الاربعاء 13 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
قصة قصيرة
رجل نصف مستفز ... - عبدالرقيب طاهر
الساعة 12:22 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

 

رمى من فمه بقايا علكة كان يمضغها ، أخرجتُ من جيبي منديلاً ، التقطها من الممر المؤدي الى مدخل ( الكافي شوب ) و قذفتها في برميل كان مخصصاً لوضع النفايات بالقرب من باب المحل ...

لم أعرهُ أدنى إهتمام واوصلت حديثي مع عامل المقهى .
من فضلك ياعزيزي واحد ( كبتشينو ) بالحليب وبعض قطع من ( الدونات) المحلاه بالسكر ...

نظر الرجل إليا شزراً و قال بتقزز لو كان لديا قطعة أخرى من العلكة لمضغتها مرةً أخرى ورميتها هنا مادامك تحسن التقاط المخلفات .....

كنت مُسمراً بصري ناحية عامل المقهى وقلت بصوت منخفض دون أن التفت إليه و أنا سأظلُ أحملُ كل قطعة تقوم بقذفها من فمك لأ ضعها في سلة الزبالة ..

أبتسم إبتسامة صفراء وأردف قائلاً : أعتقد بأن هذا الوطن ليس وطنك وليس هذ المكان هو مسقط رأسك لتظهر له كل هذا الحب والولاء ، وتابع حديثه في إستعلاء ، كان من الأحرى بك إظهار هذه الوطنية ( الزائفة ) أقصد الزائدة في بلدك و الحفاظ على وطنكم وليس التفاني في حب اوطان الآخرين ...

تناولت قهوتي من ( الجرسون ) الذي تفضل بتقديمها لي مصطحباً مبلغ الفاتورة ...

دسست قطعة النقود في جيب سترته ، ثم همستُ في أذنه عليك بخصم حسابي وحساب هذا الرجل القاعد أمامي والباقي بغشيشاً لك .

أرتشفت رشفة كاد صوتها يصل إلى مسمعه وأنا أدسُ في فمي قطعة من ( الدونات المحلاه بالسكر ) والتهمها بشراهه .

ومن ثما صوبتُ بصري ناحيت الرجل مباشرتاً وقلت له ياعزيزي حب الأوطان من الإيمان وكما قال الشاعر بلاد العُرب أوطاني ، وهذا هو وطني الثاني الذي مضى لي عقداً من الزمن فيه قضيت فيه أجمل سنوات عمري ..

فكيف لي أن لا أحبه ؟ !!
ياصديقي العزيز أتعلم ....؟
قاطعني فوراً وهو يخرج من جيب سترته حبة سجارة من النوع الفاخر ويضعها في فمه من أين أنا صديقك ؟! وأردف قائلاً في تعالي وهل تعرفني من قبل ؟!!

أربكتني مقاطعته و غلاظة رده بعض الشيء حتى كدتُ أن أتلعثم قليلاً في حديثي معه ، إلا إني تماسكتُ نفسي وقلت في هدوء تام ....

هل بإمكاني أن أناديك يا أخي ؟ هز رأسه رافضاً أيضاً ....

ابتسمت إبتسامة صغيرة وقلت إذن سادعوك ياعزيزي أعتقد لن ترفضها هي الأخرى .....

تابعتُ حديثي وكأن شيئاً لم يحصل ، فما كان منه إلا إن رضخ لي أمام هدؤ و برود أعصابي ........

قلت له أعتقد بأنك لم تزر بعض عواصم ومدن العالم ، وإلا لكان طريقتك في التعامل معي أختلفت قليلاً ، قاطعني مرة أخرى بل طفتُ كثيراً من دول أورباء وبعض مُدن شرق آسياء ..

وضعت قهوتي على المنضدة الفاصلة بيننا ومن ثما قلت له بنبرة أقرب لتهكم قليلاً ، يبدُ أن أحدهم تعامل معك بطريقة عنصرية سيئة هناك أليس كذلك ؟!

أجابني على الفور لا بل قُوبلت بكل حفاوة وترحيب ولقيتُ ك حسن الإستقبال والمساعدة أيضاً ..

* إذن ياعزيزي أليس من المهم أن نكون أفضل منهم أو مثلهم على الأقل ..؟!! قلت له .

إن وجود الكثير من الناس في بلدٍ مآ أكانوا أيادي عاملة أو زوار لغرض السياحة أو غيرها ، فهم بمثابة نهظة إقتصادية للبلد المضيف فيها ، وعنصر مهم في البناء والعمران للبلد المضيف ، و من يدعي حب بلده فعليه التعامل مع ضيوفه بأسلوب أكثر رُقي وحترام .. ..

أقتربت منه قليلاً لأقول له حب الوطن ليس مجرد شعار أو قصيدة نقرأهُ أو قطعة قماش نعلقها على سارية العلم لنقبلها كل يوم في طابور الصباح ....

حب الوطن سلوك ينبغي أن ينعكس على كل جوانب حياتنا ..
حب الوطن أخلاق يجب أن تظهر في كل جوانب ونواحي حياتنا ، حب الوطن نور يشع من قلوب أبنائه المخلصين ليضي به كل من يريد أن يمد يده ليساعدهم على نهضته وبنائه .....
الوطن ليس مجرد قطعة أرض حدودها الجهات الأربع ياعزيزي الوطن هو انا وأنت وهم ، فالوطن بدون قاطنيه يصبح صحراء جرداء وبدون أخلاق يصبح مكان غير صالح للعيش ..

لعلك وجدت ياعزيزي في تلك الدول الغربية كم سبقونا بملايين السنوات الضوئية ، ليس لأنهم هم أولى مننا بل لأنهم حبوا أوطانهم وعملوا بكل إخلاص وتفاني من أجل رفعته وعزته ، لذا فقد أستحقوا هذه المكانة التي وصلوا إليها ..

تعاونوا مع الآخرين بدون عنصرية وستعملوا كل القادمين إليهم ليضعوا الشخص المناسب في المكان المناسب ليستفيدوا من خبراتهم ومن طاقتهم في بناء أوطانهم ..

هذا هو الفرق بيننا وبينهم ياعزيزي ، كان الرجل يصغي إليا بكل تفاني شاعراً بفداحة عمله الذي أرتكبه معي منذُ قليل ..

نهض فجأة ليقبل رأسي معتذراً عما بدر منه ومستسمحاً بخجل منقطع النظير ..

تعانقنا على نخب الوطن وتبادلنا أرقام هواتفنا بعد أن سكن الحب قلبينا وثالثنا الوطن ...

دونتُ رقمه بعد أن أعطاني إسمه الرباعي وقلت له ممازحاً يكفي أن أدون إسمك في جوالي بالرجل المستفز ..
قهقه ضاحكاً وقال بل نصف رجل مستفز ياصديقي ..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً