الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الأيقونة صديقي الحميم أحمد قاسم دماج - محمد عبدالوكيل جازم
الساعة 17:29 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن أحمد قاسم دماج ومناقبه في سطور لان تلك الأسطورة الباذخة الجمال والإيقونة المعلقة في محراب كنيسة تحتاج إلى مدونين كبار وباحثين لا يتوقفون عن البحث والمكابدة .. كما لا يمكننا الحديث عن دماج دون أن نتذكر تلك الثقافة الموغلة في العالمية.. كان دماج من تلك القامات التي تمتد لتعانق بابلو نيردا وطاغور وكازنتزاكي..وناظم حكمت؛ اللذين طالما حلقت روحه مع أجنحتهم ..لا يمكننا الحديث عنه دون الحديث عن قيم الحداثة، والأصالة والمعاصرة ..هناك خطوط عريضة يمكن السير على منوالها في سيرة حياة هذا الرجل الكبير.
 

سنتحدث كثيراً حول اختفاء صاحب الفكر الرشيق والقامة الضاربة في موروثنا الإنساني والثقافي ..سنتحدث كثيرا عن حياته وشعره وفكره وسمو همته الأخلاقية النبيلة ولكننا سنتفق على أن سبب وفاة دماج ليس المرض؛ أو عامل السن، ولكنه القهر على وطن ترقص فوق أشلاءه المبعثرة أيادي العبث والمكر والدهاء الخبيث.. وطن ساهم على انتشاله من بين كراكيب التاريخ ومن بين أنياب الوحوش الضارية ..وطن تأمله بحزن وهو رهين القلعتين: قلعة الجدران العالية والأسوار المصمتة وقلعة الإرهاب والقمع ..وطن يشبهه تماماً خاصة في تلك اللحظة التي أصبح فيها أحد رهائن قلعة القاهرة بتعز وهو طفل لم يتجاوز العاشرة؛ لكنه قوي الشكيمة لا يتزلف عكفة الظلم وعسس الليل والطواشيه.. طفل يسترق النظر إلى النجوم من بين جبال الخوف ويحن إلى صوت امة تغني نكاية بالخوف والحزن والفقد الذي سربه من بين أجنحتها...
 

أزعم انه لم يمت ولكنه اختفى... أختفى من القهر على وطن صنعه بيديه.. رافقه وهو ينتفض ثم ينمو ثم يحاول القفز على جدران المشنقة؛ لكنه يعود ليتدلى فوق حبالها كما لو أنه المتهم الأول والأخير..تأمله بحزن وهو يضيع بين أصداء نافخ البورزان وتحت سنابك بغال سجانيه.. وألم الرهائن المخيف ..وطن اختطف منه طفولته ليجد نفسه كبيرا في زمن تناقص فيه عدد الكبار وربما تلاشى كما هو حالنا اليوم ..رحل وبين جوانحه حزنا دفين يرتل سيرة الاستدارة غير المألوفة في التاريخ .وكأن لسان حاله يتساءل كيف أصبحنا نستجر سموم الأسلاف ونخبئها في قاع صدورنا.. أين الزمن المرتجى؟؟ 
 

أتذكر أن الفضل يعود له في تجميع قصص مجموعة "ريحانة" لمحمد عبدالولي؛ فحين قررت تجميع القصص والإشراف على جمعها وإخراجها كان يشجعني على ذلك وكذلك حين قررت إعادة طباعة المجموعة الكاملة لمحمد عبدالولي.. المجموعة التي تكلل خروجها إلى النور بجهود الأستاذ والكاتب الكبير عبد الباري طاهر...
 

ولعل الأهمية الكبيرة في عظمه دماج .. الأب والأخ والصديق تكمن في تلك روح الإنسانية المتوغلة في دواخله وأعماقه في تلك الكتلة النفيسة من الضمير الحي اليقظ؛ خاصة في ما يتعلق بحاجة الناس 
كان يحدثني كثيرا عن رفيقه سلطان احمد عمر قال عرفته وأنا في الرابعة من العمر وأصبحنا صديقين ..كنت كلما غادرت النقيلين وجدت نفسي في بيت احمد عمر العبسي .. لقد كنت في الرابعة حقا حين سمح لي عمي مطيع دماج بأن ألعب بمعية سلطان!! 

 

هكذا تتناسخ أروح صداقة الأجداد المؤتلفة بالحلم "اليتوبي" لتطفو مع شروق شمس الأبناء والأجداد...الصديقان مطيع وأحمد عمر ثم سلطان وأحمد قاسم دماج .. تعملقت صداقة الآباء وأصبحت تجري مثل نهر من الحلم والوفاء والنضال السرمدي والأبدي ..
 

من سيحدثنا الآن عن مثنى جبران وعبدالرقيب عبدالوهاب والنعمان الابن وقاسم غالب .. ورموز الوطنية والفكر والأدب اليمني افتقدناك حقا ياصديقي
### 
 

حين قيل لي انطفأت روحه أو اختفت على الأصح؛ جاء شريط الذكريات يتهادى تذكرت أول لقاء معه ..كان من حسن حظي أنه أول من التقيت بهم في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.. بداية التسعينيات في شارع الزراعة ..في مقيل جمعه بالأستاذ الربادي؛ ثم توافد بعض الأصدقاء أتذكر منهم الشاعر عبدالله قاضي ونائف الأمير ..
 

في كل صبح كنت على موعد معه هناك –أيضاً- وفي كل صبح كنت على موعد مع حكاية أو قصة أو أهزوجة من أهازيج العمال والفلاحين الكثيرة، ولكن بصوته الحنون والمألوف على سمعي ذلك الصوت الذي يرن ..يرن .يرن واستغرب كيف يوارى إلى الثرى كل ذلك الشجى والشجن :
 

مُو اشتعملي بُه كُلّه جشائب 
قاله شَسَلّك ولا الغَلايب
مو اشتعملي به شارب سجارة
قالت عَسنّه ولا البسارة

 

ثم يردف وهو ينظر إلى عنان السماء يااا ابن جازم: "لا تلق دهرك إلا غير مكترث" ..
"ها ..ياعبسي ... ما أجمل جبل حارات الأخضر انه من أجمل ما رأت عيني " لعله زارنا في موسم زرعي" هكذا قلت في نفسي ..فايقضني بقوله :زرته في 68م أثناء انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي الأول.. آه.. ياصاحبي ..لقد مات أجمل الأصدقاء في عدن:عبدالوارث أحمد عمر" ثم سلطان ثم عبدالرحمن.

 

وفي صباح آخر رآني ادلف من بوابة الاتحاد وفي يدي الابن غيمان..ابني الذي كان يخطو أولى خطواته في الحياة :
-يالي جمالك ياااابن جازم ..عدت بي أربعين عاماً إلى الوراء حين كان هاني يخطو خطواته الأولى في الحياة..

 

قلت له الجميلة ذاكرة الإنسان في روحك.. روحك المتوثبة دائما إلى تجسيد الجمال وانسنته..
-وأين هاني اليوم؟ هكذا سألته!!
-دكتور في جامعة حضرموت.. 
**عزائنا أن دماج كان جميلا في كل شيء والله جميل يحب الجمال ويصطفي من يشبهونه في السمو والمجد والرفعة ..

 

عزائنا –أيضاً-أن دماج ولد واقفا واختفى واقفا..لم تثنه عاديات الدهر على الانحناء بل زادته قوةً وصرامة في مواجهة العبث الذي طرأ على بلادنا.. كان -الزمن- كلما مرّ حاملا سيوفه وحرابه رأينا بريق معدنه النقي يشرق أكثر.. وقد كان دهره ممتلئ بالفجائع والمواجع تلك المواجع التي يحولها؛ كلها إلى حفريات من الدهشة والجمال : هنا يصنع ثورة وهناك يصنع مجدا للأجيال هنا يقود الثقافة وهناك يتلمس أحزان الغلابا والمتعبين. لم يضعف يوما أمام المغريات ولا رأى في مكاسب الدنيا إلا الهباء؛ على الرغم أيضاً-من ملاحقاتهم المستمرة.. وإلحاحهم الدءوب وقد كانوا يحفرون بأياديهم الخنادق والمخانق والفخاخ للإيقاع بمقامه العالي ... وكان السؤال المرّ بين أضراسهم كيف ينجو من كمائننا كل يوم؟.. 
 

#####
 

خذني إليك 
إلى فردوسك المثقل 
بأغاني الفلاحين الجدد
هؤلاء الذين ستلتقي بهم 
في المكان الجديد جداً
خذني 
إلى رأسك الممتلئة بنشيد العمال
والمحاربين
الذي صمدوا في معارك الشرف
ارفع كأسك الأولى لتشرق عينيك
كما علمت الفلاسفة والمفكرين 
ويستحسن أن تعيد ابتسامتك
أمام الجماهير الغفيرة
لأنك الرسول الذي تطيب له المساءات

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً