الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
سوء التغذية.. كابوس ينهش أجساد وأحلام أطفال اليمن
سوء التغذية في اليمن
الساعة 16:45 (الرأي برس - وكالات)

الهزال الشديد وملامح وجهها الشاحبة والعينان الجاحظتان والبطن المنتفخ عوامل محت أي ملامح للعمر الحقيقي للطفلة بسمة ذات الثلاث سنوات وتركت فقط مجرد شبح لطفلة ينهشها الجوع وسوء التغذية.

حالة بسمة ليست الوحيدة في اليمن، فمن مجموع 4.7 مليون طفل دون سن الخامسة يعاني 850.000 طفل من "سوء التغذية الحاد"، و160.000 طفل من "سوء التغذية الوخيم"، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

وحسب برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة فإن اليمن يعاني من واحد من أعلى مستويات سوء التغذية في العالم بين الأطفال، حيث يعاني نحو نصف عدد الأطفال ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات - أي نحو المليونين - من نقص النمو، بينما يعاني نحو مليون من هؤلاء الأطفال من سوء تغذية شديد، في بلد يعيش حوالي 40 بالمئة من سكانه في وضع "انعدام الأمن الغذائي ولا يحصلون على وجبات غذائية متكاملة"، بحسب برنامج الغذاء العالمي.

مشكلة تنتقل عبر الأجيال

"حالات يدمى لها القلب"، على حد وصف الدكتورة سجا فاروق مديرة قسم التغذية بمنظمة اليونسيف في اليمن في خضم حديثها عن بعض الحالات التي رصدتها اليونيسف لسوء التغذية لدى الأطفال في اليمن. وذكرت مديرة قسم التغذية في حديث مع DW عربية، بعض الحالات الإنسانية، التي صادفتها أثناء عملها في هذا البلد الفقير. فقد أوردت قصة طفل كان عمره تقريبا 11 شهراً قالت إن ووزنه كان أقل بكثير مما يفترض أن يكون في مثل هذا العمر، عندما أحضرته والدته الى المركز الصحي لتلقي العلاج، في إطار برنامج معالجة سؤ التغذية الذي تقدمه اليونيسف. وتضيف الدكتورة سجا فاروق بأن المشكلة أن الأم تعاني من التقزم وضريرة والسبب، كما هو واضح من فحص القرنية، هو نقص فيتامين (أ)، وهو ما يعني أن الأم نفسها عانت وتعاني من سوء التغذية، الأمر الذي يعكس نفسه على الأطفال أيضا. في هذا السياق لفتت مسؤولة اليونيسيف النظر إلى ظاهرة خطيرة وهي أن مشكلة سوء التغذية تنتقل عبر الأجيال؛ إن " ما يبعث على القهر أن سوء التغذية مشكلة طويلة الأمد (في اليمن) وممتدة عبر الأجيال بدءاً بالأم ثم الأطفال".

حالة أخرى ذكرتها الدكتورة سجا فاروق عن إحدى الأمهات كان لديها ثلاثة أطفال ولم تكن ولاداتهم متباعدة والفارق بينها عام واحد فقط. وحتى رضيعها البالغ من العمر شهرين يعاني من سوء التغذية، بالرغم من أنه يتغذى من ثدي أمه. من بين أطفال هذه الأم طفله عمرها سنتين بدأت للتو بالمشي بالرغم من أنها كان يفترض أن تبدأ ذلك من فترة طويلة. الغريب في الأمر أن الأم لم تعتبر ذلك مشكلة إلى أن يمرض الطفل، أما إذا تأخر الطفل عن المشي أو أنه ضعيف البينة أو قصير القامة فإن ذلك ليس بمشكلة في نظر المجتمع.

انتشار ظاهرة التقزم

مشكلة سوء التغذية في اليمن لها نتائج أخرى أكثر خطورة، فإلى جانب تأثيرها على صحة الأطفال فهي تؤثر أيضا على تحصيلهم العلمي، فسوء التغذية إذا لم يعالج خلال السنتين الأولى من عمر الطفل ينجم عنه التقزم، الذي بدوره لا يؤثر فقط على مظهر الطفل البدني الخارجي، بل له تأثير على نمو دماغ الطفل أيضا. في هذا السياق تؤكد دكتورة سجا أن "إذا لم ينمو الطفل للمستوى الذي يفترض أن يكون عليه وفق العمر، فإن قدراته الذهنية وقابليته للتطور أقل من المستوى الذي كان بمقدوره الوصول إليه لو كان حصل على التغذية بشكل جيد". والأطفال المصابون بالتقزم لا يستطيعون التعلم أو الإنجاز أو الإسهام في مستقبل أسرهم ومجتمعاتهم والبلد بأسره. وتشير آخر الإحصاءات لمنظمة اليونسيف الى أن 47% من الأطفال في اليمن يعانون من التقزم. ووفق المعايير المعتمدة فإن الدول التي يصل مستوى التقزم فيها فوق 40 % تخسر ما يعادل 3-4 % من دخلها السنوي.

ورغم انتشار نقص الوزن بين الأطفال وظاهرة التقزم في اليمن، إلا أنه لا يتم النظر إلى ذلك كمشكلة. وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية "أوشا" في ما يوم الماضي فإن واحدا من بين كل خمسة أطفال في اليمن يعانون من نقص الوزن.

حلقة شيطانية مفرغة

وتشكل مشكلة سوء التغذية والفقر في اليمن حلقة مفرغة تعيد إنتاج نفسها، فسوء التغذية يؤدي إلى الفقر، فلو كان الطفل يعاني من سوء التغذية، لن يستطيع مستقبلا أن يوفر دخلا جيدا لأسرته وبالتالي توفير التغذية المناسبة والخدمات الصحية والتعليمية اللازمة، مما يعني أن الأسرة ستعيش في ظروف اقتصادية وصحية وتعليمية سيئة تؤدي في نهاية المطاف إلى الفقر وسوء التغذية، وهكذا وهلم جراً. إذاً هي حلقه مفرغة ومستمرة تنتقل عبر لذلك فإن كسر هذه الحلقة يبدأ من معالجة سوء التغذية؛ كما تقول مسؤولة اليونيسيف،؛ "إذا أردنا الحد من مشكلة الفقر في اليمن فالموضوع يبدأ بمعالجة مشكلة سوء التغذية".

تأثير النزاعات الداخلية

يمر اليمن بوضع سياسي واقتصادي حرج، حيث يسود الفقر وعدم الاستقرار السياسي، وغياب الأمن، وهناك موجات نزوح داخلية كبيرة بسبب النزاعات، إضافة إلى تدفق النازحين من دول الجوار وهذه كلها عوامل تعمق الظروف المعيشية الصعبة لليمنيين عموما والأطفال بوجه خاص، وإن كانت الدكتورة سجا تؤكد ـ في حوارها مع DW أن أكثر معدلات سؤ التغذية سُجلت في محافظة الحديدة التي كانت ـ وما زالت إلى حد ما ـ تعتبر منطقة مستقرة. لكن بعد موجة النزوح من مناطق الصراعات المجاورة للمحافظة وإنشاء مخيمات للاجئين هناك لاحظت اليونيسيف أن معدلات سوء التغذية لدى الأطفال في هذه المخيمات أعلى بكثير من أقرانهم المستقرين في بيوتهم، وهذه نتيجة منطقية بطبيعة الحال. ومع تأكيد مسؤولة اليونيسيف أن النزاعات السياسية ساهمت بشكل كبير في تفاقم مشكلة سوء التغذية لدى الأطفال" لكنها ليست السبب الرئيسي".

جهود مبذولة

إذاً والحال كذلك، يبقى السؤل المهم هو ما هي الجهود التي تبذل في مكافحة الفقر وإنقاذ أطفال اليمن من آفة الجوع التي تنهش أجسادهم الطرية؟ تشير اليونيسف إلى أن معدل سؤ التغذية لدى الأطفال في اليمن سجل هذا العام انخفاضا مقارنة بالعام الماضي 2013، فقد كان عدد الأطفال الذين يعانون من "سؤ التغذية الوخيم" العام الماضي 270.000 طفل بينما انخفض هذا العام إلى 160.000 طفل، ومع ذلك مازالت اليمن الأعلى عالميا ومازال سوء التغذية يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبل الطفل والأسرة ومستقبل اليمن بأكمله. من جانبها كانت الحكومة اليمنية قد أعدت في 2011 إستراتيجية وطنية للأمن الغذائي تتضمن تقليل معدلات سوء التغذية للأطفال بنسبة واحد بالمئة على الأقل كل عام. لكن لا يبدو أن جهود التغلب على هذه المشكلة قد حققت تقدما ملموساً، سيما في ظل ارتفاع معدل الخصوبة وبالتالي نسبة المواليد في اليمن، وزيادة الضغط على الموارد الاقتصادية المحدودة.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص