الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
هدية الفاشية - مصطفى لغتيري
الساعة 12:53 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

"الأيام الخمسة لحياة رسول" رواية جميلة تنتمي للأدب التركي ، وأعتبرها شخصيا من أجمل الروايات التي قرأتها في حياتي، إنها رواية  للروائي التركي تحسين يوجل و ترجمة بكر فهمي صدقي، وقد صدرت عن سلسلة إبداعات عالمية الكويتية في شهر يونيو 2003 في 362 صفحة من الحجم المتوسط، و قد بلغت درجة حبي لها أنني أحرص على إعادة قراءتها مرة واحدة على الاقل في كل سنة، و هي رواية تتميز بسخرية لاذعة تجاة الدوغمائية ، ممثلة في هذه  الرواية بالعقيدة الإشتراكية ، إنها رواية تجعلك تسخر من ذاتك قبل ان تسخر من غيرك في نوع من الباروديا أو المحاكاة الساخرة ، وتحكي قصة مسار حياة رجل تركي"اسمه رسول" اعتنق الفكر الاشتراكي منذ شبابه الأول و كان متحمسا جدا، و يكتب شعرا ينشره في المجلات متأثرا بشاعر اليسار العظيم "ناظم حكمت " وينسج اشعاره على منواله، يبدأ مسار هذا الرجل برفقة طيبة بصديق يشاركه حبه للاشتراكية، ويمضيان في حياتهما حالمين بمستقبل أفضل، تظهر في حياتها فتاة اسمها "فريدة"تنتمي للطبقة البرجوازية لكنها متمردة على طبقتها ، يتعلق بها الشابان لكن الفتاة تتعلق ب"رسول"، يتزوجان ويكافحان من أجل أن يبقيا معا ، تنجب  فريدة فتاة جميلة تشبهها ، لكنها في تلك الاثناء تفارق الحياة بسبب إفراطها في التدخين، يقرر رسول أن يظل وفيا لذكراها ولا يتزوج أبدا، ويحرص  على تربية ابنته على أسس الإشتراكية، وهو  يواظب على كتابة الشعر و الاجتماع برفاقه الذين تعرضوا لحملة قمع شرسة من طرف النظام، يعتقل فيها بعضهم، لكن رسول ظل بعيدا عن الاعتقال ، وسيعرف السبب بعد مدة طويلة، فصديقه الذي ترقى اجتماعيا واقتصاديا في عالم المال و الاعمال كان يحميه من طرف خفي ، تمردت ابنة رسول عليه ، حملت سفاحا و أنجبت له حفيدا ثم غادرت البلاد نحو أمريكا بعد ان تعلقت بجندي امريكي اسود، فأخذ رسول على عاتقه تربية حفيده على مبادئ الاشتراكية و الصراع الطبقي ، تفرقت السبل برفاق رسول لكنهم التقوا في مناسبة ما ، فلاحظ بترا في إصبع أحدهم فسأله عن السبب ، فأجابها بنوع من الفخر " إنها هدية الفاشية".

 

أصابت هذه العبارة رسول في مقتل ، لقد تمنى من اعماق قلبه لو انه تعرض للاعتقال و نال وسام الفاشية ببتر أحد أطرافه، حينذاك غضب بشدة على صديقه الذي كان يحميه. تقدم العمر برسول وهو يلقن حفيده الإشتراكية استعدادا للثورة ،لكن الحفيد تمرد ، وأصبح مغرما بأسلوب عيش البرجوازية  يرتدي ملابس أمريكية و يدخن المارلبورو و يستمع للموسيقى الأمريكية ، فتحسر رسول بسبب ذلك ، لكن المفاجاة ستحدث حين تأتي الشرطة إلى البيت فيفرح رسول لأن رجال الشرطة  تذكروه بعد هذا العمر الطويل ، و أتوا لكي يعتقلوه بسبب نشاطاته السابقة، غير أن الشرطة كان لها رأي آخر لقد جاءت لاعتقال الحفيد الذي انخرط في جماعة للكفاح المسلح ضد النظام ، أصيب رسول بصدمة، خاصة حينما رأى صور حفيده في الجرائد و في التلفزيون كالعدو رقم واحد للنظام ، حينذاك شعر رسول أن هناك خللا ما، افترضه في نفسه فبدأ وهو الشيخ يغير نمط عيشه ، فبدأ يرتدي ملابس أمريكيا ، لأن تلك الملابس ونمط العيش الامريكي هو الذي جلب الثورة. وسينتهي به المطاف نهاية مأساوية.
 

من المقاطع الجميلة و الدالة في الرواية  لقاء رسول برفاقه بعد عمر طويل فاكتشف أنهم جميعا ترقوا اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا ، و حين احتج على ذلك رد عليه أحدهم ، بما يمكنه أن يختزل  الرواية كلها : " من لم يكن اشتراكيا في شبابه فهو حمار ، و من ظل اشتراكيا في كهولته و شيخوخته فهو حمار ". وكأنه يقول له: الشباب للنضال والكهولة لحصد النتائج ، أليس هذا بالضبط ما وقع و يقع عندنا؟

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً