الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الوجع الدامي في قصائد الشاعر العراقي وليد حسين - مصطفى لغتيري
الساعة 18:57 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


ليست القصيدة عند الشاعر العراقي وليد حسين مجرد كلمات ينظمها كنوع من الترفـ في أوقات الفراغ، كما يفعل عادة بعض من اتخذوا الشعر موضة لتزجية الوقت الفائض على الحاجة لا أقل ولا أكثر، بل لقد اتخذت القصائد عن الشاعر شكل صرخة مدوية، تنفث من حولها رذاذ الوجع الدامي الذي ما انفك يستوطن أفئدة العراقيين خاصة والعرب عامة نتيجة المآل السيئ الذي آلت له أوضاع العراق الجريح.
 

في قصائد وليد حسين يشعر القارئ بتلك المرارة، التي تخترق الكلمات والعبارات أي بناء الجمل والصور الشعرية، فعلى مستوى المعجم يطفح الحقل الدلالي للألم وتبعاته في قصائده ومنها: الموت – القلق- التقتيل-الطاعون- الجرح- الأشلاء- الدم....
هذا الحضور المكثف نجد له تفسيرا فيما هو ذاتي أي معايشة الشاعر الفعلية للتحولات الموجعة التي يعرفها العراق، وهذا الأمر لا يمكن سوى أن يؤثر على نفسية الشاعر، كما يطرح موضوعيا الأهوال التي نتجت عن الصراع المأساوي على السلطة في العراق، واحتدام التطاحن الطائفي الذي لم يسلم منه لا طير ولا حجر ولا بشر.

 

وكما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا فهذا الوجع اكتسح كذلك بناء الجملة كذلك، فالعبارات في القصائد قلما تنفلت من النبرة الحزينة إلا فيما نذر، يقول الشاعر:
لولاك ما الجرحُ المكابرُ 
في صهيلِ البوحِ نزف

 

ولا يكتفي الشاعر في قصائد بنثر شظايا الحزن والوجع على امتداد جميل القول بل يعمد إلى فلسفته برؤيا صوفية عميقة تذكرنا بأولئك الشيوخ الذين تأملوا الذات الإلهية طويلا وصاغوا حكمهم فيما قل ودل، يقول الشاعر:
الليلُ مُرتبكٌ يطوّعُ 
مالديك.. إلى سجالِك
ويصوغُ من جمرِ الحياةِ 
مواقفاً.. منذُ اعتزالِك
ويدورُ حولك .. قابضاً
كفّاً.. بها عبقُ انثيالِك

 

الذات هنا معادل للذات الحزينة، الحاملة لهمومها، وتمضي حثيثا نحو المجهول، باحثة عن حقيقة مفترضة، قد تجدها عند المنعطف القريب، أو تتوه فلا تعثر لها على ظل أو شبه ظل، تحتمي به من حرارة قيظ، تستعر في دواخل الشاعر وفي محيطه الضاج بالأحزان.
وحين يغوص المتلقي بشكل أعمق في قصائد الشاعر العراقي وليد حسين يشعر أن هذا الوجع لم يوفر حتى الصور الشعرية للديوان، فقد جاءت ملامسة للجرح على أكثر من صعيد، يقول الشاعر:
مازلتَ تعصرُ من شفاهٍ 
في تراتيل اعتقالِك
أفلا أبحتَ الماءَ من
عينٍ .. لتهلَك في رمالِك
حتّى شربتَ الحزنَ من
رئةٍ.. تتوقُ إلى فصالك

 

في هذه الصورة الشعرية المتجاورة مع بعضها البعض والمتآلفة فيما بينها نرى كيف جعل الشاعر الشفاه تعتصر الاعتقال، ويبيح ماء العين ويشرب الحزن من رئة تتوق إلى الفصال.. إنها سمفونية الوجع التي يتغنى بها الشاعر في لحظة فارقة من حياته وحياة العراق الموغل في الألم، فلم يملك الشاعر سوى إطلاق صرخته المدوية والمحتجة على هذا المصير.
 

وحتى لا يكتفي الشاعر بالشكوى والأنين ، فإن في قصائده يتسرب إلى إلينا نور الأمل متحديا الدياجير ومتخطيا الألم، نجد مقاطع من القصائد تنشد الغد المفرح، الغد السعيد، الذي ينبعث فيه العراق من رماده كالعنقاء، فيعود له ألقه المعهود، ليساهم في بناء الوطن العربي الكبير يقول الشاعر:
فغادرت المياه الضحلةَ
كابتسامةِ طفٍل يبحثُ مع العابهِ
عن حفاظاتِ الشتاء
كأمراةٍ جميلةٍ غادرتها العنوسةُ
لتصطدمَ بحبالِ الغرور
كحمامِ الزاجلِ قررَ ان لايستبدلَ
وطنَه..

 

هنا ابتسامة الطفل رمز الغد المشرق، والمرأة الجميلة التي غادرتها العنوسة لتنجب لنا بوادر مستقبل واعد، والحمام الزاجل الذي يعود لوطنه محملا برسائل الحب والإصرار على الوحدة والبناء من أجل غد أفضل للجميع.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً