الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
ملامح - وليدالعليمي
الساعة 14:44 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

ملامح فتاة ، لاتشبه أحد ، وليست كفتيات جيلها ، وهي لا تنتمي إلي أي أسرة ، أوقبيلة ، ملامح تنتمي لذاتها فقط ،وفي نفس الوقت تنتمي الي الجميع،  عندما أدركت العالم من حولها ، وجدت نفسها تسكن في دار لرعاية الأيتام ، كانت لاتعلم من يكون أباها ، ومن تكون أمها ؟ ولاكن في سجلات دار رعاية الأيتام ، كُتب بجوار إسمها "ملامح المنتصربالله " ، لم ترى أبدا ً ، هذا المنتصر بالله ،  عندمابلغت  السابعة من عمرها ،كانت تسأـل مربيتها في الدار بشكل شبه يومي ( أين أبي وأمي  ؟ )  كانت المربية تجيبها دائما ً ( لقد رحل أباك وأمك الي الحياة الأخرى) ، وعندما بلغت الحادية عشرة ، بدأت ملامح الحياة تتشكل عليها ، ومضغها الألم ، والقهر ، مبكرا ً ، عندما وصفتها صديقتها في المدرسة ذات يوم ( باللقيطة ) ، يومها عادت الي الدار وبركة من الدموع تبلل خديها ، ورفضت تناول العشاء ، وفي صباح اليوم التالي ، سألت مربيتها قبل أن تذهب الي المدرسة ( هل حقا ً أنا لقيطة ؟ ) ثم غادرت مسرعة بدون أن تتلقى الإجابة ، التي تلاشت في الهواء قبل أن تصل إلي مسامعها ، إرتسم قهر الزمن على ملامحها وعلى تقاسيم وجهها البريء مرةأخرى، عندما نعتتها مربيتها في الدار  بنفس الكلمة التي سمعتها من صديقتها في المدرسة ، بعد أن دهست تلفون المربية النقال بقدمها بدون قصد فتهشم ، إعتصرها الألم هذه المرة  وكان كثعبان إلتف حول عنقها ، هاهي تسمع هذه الكلمة مرة أخرى ، ومن من ؟ من مربيتها ، لقد قيدها الحزن تلك الليلة  ، وألقى بظلال الأرق عليها ، فلم يغمض لها جفن ، وتساقطت دموعها بلا إستئذان ، والتي                                    
كانت تحاول أن تطفأ نارحزنها ، وسعيريأسها ، لقد رسم الليل ملامح سواده عليها تلك الليلة ، فتعاظم يأسها وقهرها ، حتى قارب قمم الجبال ، وأستوطن الهم قلبها ، فأعمى بصيرتها ، وأختطف عقلها الغض ، وألقاه في مغاراته المظلمة ، السحيقة ،  فأمتدت يدها البريئة ، بسكينة الخلاص ، فقطعت وريد معصمها الأيسر ، وغادرت الدماء شرايينها المتعبة الرقيقة ، وكأنها هي الأخرى تريد أن تمد لها يد المساعدة ، وتطفأبركان حزنها ، وغضبها ، فأنسكبت بغزارة شديدة ، راغبة ً في الخروج من جسدها ، لتمنحه الراحة الأبدية ، ولاكن كان للسماء رأياً أخر ، فقد قدمت  المربية ، الي غرفتها ، لتعتذر لها عن ماحدث ، ونقلتها الي المستشفى في الوقت المناسب ، غادر الموت ، غرفة "ملامح" ، في اللحظات الأخيرة ، بعدأن أشهر سيفه المسلول ، وهمّ بذبح حياتها المثخنة بالجراح ، كان ينوي هو الأخرمديدالعون لها ولاكن على طريقته ، وبعد أن مكثت ملامح أسبوعا ًكاملا ً في المستشفى، تم إعادتها الي الدار بعد إستقرار حالتها ، بعد هذه الحادثة بعدة أيام ، قررت "ملامح "الهروب إلي المجهول ، فوضعت بعضاً من ملابسها  ، في حقيبتها المدرسية ، وغادرت  "دار رعاية الأيتام " ، وسارت على قدميها مسافة  طويلة  حتى غادرت المدينة ،شعرت ملامح أنها غادرت الماضي ، وتنفست الصعداء ، نظرت خلفها وشاهدت أطراف المدينة  تتوارى  خلف الأفق البعيد ، ومعها توارت الذكريات ، ومعاناة  الألم والقهر ، مضت ملامح ، بلا هدف ، وبلاتفكير ، وأدركت أنها لم تعد تعرف من تكون ؟، هل هي ملامح الشتاء القارس ، الذي رسم ، زمهريره ، وبرودته ، على الوجود ، 

وعلى الوجوه ،والطرقات ، والأماكن ، أم هي ملامح الصيف ، الحار ، والملتهب ، الذي يرسم ، غليانه ، على السحب الكثيفة ، فيسكب أمطار الغضب والثورة ، والجنون ، أم هي ملامح الربيع ، الهادئ ، والمنعش ، والوضاء ،الذي يرسم ، عبيرأزهاره ، عطورا ً ، على وجه الزمان  ، والمكان ، وصفحات الأمنيات ، والذكريات ،  أم هي ملامح الخطيئة ، التي إقترفها العقل البشري ، الموغل في اللاوعى ، وفي الأثم ، و العمى ، والسقوط المريع ، أم هي ملامح عصرالإستبداد ، والظلم ، والقهر ، والتسلط ، وإنهيار، القيم ، والمثل ، والمبادئ ،  لقد حكم كل من يمت  لملامح بصلة ،عليها بالخراب ، وأصبحت يمامة تائهة تحلق في سمائه ،الملبدة بالغيوم ، إنه لجوئهاالأخير الي فضاء الحياة ، الذي صنعها ، أغنية ًحزينة منكسرة، على شفاه الفجرالموشى ، بالمعاناة ، والألم ، والرحيل ، مدت ، ملامح، يدها ،الي حقيبتها المدرسية ، وأخرجت بعض أدوات الزينة ، التي سرقتها ،من غرفة ،مربيتها ، ثم زينت ملامح وجهها الطفولي ، بمساحيق التبرج ، ثم خلعت غطاءرأسها ، وحلت ضفائرها ، وألقت بحقيبتها المدرسية ، على جانب الطريق ، ثم توقفت تلك السيارة ،التي لوحت لها ملامح بكف يدها الرقيق والبريء ، وعندما إستقرت بداخلها ، لم تعد تشعر أنها ملامح ، بل شعرت أنها وطن ، غدربه أبنائه ، وجعلوا منه وطن بلا ملامح ، يسير إلي المجهول ، ليقبع في المنفى ، ثم يذوي ، ويموت ، وحيداً .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً