الاربعاء 27 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
ملامح - وليدالعليمي
الساعة 14:44 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

ملامح فتاة ، لاتشبه أحد ، وليست كفتيات جيلها ، وهي لا تنتمي إلي أي أسرة ، أوقبيلة ، ملامح تنتمي لذاتها فقط ،وفي نفس الوقت تنتمي الي الجميع،  عندما أدركت العالم من حولها ، وجدت نفسها تسكن في دار لرعاية الأيتام ، كانت لاتعلم من يكون أباها ، ومن تكون أمها ؟ ولاكن في سجلات دار رعاية الأيتام ، كُتب بجوار إسمها "ملامح المنتصربالله " ، لم ترى أبدا ً ، هذا المنتصر بالله ،  عندمابلغت  السابعة من عمرها ،كانت تسأـل مربيتها في الدار بشكل شبه يومي ( أين أبي وأمي  ؟ )  كانت المربية تجيبها دائما ً ( لقد رحل أباك وأمك الي الحياة الأخرى) ، وعندما بلغت الحادية عشرة ، بدأت ملامح الحياة تتشكل عليها ، ومضغها الألم ، والقهر ، مبكرا ً ، عندما وصفتها صديقتها في المدرسة ذات يوم ( باللقيطة ) ، يومها عادت الي الدار وبركة من الدموع تبلل خديها ، ورفضت تناول العشاء ، وفي صباح اليوم التالي ، سألت مربيتها قبل أن تذهب الي المدرسة ( هل حقا ً أنا لقيطة ؟ ) ثم غادرت مسرعة بدون أن تتلقى الإجابة ، التي تلاشت في الهواء قبل أن تصل إلي مسامعها ، إرتسم قهر الزمن على ملامحها وعلى تقاسيم وجهها البريء مرةأخرى، عندما نعتتها مربيتها في الدار  بنفس الكلمة التي سمعتها من صديقتها في المدرسة ، بعد أن دهست تلفون المربية النقال بقدمها بدون قصد فتهشم ، إعتصرها الألم هذه المرة  وكان كثعبان إلتف حول عنقها ، هاهي تسمع هذه الكلمة مرة أخرى ، ومن من ؟ من مربيتها ، لقد قيدها الحزن تلك الليلة  ، وألقى بظلال الأرق عليها ، فلم يغمض لها جفن ، وتساقطت دموعها بلا إستئذان ، والتي                                    
كانت تحاول أن تطفأ نارحزنها ، وسعيريأسها ، لقد رسم الليل ملامح سواده عليها تلك الليلة ، فتعاظم يأسها وقهرها ، حتى قارب قمم الجبال ، وأستوطن الهم قلبها ، فأعمى بصيرتها ، وأختطف عقلها الغض ، وألقاه في مغاراته المظلمة ، السحيقة ،  فأمتدت يدها البريئة ، بسكينة الخلاص ، فقطعت وريد معصمها الأيسر ، وغادرت الدماء شرايينها المتعبة الرقيقة ، وكأنها هي الأخرى تريد أن تمد لها يد المساعدة ، وتطفأبركان حزنها ، وغضبها ، فأنسكبت بغزارة شديدة ، راغبة ً في الخروج من جسدها ، لتمنحه الراحة الأبدية ، ولاكن كان للسماء رأياً أخر ، فقد قدمت  المربية ، الي غرفتها ، لتعتذر لها عن ماحدث ، ونقلتها الي المستشفى في الوقت المناسب ، غادر الموت ، غرفة "ملامح" ، في اللحظات الأخيرة ، بعدأن أشهر سيفه المسلول ، وهمّ بذبح حياتها المثخنة بالجراح ، كان ينوي هو الأخرمديدالعون لها ولاكن على طريقته ، وبعد أن مكثت ملامح أسبوعا ًكاملا ً في المستشفى، تم إعادتها الي الدار بعد إستقرار حالتها ، بعد هذه الحادثة بعدة أيام ، قررت "ملامح "الهروب إلي المجهول ، فوضعت بعضاً من ملابسها  ، في حقيبتها المدرسية ، وغادرت  "دار رعاية الأيتام " ، وسارت على قدميها مسافة  طويلة  حتى غادرت المدينة ،شعرت ملامح أنها غادرت الماضي ، وتنفست الصعداء ، نظرت خلفها وشاهدت أطراف المدينة  تتوارى  خلف الأفق البعيد ، ومعها توارت الذكريات ، ومعاناة  الألم والقهر ، مضت ملامح ، بلا هدف ، وبلاتفكير ، وأدركت أنها لم تعد تعرف من تكون ؟، هل هي ملامح الشتاء القارس ، الذي رسم ، زمهريره ، وبرودته ، على الوجود ، 

وعلى الوجوه ،والطرقات ، والأماكن ، أم هي ملامح الصيف ، الحار ، والملتهب ، الذي يرسم ، غليانه ، على السحب الكثيفة ، فيسكب أمطار الغضب والثورة ، والجنون ، أم هي ملامح الربيع ، الهادئ ، والمنعش ، والوضاء ،الذي يرسم ، عبيرأزهاره ، عطورا ً ، على وجه الزمان  ، والمكان ، وصفحات الأمنيات ، والذكريات ،  أم هي ملامح الخطيئة ، التي إقترفها العقل البشري ، الموغل في اللاوعى ، وفي الأثم ، و العمى ، والسقوط المريع ، أم هي ملامح عصرالإستبداد ، والظلم ، والقهر ، والتسلط ، وإنهيار، القيم ، والمثل ، والمبادئ ،  لقد حكم كل من يمت  لملامح بصلة ،عليها بالخراب ، وأصبحت يمامة تائهة تحلق في سمائه ،الملبدة بالغيوم ، إنه لجوئهاالأخير الي فضاء الحياة ، الذي صنعها ، أغنية ًحزينة منكسرة، على شفاه الفجرالموشى ، بالمعاناة ، والألم ، والرحيل ، مدت ، ملامح، يدها ،الي حقيبتها المدرسية ، وأخرجت بعض أدوات الزينة ، التي سرقتها ،من غرفة ،مربيتها ، ثم زينت ملامح وجهها الطفولي ، بمساحيق التبرج ، ثم خلعت غطاءرأسها ، وحلت ضفائرها ، وألقت بحقيبتها المدرسية ، على جانب الطريق ، ثم توقفت تلك السيارة ،التي لوحت لها ملامح بكف يدها الرقيق والبريء ، وعندما إستقرت بداخلها ، لم تعد تشعر أنها ملامح ، بل شعرت أنها وطن ، غدربه أبنائه ، وجعلوا منه وطن بلا ملامح ، يسير إلي المجهول ، ليقبع في المنفى ، ثم يذوي ، ويموت ، وحيداً .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص