خلال لقاء خاص مع قناة "العربية"، قال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إن العملية ضد المسلحين المتطرفين في العراق وسوريا ستستغرق وقتاً، مؤكداً: "نريد لشعوب المنطقة أن تحيا في سلام".
وكشف كيري عن وعود من بعض الدول الخليجية بقطع التمويل عن الجماعات المتطرفة، مشيرا إلى أن تركيا تعهدت كذلك بمنعهم من التسلل عبر أراضيها.
وأضاف: "حصلنا على ضمانات هامة من جميع الدول التي حضرت اجتماع جدة. كل الأطراف في الوقت الحاضر تتعرض لضغوطات ومخاوف مختلفة إلا أن الجميع اتفق على أن علينا إغلاق الحدود ووقف تدفق المقاتلين الأجانب. ومعظم هؤلاء قدموا ليقاتلوا نتيجة لأفعال الأسد تجاه شعبه".
وتابع: "حصلنا على ضمانات بشأن وفق تدفق المقاتلين الأجانب كما تمويل المتطرفين وتدريبهم عسكريا والسيطرة على الحدود وحتى العمل العسكري المباشر".
نص المقابلة الكاملة

العربية: وافق الكونغرس على صفقة المساعدات للثوار السوريين، ما الذي سيعنيه ذلك مباشرة على الأرض؟
جون كيري: لن يعني الكثير بشكل فوري، هذه عملية سوف تستغرق بضعة أشهر. ولكن معناه الفوري هو رفع معنويات وإدراك الناس المعنيين بهذه العملية وبأنها ستستغرق بعض الوقت، وبأن العملية سوف تتكثف أكثر وسوف تصبح مفتوحة ليراها الجميع. وتعني أيضا أن الناس يدركون أن المسألة لا تخص أميركا فقط، فهي مسألة تخص سكان المنطقة وتمس بمصالح الدول الإقليمية، وبأننا مستعدون للمساعدة. نحن لن نتواجد هناك بطريقة تبدو وكأننا نعود إلى العراق كما حدث في السابق. نحن لا نريد ذلك، وسكان المنطقة لا يريدون ذلك، نحن ندرك ذلك. ولكن لا يمكن لأحد أن يتسامح مع الإهانات الموجهة للإسلام التي يمثلها "داعش".

العربية: زرتم جدة، واجتمعتم مع الدول الرئيسية هناك. هل حصلتم على ضمانات قاطعة بأن الأتراك، على سيبل المثال، سوف يسيطرون بالفعل على حدودهم ويوقفون تسلل الجهاديين إلى سوريا؟ هل حصلتم من دول الخليج، وتحديدا قطر والكويت، ضمانات بأنها ستوقف تدفق المساعدات المالية الخاصة لداعش وجبهة النصرة؟
جون كيري: لقد حصلنا على ضمانات هامة من نوع آخر من جميع المشاركين. كل دولة تتعرض لضغوط مختلفة ولديها اهتمامات مختلفة في هذه الفترة، ولكن بالتأكيد كل هذه المسائل كانت مطروحة على الطاولة. يجب أن نغلق الحدود، ولا يمكن أن نقبل تدفق المقاتلين الأجانب الى تلك الدولة (سوريا)، ومعظم هؤلاء أتوا بسبب الطريقة التي عامل فيها الأسد شعب سوريا. إذا هم جاؤوا ليحاربوا وليقاوموا، ولكن للأسف انقلب الوضع بطريقة خطيرة وبشعة للغاية. ولكن هناك ضمانا للمساعدة لوقف وصول المقاتلين الأجانب، وضمانات بشأن التمويل والسيطرة على الحدود وحول الدعم العسكري والمساعدات والتدريب، وحتى المشاركة العسكرية المباشرة.

العربية: هل ترى دورا عسكريا لبعض دول الخليج مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية وغيرهما؟
جون كيري: هم يرون ذلك، هذا لا يتعلق بتصوراتنا نحن، ولكننا نرحب بالدعم الكامل للكثير من الدول. هذه ليست مسؤولية دولة واحدة، أو تحرك في مكان واحد، هذه مسؤولية دولية. وهذا النوع من الإرهاب يهدد كل الدول. يهدد النساء والأولاد والاستقرار والمستقبل. من الصعب أن ينمو الاقتصاد في دولة وسط هذا النوع من الاضطرابات والفوضى. إذن للجميع مصلحة في وقف الناس من ارتكاب حرب إبادة، وتكبيل الأيادي خلف الظهور.
اغتصاب النساء وبيع الأطفال.. كلا، هذا غير مقبول وقف أي مقياس للسلوك، ومن المهم للعالم الإسلامي بكامله أن يستعيد شرعية الإسلام. مفتي عام المملكة العربية السعودية قال إن داعش هي العدو الأول للإسلام.
أنا أعتقد أن الجميع يدرك ذلك، أي أن ما نحاول أن نقوم به يهدف لتوفير القدرة على إحلال السلام والاستقرار، وتشكيل الحكومات التي تمثل الجميع. نحن لا نريد أن نرى الانقسامات المذهبية.. نحاول أن نرى ما إذا كانت هذه هي اللحظة التي تستطيع فيها شعوب أن تتضامن للمساهمة في بناء المستقبل.

العربية: لقد تحدثتم مع إيران بشأن داعش، أين تقف إيران في هذه المواجهة؟
جون كيري: داعش عدو لإيران، وإيران مهددة من قبل داعش. ومن الواضح أن لإيران مصلحة في عدم السماح لداعش بمواصلة عملياتها الراهنة. نحن لسنا الآن في وضع يمكن أن ننسق فيه مع الإيرانيين بطريقة ما، ولكننا منفتحون على التحاور. نحن منفتحون على التفاهم حول كيفية رؤيتهم لما يمكن أن يقوموا به بشكل بناء.

العربية: ولكنكم لا تزالون تشعرون بالقلق لنفوذ إيران ودورها...
جون كيري: بالتأكيد..

العربية: في الشؤون السياسية الداخلية في العراق؟
جون كيري: بالتأكيد، وليس فقط بالنسبة للشؤون السياسية الداخلية في العراق، بل أيضا بالنسبة لما يحدث في سوريا. وأنا أقصد دعم حزب الله والعمل معه، والذي لم يعد الآن منحصرا في لبنان، بل انتقل إلى سوريا وأصبح مشاركا نشيطا في القتال لصيانة الأسد وأصبح جزءا من المشكلة.
إذن علينا أن نتواصل.. ولكن دعني أقول بوضوح: نحن لا نؤمن أنه في نهاية المطاف هناك حل عسكري في سوريا. يجب أن يتم التوصل الى حل سياسي، وأن يوفر هذا الحل السياسي حماية مصالح الجميع، جميع الأقليات يجب أن تحظى بالحماية: الدروز والمسيحيون والعلويون، ويجب أن يتمتع الجميع بالتمكين.
ولسوريا تاريخ طويل كدولة علمانية منفتحة على الناس. وبصراحة، فإن الأسد بهجماته المذهبية ضد الشباب الذين يريدون أن يتوفر لهم مستقبل أفضل، قد تسبب بمثل هذه الاضطرابات الرهيبة والقتل والتدمير.

العربية: هل بالإمكان هزيمة داعش في سوريا، دون مواجهة قوات الأسد، وفي الوقت الذي تقول فيه المعارضة السورية نحن نحارب داعش والنصرة، ولكننا في الوقت ذاته نحارب الأسد ونريد التغيير؟
جون كيري: في هذه اللحظة، الطرف الوحيد الذي يحارب داعش شرعيا هي المعارضة السورية، المعارضة المعتدلة. والمعارضة المعتدلة هي التي طردت داعش من محافظة إدلب، وهي تحارب داعش في حلب، وتحارب في ضواحي دمشق. إذن إذا كنا نساعد هؤلاء الناس الذين يساهمون في هزيمة داعش، فإنه يبدو لي أنه سيكون لذلك أثر في خلق ديناميكيات جديدة في سوريا نفسها.

العربية: تتحدثون دائما عن إنهاك داعش أولا ثم هزيمتها لاحقا. ما الذي يعنيه "هزيمة" داعش؟ هل نتحدث عن القضاء على قيادتها؟ هل نتحدث عن قتل أبوبكر البغدادي؟ هل نتحدث عن طردهم من الموصل والرقة؟
جون كيري: ما نتحدث عنه هو تدمير قدرة داعش على القيام بعمليات إرهابية في دول المنطقة، وتقليص قدرتها على تهديد استقرار العراق، وتقليص قدرتها على تهديد سوريا، والولايات المتحدة وإيران، كل هذه الدول. طبعا، قد يبقى هناك بعض الناس الذين يسمون أنفسهم أنصار لداعش. ولكن المسألة الأساسية هي إنهاء قدرتهم على أن يبقوا تهديدا إرهابيا للمنطقة، أو أن يهددوا العالم من المنطقة، وخاصة من سوريا والعراق.

العربية: هناك تركيز كبير على الأكراد، تسليحهم وتزويدهم بالعتاد ومساعدتهم. هل لديكم شكوك أو قلق كولايات متحدة بأن ذلك يمكن أن يعجّل بعملية حصول الأكراد على حقهم بتقرير مصيرهم أو حتى إعلان الاستقلال؟
جون كيري: إذا قامت قيادة العراق بخلق العلاقة المناسبة والقابلة للتحقيق، عندها أعتقد أن كل هذه الطروحات والتمخضات سوف يتم حلها. النقطة الأساسية هي مسألة الشمولية، وفي الوقت ذاته إعطاء الناس مستوى معينا من الحكم الذاتي لكي يستطيعوا اتخاذ قراراتهم، وأن يبقوا في الوقت ذاته جزءا من البلاد. أعتقد أن ذلك أمرا ممكنا، ومن الواضح أننا نأمل بحدوث ذلك. ولكن الأكراد والبيشمركة كانوا محوريين للغاية في المساهمة بوقف تقدم داعش. وفي الواقع فإن بغداد، وأطراف أخرى داخل العراق ككل يجب أن يقولوا شكرا للبيشمركة الذين لعبوا دورا مركزيا في القتال الدائر حول سد الموصل، والحفاظ على خط القتال ومنع داعش من التقدم باتجاه اربيل. تخيل لو وقعت كل كميات النفط تحت سيطرتهم. إذن، يبدو لي أن هناك إيجابيات نتجت عن هذا الأمر، يجب أن يتم احترامها والاعتراف بها من قبل القيادة في بغداد.

العربية: ما الذي ترغب أن تراه في نهاية المطاف كإنجاز لإدارة أوباما في سوريا والعراق؟ من الواضح أن هذه الحكومة سوف تورث الحرب مرة أخرى الى الحكومة المقبلة، لأننا نتحدث هنا عن مواجهة طويلة..
جون كيري: نحن نؤمن بالعمق، وأنا أؤمن أن ذهابنا الى العراق في البداية، أي حرب العراق كان خطأ هائلا. إنه أمر معروف إنني اعتقدت ذلك لأنني ترشحت للرئاسة ضد جورج بوش وأوضحت خلال تلك الفترة ما كنت أشعر به تجاه تلك الحرب. ولكننا الآن في هذا الوضع. الولايات المتحدة تريد أن يكون العراق دولة قادرة على السيطرة على مصيرها. نريد كل دولة في المنطقة أن تكون قادرة على صيانة سيادتها واستقلالها وحرمة أراضيها، ونريد شعوب تلك الدول أن يحظوا بالاحترام وأن تتوفر لهم الفرص والكرامة وأن يستطيعوا العيش بسلام.
نحن نؤمن أنه لا يوجد هناك حل عسكري لهذه المشاكل. هذا يجب أن يتحقق من خلال قيادات توافق على احترام شعوبها وأن تشكل حكومات تعمل من أجل الجميع. وهذا يمكن أن يحدث في سوريا أيضا. وهذا ما يحدث الآن في العراق. قادة العراق يستحقون الاحترام الكبير لأنهم شكلوا حكومة في ظل ظروف صعبة للغاية، حكومة تعهدت بأن تكون موحدة وشاملة لمختلف الأطراف، وأن تحترم حاجة الجميع لأن يكونوا جزءا من صنع القرارات في تلك البلاد. هذا ما نريده.
نحن لا نريد أن نكون هناك، نحن لا نريد جنودنا أن يكونوا هناك. نريد أن تكون هذه الدول شركاء لهم أهميتهم في المصالح الاستراتيجية للسلام والاستقرار.

العربية: كان هناك قلق في المنطقة من أن الولايات المتحدة سوف تركز اهتمامها على آسيا، أو ما سمي بـ"التحول إلى آسيا"، أو أن الولايات المتحدة تدير ظهرها للشرق الأوسط، خاصة وأنها تنتج المزيد من النفط، هل شعرت ببقاء هذا القلق؟
جون كيري: بالتأكيد

العربية: هل حاولت معالجته؟
جون كيري: فعلت ذلك. نعم سمعت الكثير من هذا عندما استلمت منصبي. أنا لم استخدم أبدا كلمة "التحول". أعتقد أنها الكلمة الخطأ لأن "التحول" يعطي الناس الانطباع أنك تدير ظهرك لهم وأنك لا تفعل أي شيء. ما نفعله هو إعادة خلق التوازن. نخلق التوازن بطريقة تجعلنا نهتم بالمنطقتين، وأن نقوم بكل ما يجب أن نقوم به. بالطبع، إذا نظرت الى جدول نشاطاتي، فأنا قمت بزيارات عديدة للشرق الأوسط، لا أعرف عددها. ولقد عملت بجهد على قضايا المنطقة. وهي قضايا غير قابلة للزعزعة. وفي الوقت ذاته قمت بخمس أو ست زيارات الى آسيا والصين وفيتنام والفيليبين وماليزيا وإندونيسيا وبورما واليابان وكوريا. إذن نحن ننشط وبالعمق في المنطقتين ونحن نعمل على المساعدة في خلق المزيد من الاستقرار، وتقليص النزاعات والمواجهات في المنطقتين. أريد من الناس الذين يشاهدون "العربية" أن يركزوا اهتمامهم على منطقتهم. الشرق الأوسط يمكن أن يكون منطقة قوية اقتصاديا. هناك مواهب هائلة، وهناك فرص ضخمة في المنطقة، وإقبال كبير على التعليم، وخلق الوظائف والنمو والتنمية والطاقة، ومشاريع المياه، والزراعة وغيرها. هذه هي الأشياء التي نريد أن نعمل معا بشأنها، وليس حول كيف سنسلح هذا الفريق أو كيف سنحارب ذاك الفريق.
على الناس أن يدركوا أن مستقبلهم يتعرض للسرقة من قبل هؤلاء المتطرفين الذين يبشرون فقط بمفاهيم متطرفة حول نمط حياة الناس، وهم يقولون للناس كيف يجب أن يعيشوا، ولكن دون يوفروا الوظائف أو التعليم أو العناية الصحية أو أي أمل أو رؤية للمستقبل. إذن هذه لحظة الخيار، ونحن نأمل أن يشاركنا أصدقاؤنا في الشرق الأوسط في اغتنام المستقبل وأن يرفضوا هذه المحاولات للعودة الى ماض سحيق من النزاعات والقتل والقهر.