الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
إلى أطفال الحرب - سهير السمان
الساعة 15:38 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

كان الموت يطل على استحياء ، كان خجولا ، ونحن كنا أطفالا لا نعرف شكله أو هيئته إلا حين يستدعيه كبار السن بعد أن يملوا الحياة، وكنا نعتقد أنه لا يحمل معه سوى من طمست السنين معالم وجهه ، ومن لم يقو على حمل رجليه ليكمل مشوار الحياة ، فنادرا ما نسمعه على ألسنة الناس، ولكنه الآن كسر ذلك الجدار الذي كان يختبئ وراءه بل أصبح لا يشبع لم يكتف 
بالكبار بل أصبح يجري خلف الصغار ايضا 
أنا يا أمي من كنت صغيرا لا أفكر بالموت ، بل أصبح الموت يفكر بي وأنا ألعب في الشارع، أوحين أتجه إلى المدرسة.
في الصف الخامس الابتدائي رأيت الموت لأول مرة يحمل جدتي بعيدا عنا ، بعد أن سرق بريق عينيها، ورائحتها الجميلة ، كانت راقدة على الفراش تستقبل من يزورها بإيماءة من عينيها الزائغتين، وبتلك الغمامة السوداء فيهما، وكان جسدها لا يفرز سوى رائحة المحاليل، والأدوية، و قطرات من الماء فقط ما يدخل جوفها، في جسد نحيل التصق جلده بالعظم، هل هذا هو الموت نعم هذا شكله الذي حقدت عليه حينها، حقدت عليه بعد أن رأيت شكله وهيئته على جسد جدتي، وحملها بعيدا عنا. رأيته لصا انتهز فرصة نومنا ليأخذها خلسة. 
ولكنه الآن لم يعد ذلك الموت الذي عرفته، أو ذلك اللص المختبئ، بل اصبح بشكل وهيئة أخرى يحصد الأرواح دون انتظار أو روية، لا يفرق بين كبير أو صغير، أو بين سليم أو مريض، بل أصبح الآن يختار الأطفال بكل جدارة وجرأة، فأنا لم أجد صديقيّ معي نهاية هذا العام الدراسي لنذهب سوية إلى المدرسة لأخذ نتيجة الشهادة الإعدادية، بل ما وجدته هو صورته المعلقة ضمن قتلى جبهة القتال. بينما الآخر قبله قنصته رصاصة كانت تعبر الشارع كالمارة.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص