الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
الجماعات المهمشة في اليمن بعد عام من الحرب.. حياة أكثر قسوة «تقرير موجع»
الساعة 19:41 (الرأي برس ـ أخبار اليوم)

في ظل الأوضاع التي تعيشها اليمن، والناجمة عن الحرب، أصبحت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمهمشين.. تقول أَمة الرحمن- من مجتمع المهمشين في صنعاء- وهي تقوم بطهي وجبة الإفطار على نار مكشوفة:" إن الحرب قد تركت عائلتي أكثر فقراً عن ذي قبل". 

قبل عامين، وعدها زوجها ببناء مطبخ لها. ولكن عجلة النشاط الاقتصادي قد توقفت، وهو الآن لا يجد حتى أعمال البناء التي تكفي لإطعام الأسرة. وتضيف:" نحن لا نحصل من التسول على ما يكفي من الغذاء". 

مع الجولة الجديدة من محادثات السلام، يتزايد تسليط الضوء على محنة المهمشين وغيرهم من الجماعات المهمشة. وكيف يتسبب الصراع في تمزيق المجتمع اليمني، وكيف سيكون شكل الدولة بعدما تستقر الأمور؟.. 

عندما نشبت الحرب، كان المهمشون من أول المواطنين وأكثرهم تضرراً. ولأنهم يعيشون في الأحياء الفقيرة المبنية من القصدير والقماش المشمع والورق المقوى، فقد كانوا عُرضة بشكل خاص للقتال والضربات الجوية. وعندما فروا من ديارهم، كانوا يفتقرون إلى المال الذي يلزم للتخفيف من حدة المعاناة وإلى الصلات والمعارف التي يمكنها أن تساعدهم في العثور على مأوى، وفق تقرير لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين). 

قبل اندلاع الحرب في اليمن، كان المواطنون السود في البلاد يحتلون أدنى درجات السلم الاجتماعي. هذه الجماعة، التي عادة ما يطلق عليها اسم الأخدام وتفضل أن تدعى بالمهمشين، هي الأفقر من بين أكثر المواطنين اليمنيين فقراً في اليمن، ويعمل أفرادها في تنظيف الشوارع وجمع القمامة والتسول. 

مخاوف تمزيق النسيج 

وبعد مرور نحو عام على الصراع في اليمن، قتل أكثر من 6,200 شخص، وهذا فقط ما استطاع النظام الصحي المتهالك في البلاد إحصاءه. كما تسببت أعمال العنف في نزوح قرابة 2.5 مليون آخرين، وبات 320,000 طفل دون سن الخامسة معرضين لسوء التغذية الحاد. 

وعلى الرغم من أن الحرب قد سوّت، على نحو مروع، ساحة التنافس، إلا أن السباق بات سباقاً نحو القاع. فجميع اليمنيين تقريباً قد تضرروا للغاية من الصراع ومن الكارثة الإنسانية التي نتجت عنه. والآن تنضم مزيد من المجموعات المختلفة من اليمنيين إلى المهمشين إلى الدرجات الدنيا من السلم الاجتماعي. 

تقول بثينة الإرياني، رئيس قسم السياسات الاجتماعية في منظمة اليونيسف في اليمن لشبكة (إيرين): "في البداية، كان هناك تمييز واضح بين المهمشين واليمنيين الآخرين، ولكن الجميع الآن يتضررون بشدة". 

ويُعتقد أن هناك ما يقرب من مليون شخص مهمش في اليمن، يتركز معظمهم في محافظتي صنعاء وتعز. وهؤلاء، مثلهم مثل الغالبية العظمى من اليمنيين، مسلمون ويتحدثون اللغة العربية.. 
وفي ظل وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه في 10 أبريل الجاري، والجولة الجديدة من محادثات السلام المقرر عقدها في 18 أبريل، يتزايد تسليط الضوء على محنة المهمشين وغيرهم من الجماعات المهمشة. وكيف يتسبب الصراع في تمزيق المجتمع اليمني، وكيف سيكون شكل الدولة بعدما تستقر الأمور؟

إحباط متنام 
وفي حين أن المهمشين لا يزالون فقراء جداً، وهم ليسوا بأي حال من الأحوال اليمنيين الوحيدين الذين يكافحون الآن للعثور على ما يكفي حاجتهم من الطعام. 
وقد حذر برنامج الأغذية العالمي من أن ما يقرب من نصف المحافظات الـ 22 في اليمن على شفا المجاعة، وهناك أكثر من 13 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية. 

يروي هشام العميسي، وهو محلل سياسي في صنعاء، مشاهدته لمهمشين يتقاتلون مع يمنيين آخرين على أفضل أماكن التسول في زوايا الشوارع. إنه مشهد جديد في العاصمة، وعلامة على اليأس الذي جلبته ويلات الحرب. يقول العميسي لـ (إيرين): "من المحزن أن تراهم يتقاتلون من أجل قطعة من الخبز". 

العيش معاً 
"عندما اندلعت الحرب، كافح العديد من المهمشين من أجل التأقلم مع الوضع الجديد لأنهم لا يمتلكون عقارات وليس لديهم قرى يعودون إليها": قال التقرير. وأضاف:" ونظراً لأنهم لا يتمتعون بروابط قبلية يعتمدون عليها في وقت الشدة، فقد كانوا من أولى الجماعات التي تتوجه إلى مخيمات النازحين داخليا". 
تقول الإرياني:" أن العديد من اليمنيين الآخرين الآن قد اضطروا للانضمام إلى المهمشين في ظل انهيار شبكات الدعم القبلي لمجموعات أخرى من اليمنيين أيضاً "بسبب الفقر المدقع". 

في منطقة الشمايتين، التي تقع على بعد حوالي 70 كيلومتراً من مدينة تعز المدمرة، يعيش أكثر من 300 شخص- من المهمشين وغيرهم من المواطنين اليمنيين- معاً في مدرسة تم تحويلها إلى مخيم للنازحين داخلياً. وبالنسبة لبعض اليمنيين، يُعد العيش في مثل هذا التقارب مع المهمشين أمراً نادراً في المجتمع اليمني. 

يعتبر ماهر العولي، وهو رجل من المهمشين يبلغ من العمر 33 سنة، أن العيش في أحد الفصول المدرسية بمثابة خطوة إلى الأعلى من حيث نوعية السكن، ذلك أنه يتمتع بجدران صلبة وهناك سقف يغطيه. 
يقول العولي لـ(إيرين): "لقد اعتدت على العيش مع عائلتي واثنين من إخوتي في كوخ ... لكن لدينا الآن غرفة ... وهذا مكان أفضل بالنسبة لنا". 

تمايزات اجتماعية 
في المدرسة استخدم النازحون المكاتب لتقسيم الفصول الدراسية بين الأسر الثلاث، التي يبلغ عدد أفرادها 14 شخصاً. وقد تم تحويل سلالم وممرات المدرسة إلى مطابخ مؤقتة. 
لكن أماكن المعيشة المتجاورة لم تُغيّر بالضرورة المواقف الاجتماعية، تقول زعفران العمدة، وهي سيدة في الخمسينيات من المهمشين، أنها لا تتفاعل مع جيرانها. "حتى لو كان كل واحد منا يعيش في المخيم نفسه، فهناك مؤشرات واضحة على التمييز وعلى أنهم يكرهوننا": أضافت زعفران. 

يصف العديد من النازحين الذين يسكنون في المدرسة التي تحولت إلى مخيم المهمشين بأنهم "قذرون". وهي نظرة سلبية دونية مازال يتعامل بها غالبية المجتمع اليمني مع هذه الشريحة المنبوذة لدى شريحة واسعة من مجتمع يوصف بأنه ذو تمايزات اجتماعية.. 

لكن خارج فناء المدرسة المغبر، يلعب الأطفال من جميع الألوان كرة القدم معاً. وبحسب إيرين فإنه "في مدرسة تم تحويلها إلى مخيم للنازحين داخليًا، يعيش المهمشون وغيرهم من المواطنين اليمنيين معاً ولكن نادراً ما يختلطون ببعضهم البعض ويتفاعلون معاً". 

انهيار المجتمع 
ليس الفقر وحده الذي يدمر الشبكات القبلية، إذ أفاد العميسي أن الولاءات السياسية والتوترات الإقليمية تزيد من اتساع الفجوات. 

يوضح العميسي أن هذا قد حدث داخل عائلته بالفعل، عندما اصطف كل فرع من أفرع العائلة إلى جانب أحد الأطراف المتحاربة في الصراع، ولم يعودوا يتحدثون مع بعضهم البعض. 
الجدير بالذكر أن المتمردين الحوثيين، الذين انقلبوا على حكومة الرئيس هادي، يتخذون من صعدة، التي تقع في شمال اليمن، قاعدة لهم ولا يزالون يسيطرون على أجزاء كبيرة من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء ويحظون بدعم من الرئيس السابق على عبد الله صالح، الذي استمر في سدة الحكم 33 عاماً. 

وعلى الرغم من أن الانقسام بين الشمال والجنوب يعود لفترة ما قبل الحرب، إلا أنه أضحى في هذه الأيام، فاصلاً جغرافياً يمكن أن يعني الحياة أو الموت.

يقول العميسي: "إذا ذهبت إلى نقطة تفتيش الآن، فأول شيء سوف يسألني عنه المقاتل الحوثي: من أين أنت". والشيء نفسه يحدث عند نقاط التفتيش التي يديرها الموالون للرئيس هادي على الجانب الآخر. 
فارع المسلمي، الباحث الزائر في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، يعرب عن قلقه إزاء تنامي التقسيمات الجغرافية، التي يقول أنها تُعد في الواقع أكثر خطراً من التوترات الطائفية، على الرغم من أن الأخيرة في ازدياد أيضاً. 

مهمشون آخرون 
بصرف النظر عن المهمشين، فإن أولئك الذين يفتقرون إلى الوصول الطبيعي إلى السلطة- مثل النساء والأطفال، هم من بين الفئات الأكثر ضعفاً أيضاً. 

وفيما أعرب المسلمي عن قلقه إزاء نشوء جيل من الأطفال من دون طعام كاف، قال العميسي: "يمكنك أن تشاهد النساء يذهبن إلى صناديق القمامة في منتصف الليل، عندما لا يكون هناك أحد، للبحث عن الطعام". 
ويرى المسلمي والعميسي أن عملية الإجلاء التي قامت بها إسرائيل مؤخراً لـ 19 يمنياً يهودياً- وهم بعض من آخر ممن تبقى من أفراد الجالية اليهودية في اليمن- تعتبر مرحلة حزينة بشكل خاص في الحرب. 

وقال المسلمي أن هذا الأمر "كان صادماً بالنسبة له.. فالحضارات والأمم لا تموت عندما يموت الناس في القتال. بل يموتون عندما تندثر الأقليات والتاريخ". 
ولا أحد يلوم اليهود على ترك البلاد، ذلك أن أحد الشعارات الرئيسية للحوثين، المدونة على بعض الملصقات في شوارع صنعاء هي: "اللعنة على اليهود". 
لكن المسلمي يرى أنه ما حدث هو عرَض لمرض أعمق، في ظل تعمق الانقسامات وتصدع المجتمع. ويقول لـ(إيرين): "لم يعد هناك تقريباً مكان للعيش في سلام، خاصة إذا كنت تنتمي لأقلية أو مجموعة مهمشة أصلاً". 

تساؤل عن القادم 
أي نوع من السلام ذلك الذي ستفرزه الحرب؟.. سؤال تطرحه إيرين في تقريرها عن المهمشين في اليمن وكيف أثرت الحرب عليهم. 

والآن وبينما باتت محادثات السلام على الأبواب، ثمة قلق حول من هي الأطراف على وجه التحديد التي ستشارك في المحادثات، وإذا كانت ستمثل المجتمع المدني، وهل ستختلف تلك الأطراف عن وسطاء السلطة التقليديين في اليمن. 

ونظراً لأن الأطراف الرئيسية في الحرب هم رجال كبار في السن ورئيس سابق ومخلوع، فإن العميسي لا يتوقع أن يتم تحقيق الكثير. 

تعليقاً على ذلك، قال: "نظراً لأن الانقسامات الآن أعمق والحالة الإنسانية أكثر كارثية، فإنه حتى لو عقدت محادثات السلام فسيعود نفس الأشخاص إلى الساحة، وهذا لن يساهم في تحسين الوضع بالنسبة للشعب". 

وأعرب المسلمي أيضاً عن مخاوفه من نوعية المجتمع الذي سيتشكل بعدما تضع الحرب أوزارها: "هذه حرب أهلية، وليست لعبة كرة قدم حيث يفوز فريق أحد الفريقين ثم يعودوا إلى ديارهم ... فهناك الكراهية والانتقام والتناحر القبلي: هذه هي الأشياء المرعبة. للمرة الأولى لا يلتقي اليمنيون للتحدث مع بعضهم البعض ومضغ القات... أصبحوا الآن يلتقون لقتال بعضهم البعض. ستكون هناك عواقب للحرب. وستكون قبيحة". 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص