد على قوانين اليابسة وعادات وتقاليد البحر  فقد نبتت من الماء لذلك هي في المساء عطر وفي الصباح لوز وفي الظهيرة عنب .. وما بينهما تذكرة سفر نحو عالم الأحلام والأماني  ..
كانت الساعة المعلقة على جدار مطعم الريتز كارلتون تقترب من العاشرة صباحا والديك لم يصحو بعد وبطرس قد قال كذبته الثالثة.. السماء والبحر والشمس والزمن وقلبي لوحة واحدة.. ما تبقى من النوم تبخر مع دخان السيجارة الأولى  .. الاشياء تمضي والرتابة تنساب باتجاه البحر والملل يغادر باتجاه الموج والظلال في الخارج ينحسر والمرايا في الداخل تكاد ان تكون انثى شرقية ..
كان المطعم يطل على مجموعة مسابح ومنتجع يكاد يكون الارتب والاجمل من بين فنادق كثيرة زرتها .. احسست بقرب البحر شممت رائحته سكنتني المجامر المشتعله بالبخور.. صدى موسيقى يأتي ويذهب .. همس .. بوح .. احاديث صباحية مازالت بحاجة إلى فيتامين د ..
صديقي رياض من عشاق السباحة ومن عشاق المغامرة و من عشاق التزلج على الجليد
 ومن عشاق اجتياز الرمال والعروق ..
شعرت ان الروح المبعثرة تلملمت وان الشتات الذي يستعبد النفس قد رحل وان الذكريات تلوح .. تبرق وان القصيدة التي كادت ان تموت داخلي تتنفس وان حرب الخيالات والاحلام قد انتهت وان الضحكة التى هجرتني ذات مساء تجلس أمامي وان الثلاثين ربيعا التي قضيتها من حياتي لم تكن سوى لحظة عابرة ..
كانت اشعة الشمس تتداخل بين سعف النخل وظفائر الجميلات وكان الماء ازرقا وكأنه انعكاس لكثرة العيون الزرقاء ..
المنامة مدينة عندما تراها من السماء تعتقد أنها جوهرة في بطن الحوت وعندما تراها من قاع البحر تعتقد نجم معلق في سماء الله .. مدينة تنفتح على عالم البحار والشعب المرجانية تحتوي بذراعيها المدينة ..
في البحرين تلتقي الحياة وتندغم الأبراج السماوية بالأبراج الأرضية وتلتقي النار بالماء والتراب بالهواء وسمك القرش بالقطة الاليفة والسني بالشيعي والرقص بالغناء والناي بالربابة ..
البحرين مدينة لا تخضع لقوانين المواسم والفصول فهي المطر وهي الرعد وهي السحاب وهي العواصف الاستوائية أنها أقرب إلى ان تكون منحوته مائية  .. 
البحرين مجموعة مدن قارب الله بينها و بين اسفارها .. تغزل كل مساء دورة المواعيد الصاخبة وكل صباح تحضر قران المستحيل مع الجنون .. تبعث فيك الاسئلة وتتمنع عن الإجابة تدفعك إلى التحليق في الفضاء وتأبى ان تلقنك دعاء السفر   ...!!!

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص