الاربعاء 25 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عار - أحمد مصلح الاسعدي
الساعة 14:17 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

البارحة اصابتني موجة غثيان و صداع ، لم يتقبل جوفي اي شيء ، كلما تناولته طردته سريعاً ، عمتي اخبرتني بسرور ، انها ستصبح جدة ، كانت منتشيه وهي تقول ذلك ، وكنت في غاية الارهاق والقلق ، مخافة ان يكون الامر حقيقيا واني صرت احمل في احشائي انثی ! 
 

عندما كنت في الثالثة عشر من عمري ، اتی والدي بعيد مغيب الشمس ، كنت متأهبه احضر له وعاء فيه قليلا من الماء ، كي يغسل يديه قبل تناول العشاء ، لكنه اليوم لم يجلس قرب الباب الی جوار الموقد كالعادة ، بل قصد مكان نومه وهو الجزء الداخلي من المكان الذي نسكنه ، في الواقع بيتنا هو عبارة عن صالون طويل ، النصف الداخلي المظلم منه هو مكان النوم ، علی الارض هناك عدة فرش تستلقي علی قطعة مهترئة من الحصير ، والی جوارها حقيبة قديمة ، اخرجها والدي من الكويت بعد ازمة الخليج ، ولكنها لا تزال تجمع شتات ثيابنا جميعاً ، وفي النصف الاخر نقضي بقية يومنا ونطبخ في الزاوية قرب النافذة الكبيرة التي يمكنها تصريف الدخان والتعب . 
 

 ناداني والدي بصوت خافت ، غير جهوري كعادته ، وكأنه يريد ان يخبرني سرا ، لبيت النداء وقصدت ابي علی ضوء "النواره" الباهت ، كانت خطواتي مرتبكة متعثره بافكاري عما هناك ، جالت في خاطري عدة امور ، لقد اطعمت المواشي جيدا ، واحصيت عدد الدجاج قبل ان اغلق عليها باب القن  ، عندما وصلت  كان ابي جالسا علی الارض مقرفصا ، ما ان شاهدني امامه بهيئتي المتعبة واطراف شعري غير المرتبة تبدو واضحة في الضوء خلفي ،  حتی ضرب الارض بكفه ، طالبا مني الجلوس الی جواره ، كان الامر غريبا حقاً ، ولكني كنت متأكده من ان امرا ما هناك ، جلست جوار ابي ، ولا يزال عقلي في حالة توهان عما يريده مني ، ما ان استقر جذعي النحيل جواره ، حتی وضع ابي يده علی كتفي ، وضمني اليه ، يا إلهي ، كان امرا في غاية اللذة والعذوبة ، نادرا ما كان ابي او اي احد من اخوتي يفعل ذلك معي ، بعد ضمة ابي تلك ، التي تمنيت لو انها طالت الی الابد ، وجدت ابي يدير وجهي نحوه ، و يهمس بكلام ، قال لي جملة لم ولن انساها الی الابد ، اخبرني قائلاً : "حميد ولد عمك يريد يدك ، قده وقت تستتري " . 
 

لقد حان الوقت كي استتر ، هذا ما قاله ابي ، مالذي كان عار مني كي استره ؟  لا اتذكر شيء رافق حياتي بين ابي واخوتي ولاحقا هذا الوحش المسمی زوجي سوی الاحتشام ، من الممكن ان اغفل عن اي شيء سوی هذا الامر ، لانني ببساطة مجرد عورة ،  ايا كان ، سألني ابي ما رأيي ، واجبت بجملة مقتضبه بحجم حرية الفتيات في القرية ، وهي نفس الاجابة تقريباً التي تقولها كل من جاءها "الستر"  ، قلت له وانا مطأطاة راسي  : انت اخبر . 
بعد ثلاثة ايام كن بنات الحي يتحلقن حولي ، يصفقن ويرقصن ، وانا ارتدي فستان اخضر اللون ، ذو ذيل طويل ، كنت سعيدة بذلك الفستان اكثر من اي شيء اخر ، كانت فترة طويلة قد مرت لم اقتن فيها ثيابا جديدة ، كل ما كنت ارتدي كانت ترسله لي خالتي من عدن ، وهي جميعا ثياب مستعملة لبنات خالتي ، الآئي لم يتسن لهن حضور العرس ، كون والدي مستعجل اتمام الامر سريعاً . 
 خير البر عاجلة ، بهذا العبارة اغلق ابي الباب في وجه النقاش حول حميد وتصرفاته الرعناء ، والتي كان بعضها تجاه والدي نفسه ، ولكن ربما ان والدي تغاضا عن كل شيء ، وربما صار ممتن لحميد ، لانه اسدی له خدمة جليلة وقرر ، ستر "عورة" ابي واخوتي . 
في اليوم التالي ، كنت امشي بترنح ، بين ذراعي ابي واخي الاكبر ، و زغرده النسوة ، وطقطقه اصوات البنادق ، التي افزعتني حد نسيان فرحتي بفستاني الاخضر ، كان حميد يقف امام باب بيتهم وعليه عقد من الفل وفي يده سلاح ، والدته الی جواره تحمل في يدها "مبخره" يتصاعد منها الدخان العبق ، تقدم حميد بعد ان افرغ ما في جوف سلاحه من رصاص ، وقبل رأس والدي ثم اخذ مكان اخي الاكبر ، وصرت بين يديه ويدي ابي ، كانت يده تلتف علی خاصرتي ، خانقة عنق طفولتي المنقوصة الی الابد . 

 

بعيد ساعات كانت هنالك مشكلة ، كادت تتحول لفضيحة ، حضر ابي وامي علی اثرها ، كنت قد تعرضت لنوبة توتر وبكاء كادت تطيح بكل شيء ، بعد ان اغلق حميد باب الغرفة علی كلينا وتقدم نحوي ، الرعب هو ما يمكنه وصف شعوري حينها ،  اتی ابي وامي كي يخبراني ان علي ان اكون قوية ولا اخاف ، عليه ان ينجز مهمته هذه الليلة ، ويجب ان تعلم القرية كلها ، انه حصل علی ما بين فخذي ، واني شريفة ، كأن مهمتنا في الحياة هي اثبات اننا صالحين وشرفاء ، لا اعلم اي قلوب يحمله هؤلاء البشر ، ثلاثة عشر عام وهم يمنعوني من الاحتكاك او التفكير بالرجال ، بوصف لقيانا خطيئة قاتلة ، وتركت المدرسة لذلك ، ثم بين ليلة وضحاها ، يريدان مني ان استرخ في حضن رجل دخلت للتو بيته ، وان افتح له ساقي ، وكأني قطة ستهز ذيلها  اذا قدمت لها الحليب . 
كانت تلك الليلة المشؤومة ، بداية مشوار مرهق لكل فتاة في القرية يغدو مشروع اقترانها برجل ، عملية تخلص سريعة  من فضلة زائدة علی حياة اهلها ، اذ تتحول من عار تم التخلص منه ، الی مصنع لانتاج ذات العار ، وعليها من الان ان تتحمل ادانة عارها "وعار" ما تنجبه ايضا ، لماذا ينجبون العار اذن ؟ 
يا ايها الذي في احشائي ، اذا كنت انثی لا تأت ارجوك .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً